كيف تموّل كوريا الشمالية ترسانتها النووية في ظل العقوبات الاقتصادية؟

كوريا الشمالية سرقت من 2019 إلى نوفمبر 2020 نحو 316.4 مليون دولار من العملات المشفرة عبر الهجمات الإلكترونية

كيف تموّل كوريا الشمالية ترسانتها النووية في ظل العقوبات الاقتصادية؟
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون

ترجمات - السياق

الهجمات السيبرانية والقرصنة الإلكترونية التي اشتهرت بها كوريا الشمالية، أحد أهم الموارد الرئيسة لتمويل نظام كيم جونغ أون المحاصر، وأبعد من ذلك تستخدم واردات تلك العمليات في تطوير أسلحة كورية استراتيجية مثل الأسلحة النووية والصواريخ البالستية.

 قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية إن كوريا الشمالية أجرت -حتى الآن- ست تجارب نووية (أكتوبر 2006 مايو 2009، فبراير 2013، يناير 2016، سبتمبر 2016، سبتمبر 2017) وعددًا من تجارب الصواريخ البالستية.

وأشارت إلى أنه منذ أول تجربة نووية لها، فُرضت العقوبات الدولية على بيونغ يانغ وتعززت بمرور الوقت، حتى الصين، الحليف العسكري الوحيد لكوريا الشمالية والداعم الرئيس لها في عالم ما بعد الحرب الباردة، انضمت إلى المجتمع الدولي في تلك العقوبات.

وشددت المجلة على أن الاقتصاد الكوري الشمالي عانى بشدة جراء هذه العقوبات لأنها نُفذت بصرامة شديدة، وأن كيم جونغ أون، الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية، اعترف عام 2018 بأن العقوبات الدولية القاسية تهدد استمرار الحياة في بلاده.

المحادثات النووية

وبينت "ناشيونال إنترست" أن العقوبات المشددة كانت أكثر فعالية خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رغم القمتين التاريخيتين للولايات المتحدة وكوريا الشمالية (بسنغافورة في يونيو 2018 وهانوي في فبراير 2019).

وأوضحت أن كيم ذهب إلى تلك المفاوضات وفقًا لجدوله الزمني وخططه الاستراتيجية، أي أنه بدأ محادثات نووية مع الولايات المتحدة فقط، بعد أن خلص إلى أن كوريا الشمالية أكملت قدراتها النووية، مع عدم وجود أي نية للتخلي عن هذه الأسلحة، بل وتعزيز هذه القدرات.

كيف تمكنت من تمويل برامجها النووية؟

وذكرت المجلة الأمريكية، أنه مما لا يثير الدهشة، استمرار استفزازات كوريا الشمالية، في ظل إدارة جو بايدن أيضًا، التي تولت السلطة في يناير 2021، مشيرة إلى أنه في مايو من هذا العام، أطلقت كوريا الشمالية اثني عشر صاروخًا قصير المدى ومتوسط المدى، إضافة إلى صاروخين بالستيين عابرين للقارات، منتهكة بذلك الحظر الذي فرضته ذاتيًا أربع سنوات على تجارب الأسلحة الاستراتيجية، علاوة على ذلك، هناك مؤشرات على أنها تستعد لتجربة نووية أخرى.

وتساءلت المجلة: كيف يمكن لكوريا الشمالية -في ظل العقوبات الدولية المشددة- أن تموِّل تلك الاختبارات؟ مشددة على أن صُنع واختبار الأسلحة النووية والصواريخ البالستية يتطلب رأس مال.

وتجيب "ناشيونال إنترست": القدرات الإلكترونية المتنوعة لكوريا الشمالية -بما في ذلك التجسس والتخريب وسرقة البنوك عبر الإنترنت والقرصنة والاستطلاع وهجمات البرامج الضارة- توفر وسائل فعّالة للغاية للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها.

الاضطرابات في البلدان المعادية

وأشارت إلى أن كوريا الشمالية استثمرت بتعزيز قدراتها في الحرب الإلكترونية في عالم ما بعد الحرب الباردة، موضحة أنه على وجه الخصوص، منذ ملاحظة كيم عام 2013 أن قدرات الحرب الإلكترونية لكوريا الشمالية كانت "سيفها متعدد الأغراض" وتقدم قيمة استراتيجية مهمة، بذلت بيونغ يانغ جهودًا كبيرة في تطويرها.

وحسب المجلة الأمريكية، تشكل القدرات الإلكترونية لبيونغ يانغ، إلى جانب الأسلحة النووية والصواريخ البالستية "قدراتها الحربية غير المسبوقة" وتخدم أهدافها الاستراتيجية مثل إحداث اضطرابات اجتماعية في البلدان المعادية، وموازنة القدرات العسكرية التقليدية المتدنية، وتمويل نظامها الفقير، وما إلى ذلك.

واستشهدت المجلة بعدد من الهجمات الإلكترونية، التي تشنها كوريا الشمالية على المؤسسات المالية، التي زادت بشكل كبير في العقد الماضي، ومن ذلك الهجوم الإلكتروني الذي شنته على البنك المركزي البنغلاديشي عام 2016 .

استهداف "سويفت"

وذكرت أن هذا الهجوم صاحبه قلق دولي كبير، لأن المتسللين استخدموا الشبكات المصرفية لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك سويفت، التي تعد العمود الفقري للنظام المالي العالمي، لتحويل أموال غير مشروعة بلغت 81 مليون دولار، مبينة أنه حتى النظام المالي العالمي مثل سويفت الذي يحمل مليارات الدولارات يوميًا، يمكن أن يكون أيضًا عرضة للهجمات الإلكترونية المعقدة لكوريا الشمالية.

تعطيل البنوك

وذكرت "ناشيونال إنترست" أنه قبل هذا الهجوم، أثبتت كوريا الشمالية قدرتها على شن هجمات إلكترونية لتعطيل البنوك الأجنبية، مشيرة إلى أن هجمات بيونغ يانغ الإلكترونية لعام 2013 على البنوك الكورية الجنوبية تعد مثالاً واضحاً؟

وتعتقد المجلة أن كوريا الشمالية متورطة في عمليات سرقة إلكترونية في أكثر من عشرين دولة، إضافة إلى ذلك، أصبحت عمليات تبادل العملات المشفرة هدفًا لهجماتها الإلكترونية.

العملات المسروقة

من جانبها، ذكرت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة التي تراقب العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ عام 2018 أن كوريا الشمالية كشفت 65 في المئة من العملات المشفرة المسروقة في العالم خلال 2017-2018.

ووفقًا للجنة نفسها، فإن كوريا الشمالية سرقت من 2019 إلى نوفمبر 2020 نحو 316.4 مليون دولار من العملات المشفرة من خلال الهجمات الإلكترونية.

وفي فبراير من هذا العام، ذكرت اللجنة، نقلاً عن شركة الأمن السيبراني Chainalysis أن كوريا الشمالية ربحت قرابة 400 مليون دولار من الأصول الرقمية عام 2021 وحده نتيجة لإطلاق أكثر من سبع هجمات إلكترونية على منصات العملات المشفرة.

علاوة على ذلك، في أبريل الماضي، ربطت وزارة الخزانة الأمريكية بين كوريا الشمالية وسرقة ما يقرب من 615 مليون دولار من العملات المشفرة من مشروع blockchain Ronin المرتبط بلعبة Axie Infinity  الشهيرة على الإنترنت.
من هم لازاروس؟

وحسب المجلة الأمريكية، فقد كان اختراق محفظة رونين، في 23 مارس الماضي، ثاني أكبر سرقة للعملات المشفرة على الإطلاق.

وكشفت المجلة الأمريكية أن "لازاروس" -مجموعة قرصنة ترعاها الدولة في كوريا الشمالية ويسيطر عليها مكتب الاستخبارات الرئيسي في بيونغ يانغ- هي التي تقف وراء كل هذه الهجمات الإلكترونية تقريبًا.

على أن الأمر المثير للدهشة أن الأموال المستخرجة من هذه العمليات السيبرانية، تُستخدم ليس فقط لتمويل نظام كيم المحاصر، الذي يخضع لعقوبات صارمة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ولكن أيضًا لتحديث أسلحته الاستراتيجية مثل الأسلحة النووية والصواريخ البالستية.