لماذا بات التقارب الهندي الأمريكي أقرب من أي وقت مضى؟

تعزز الهند وجودها -بشكل متزايد- في تحالفات متعددة الأطراف مثل مجموعة كواد الرباعية، التي تضم اليابان وأستراليا والولايات المتحدة، والتي يتزايد قلقها بشأن النفوذ العسكري والاقتصادي للصين.

لماذا بات التقارب الهندي الأمريكي أقرب من أي وقت مضى؟

ترجمات – السياق

"حلمي أن تكون الولايات المتحدة والهند أقرب دولتين في العالم بحلول عام 2020"، هكذا صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن عام 2006 عندما كان مدعيًا عامًا لولاية ديلوار، عن رؤيته لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والهند.

واليوم، بات حلم بايدن أقرب إلى التحقق، بعد أن وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وينتظر زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن الأسبوع المقبل.

ويبذل الرئيس الأمريكي قصارى جهده، لضمان أن ينتهي الأمر بالبلدين، إلى تقارب أوثق، خصوصًا اقتصاديًا وعسكريًا، حسبما ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

فعلى غرار الترحيب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول العام الماضي، تفرش واشنطن السجادة الحمراء لـمودي، وتستضيفه في عشاء رسمي خلال زيارته الثالثة إلى واشنطن في ظل إدارة بايدن.

ومن المقرر أن يلقي مودي كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس، وهي المرة الثانية له كرئيس وزراء الهند.

وأعلن البيت الأبيض -في بيان- أن الرئيس الأمريكي سيستقبل رئيس الوزراء الهندي، بزيارة دولة في 22 يونيو الجاري، لتأكيد "الشراكة العميقة الوثيقة" بين البلدين.

وستعزز الزيارة، التي تُمثل المناسبة الدبلوماسية الأعلى مستوى في البيت الأبيض، التزام الولايات المتحدة والهند "المشترك حيال منطقة (محيطين) هندي- هادئ حرة ومنفتحة ومزدهرة وآمنة"، بحسب البيان.

وأشار البيان إلى أن الزيارة ستعزز أيضًا عزم البلدين "المشترك على تطوير شراكتنا الاستراتيجية في مجال التكنولوجيا بما يشمل مجالات الدفاع والطاقة النظيفة والفضاء".

وذكر البيان أن "الزعيمين سيناقشان سُبل توسيع التبادل في مجال التعليم بشكل أكبر والعلاقات الثنائية، إلى جانب عملنا معاً لمواجهة التحديات المشتركة من تغير المناخ وصولاً إلى تطوير القوى العاملة والأمن الصحي".

 

ليست رفاهية

الزيارة رغم أهميتها فإن بسط السجادة للزعيم الهندي، لن يكون للتفاخر أو الرفاهية، وإنما محاولة أمريكية لإدخال الهند بشكل أعمق في مدارها التصنيعي والدفاعي، مع فائدة إضافية تتمثل في المساعدة بإبعاد جيش نيودلهي عن روسيا وسلاسل التوريد قبالة الصين.

تأتي الزيارة بينما تسعى الهند والولايات المتحدة لحشد الدعم ضد ازدياد نفوذ الصين، رغم المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان وتراجع الديمقراطية، في الدولة الأكثر تعدادًا للسكان في العالم.

وسبق أن اتفق البلدان -في فبراير الماضي- على اتخاذ خطوات لتعزيز شراكتهما الدفاعية، كمؤشر على مستوى التعاون بين البلدين لمواجهة "تنامي نفوذ الصين" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وتعزز الهند وجودها -بشكل متزايد- في تحالفات متعددة الأطراف مثل مجموعة كواد الرباعية، التي تضم اليابان وأستراليا والولايات المتحدة، والتي يتزايد قلقها بشأن النفوذ العسكري والاقتصادي للصين.

وأشارت المجلة إلى أنه رغم أن الجانبين كانا صريحين بشأن الإعلانات المخطط لها  فإن عددًا من الاتفاقيات المتوقعة بشأن رقائق أشباه الموصلات ومحركات الطائرات المقاتلة كانت قيد العمل لأشهر، مدعومة بزيارات إلى نيودلهي من وزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، خلال الأسابيع التي سبقت رحلة مودي.

وهذا الأسبوع، ورد أن الجانبين أبرما صفقة للهند، لشراء نحو 30 طائرة أمريكية من دون طيار.

ونقلت المجلة عن مصادر مطلعة قولها: إن الهند أجازت شراء 30 طائرة  "إم كيو 9 - بي بريداتور" من الولايات المتحدة، في أول خطوة من نوعها، لتعزيز دفاعاتها البحرية والبرية، قد تثير توترًا مع الجارتين النوويتين الصين وباكستان.

ورغم ذلك، فإن المجلة الأمريكية، أوضحت أن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة لم تكن دائمًا سلسة، إذ لا تزال الخلافات المحتملة قائمة في عدد من المجالات، خصوصًا حقوق الإنسان.

ويتهم معارضو مودي ومجموعات حقوقية، حكومته باستخدام القانون لاستهداف أي أصوات معارضة وإسكاتها.

 

تعاون دفاعي تكنولوجي

لكن التواصل التكنولوجي ربما يطغى على أي خلافات أخرى، وفي ذلك يقول تارانغيت سينغ ساندو، سفير الهند لدى واشنطن: "إذا سألتني ما الذي أراهن عليه أكثر من غيره لتعميق العلاقات بين الجانبين... فهي التكنولوجيا التي أصبحت المفتاح الرئيس لإطلاق الإمكانات الحقيقية في توثيق العلاقة".

وبينت "فورين بوليسي" أن الجانبين -الأمريكي والهندي- أمضيا شهورًا في وضع الأسس لهذه الزيارة، حتى تخرج بالشكل اللائق والمطلوب.

وأشارت إلى أن التكنولوجيا تأتي على رأس هذه التحضيرات، إذ إن مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، جيك سوليفان، ونظيره الهندي أجيت دوفال، أطلقا -أواخر يناير الماضي- مبادرة للتكنولوجيا الحرجة والناشئة، تلزم الجانبين بالتعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية واستكشاف الفضاء وأشباه الموصلات وتكنولوجيا الدفاع.

كما وقَّعت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو ووزير التجارة الهندي بيوش جويال، شراكة ثنائية في سلسلة التوريد لأشباه الموصلات بنيودلهي في مارس الماضي.

وقالت ريموندو، إن زيارة الدولة المقبلة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى واشنطن، ستمنح البلدين فرصة لزيادة تركيزهما على الشراكة التكنولوجية التجارية والاستراتيجية، في مجالات الدفاع والطاقة النظيفة وسلسلة التوريد الطبية.

وأسفرت زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى نيودلهي، عن خريطة طريق جديدة لتعزيز التعاون في مجال الصناعة الدفاعية مع الهند.

بينما وصفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الاتفاقية، بأنها "مبادرة جديدة لتعزيز التعاون التكنولوجي المتطور" بين الجيشين.

وترتبط نيودلهي وموسكو بصلات وثيقة منذ عقود، وروسيا المورد الرئيس للأسلحة للهند، لكن الهند، التي لم توجه إدانة إلى روسيا في غزو أوكرانيا، تسعى إلى إنهاء هذا التبعية في المجال العسكري، من خلال توسيع وارداتها من الأسلحة وزيادة إنتاجها الوطني.

وحسب المجلة الأمريكية، من المرجح أن تزيد الزيارة مستوى العلاقات من الناحية الدفاعية، خصوصًا في ما يتعلق بالإنتاج المشترك لمحركات الطائرات والمدفعية بعيدة المدى والمركبات العسكرية.

وأشارت إلى أن ذلك سيكون نتاج تقارب استمر سنوات لمشاركة التكنولوجيا الدفاعية مع الهند.

ونقلت عن رودرا تشودري، مديرة مركز أبحاث كارنيغي إنديا ومقره نيودلهي، قولها: "الأمر لن يتوقف عند التصنيع والبيع، وإنما هو تبادل تكنولوجي بين البلدين، الأمر الذي قد يثير مشكلة كبيرة بالمنطقة".

ونوهت إلى أن ما يقرب من نصف المعدات العسكرية الهندية من صُنع روسي، ورغم أن نيودلهي أمضت سنوات في محاولة تنويع هذا الإمداد، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا زادت الحاجة الملحة لإيجاد رفقاء جدد، وهو ما تراه واشنطن فرصة للدخول على الخط، وتعميق العلاقات الدفاعية والعسكرية مع نيودلهي.

وترى أبارنا باندي، مديرة مبادرة الهند في معهد هدسون، أن زيارة مودي، فرصة مهمة للولايات المتحدة، لفطم الهند عن الأسلحة الروسية، بسبب نقص قطع الإمداد من موسكو خلال الفترة الأخيرة، ومن ثمّ سيسهل على واشنطن إقناع نيودلهي بشراء مزيد من الأسلحة الأمريكية وتنوع مصادرها الدفاعية.

 

الصين

وبينت "فورين بوليسي" أن بين العوامل التي تجعل التقارب الأمريكي الهندي الآن أكثر من أي وقت مضى، اشتراكهما في القلق بشأن تزايد نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشارت إلى أن علاقة الهند مع الصين تدهورت بشكل أكثر دراماتيكية، ووصلت لحد الاشتباك العسكري على حدودهما المشتركة، ما استدعى نيودلهي لاتخاذ عدد من القرارات ضد التكنولوجيا الصينية (ومنها حظر تيك توك) منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

كما أن التوسع البحري الصيني في المحيط الهندي، أثار قلق الهند أيضًا وعزز أهمية ما تسمى مجموعة الدول الرباعية.

في غضون ذلك، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها -بشكل عاجل- إعادة توجيه سلاسل التوريد التكنولوجي العالمية لتقليل الاعتماد على الصين، التي أمضت سنوات لترسيخ مكانتها في هذه الصناعة.

وحسب المجلة، تقدم الهند بديلاً جاهزًا من نواحٍ عدة، ينبع الكثير منها من وضعها الجديد كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهذا يعني قوة عاملة كبيرة، تضم ملايين المهندسين المهرة، مع تكاليف تصنيع منخفضة نسبيًا.

ومثل الصين، يُمثل الحجم الهائل للهند أيضًا سوقًا محليًا ضخمًا محتملًا للشركات الأمريكية، وهي ميزة على البدائل الأخرى مثل فيتنام والمكسيك.

لكن، لا تزال هناك عقبات يجب التغلب عليها، بما في ذلك تاريخ الهند في الحمائية والتقليد الذي أحرق الشركات الأمريكية، وجعل من الصعب إنشاء نوع البنية التحتية التصنيعية المطلوبة لمنافسة ما بنته الصين.

يتردد أيضًا أن مشروعًا مشتركًا لأشباه الموصلات بـ 19 مليار دولار بين التكتل الهندي فيدانتا والشركة المصنعة التايوانية فوكسكون، قد تعرقل بسبب رفض الحوافز الحكومية.

وتُمثل التحديات التي تواجهها الشركات نكسة كبيرة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي جعل صناعة الرقائق أولوية قصوى لأنه يريد "الدخول في حقبة جديدة لتصنيع الإلكترونيات" من خلال جذب الشركات العالمية.

والهند ، التي تتوقع أن تبلغ قيمة سوق أشباه الموصلات لديها 63 مليار دولار بحلول عام 2026، تلقت -العام الماضي- ثلاثة طلبات لإنشاء مصانع في إطار مخطط حوافز بـ 10 مليارات دولار.

ورغم المخاوف من أن تطغى على الزيارة رغبة الولايات المتحدة في التحدث عن بعض الأمور المتعلقة بتراجع الديمقراطية في الهند، فإن خبراء يرون أن الضرورات الاستراتيجية أكبر من أن تتحمل استعداء شراكة حيوية مع بلد كبير بحجم الهند، خصوصًا في ظل توسع النفوذ الصيني.