هل تستطيع صناعة السينما السعودية الانطلاق؟
السياسة السعودية في مجال الترفيه والتسلية تغيرت، بعد الإصلاحات التي أقرتها المملكة في مجال الترفيه عام 2017 عندما تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، الذي أعلن برنامجًا إصلاحيًا شاملًا أطلق عليه رؤية السعودية 2030.

ترجمات – السياق
تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن مدى إمكانية نجاح صناعة السينما السعودية، في الانطلاق محليًا وإقليميًا، في ظل رؤية المملكة 2030 لتخصيص جزء كبير للإنتاج السينمائي، حيث تشهد طفرة في صناعة المواد الفنية.
وسلَّطت المجلة الضوء على العمل الدرامي (تكي)، وهو أول مسلسل سعودي درامي على "يوتيوب" يحقق أرقامًا عالية في نسب المشاهدة منذ عرض أول حلقة في 20 فبراير 2012.
يحاول المسلسل إثبات أن السعودية ليست أرضًا للإسلاميين المتشددين والشيوخ الأثرياء، الذين يسكنون القصور المذهبة، وإنما بلد تملأ شوارعه الحفر ويتقشر الطلاء من الجدران، حيث يتجول الشباب السعودي على الدراجات البخارية بحثًا عن القليل من الترفيه بعيدًا عن الملل الذي أصابهم.
وخلال العمل الدرامي، يقول مالك، بطل الرواية، لأصدقائه في أحد المشاهد: "عشرة أيام في إجازة وما زلنا لا نتمتع بأي شيء"، فيجيب أحدهم: "دعونا نذهب إلى دبي".
وحسب المجلة، فقد كان (تكي) قبل عقد من الزمن يعرض فقط على منصة يوتيوب، أما الآن فقد حقق نجاحًا كبيرًا على نتفلكس، المنصة العالمية التي بثت الموسم الثالث من المسلسل، في محاولة للاستفادة من جمهور كبير جرى تجاهله إلى حد كبير في المملكة العربية السعودية.
قصة نجاح
عام 2020، وقعت تلفاز 11، الشركة السعودية المنتجة للمسلسل، صفقة من ثمانية أفلام مع خدمة البث المباشر. وأصبحت قصة نجاح لصانعي الأفلام الطموحين في المملكة العربية السعودية، الذين اضطروا -حينها- إلى مراوغة (الشرطة الدينية) في البلاد من أجل التصوير.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الشرطة الدينية كانت تفرض قوانين أخلاقية صارمة على السعوديين، وغالبًا ما تضايقهم لمجرد نزوة ما، موضحة أنه أثناء تصوير فيلمها وجدة لعام 2012 في شوارع الرياض، قالت هيفاء المنصور، أول امرأة سعودية أخرجت فيلمًا طويلاً، إنها اضطرت للاختباء في شاحنات صغيرة وإعطاء توجيهات للممثلين عبر الهاتف.
ونقلت المجلة عن مازن حايك، مستشار الاتصالات الإعلامية، المتحدث السابق باسم MBC، أكبر شبكة تلفزيونية في الوطن العربي، وصفه للتغييرات في صناعة الإعلام والسينما السعودية بأنها "ثورة ثقافية".
بينما قالت سارة طيبة، المخرجة السعودية التي درست الفنون الجميلة في سان فرانسيسكو، لـ "فورين بوليسي": إنها حقبة مهمة جدًا في صناعة الأفلام بالسعودية، وأعتقد أنها أكثر أهمية بالنسبة لنا كمبدعات، لقد تم التغاضي عن أصواتنا فترة طويلة، وذلك ينتهي الآن.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن السياسة السعودية في مجال الترفيه والتسلية تغيرت، بعد الإصلاحات التي أقرتها المملكة في مجال الترفيه عام 2017 عندما تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، الذي أعلن برنامجًا إصلاحيًا شاملًا أطلق عليه رؤية السعودية 2030، تهدف لإنهاء اعتماد المملكة الاقتصادي على الوقود الأحفوري، من خلال تحويلها إلى وجهة عالمية للسياحة والترفيه.
وذكرت المجلة أن الأمير محمد بن سلمان يكتسب دعاية إيجابية محليًا لتوسيعه صناعة السينما السعودية، إذ بات بالنسبة للعديد من السعوديين، رجل العصر الذي فتح لهم آفاقًا وفرصًا لم تكن موجودة، ولم يكن بإمكانهم حتى تخيلها.
نمو قطاع الترفيه
وبالفعل -حسب "فورين بوليسي"- نما قطاع الترفيه في المملكة العربية السعودية بشكل كبير، مشيرة إلى أنه قبل أربع سنوات، أعادت المملكة افتتاح دور السينما -التي حققت أرباحًا ضخمة بالفعل- بعد توقف دام أكثر من 35 عامًا.
وذكرت أنه بدا من الواضح أن هناك إقبالًا كبيرًا على دور السينما داخل المملكة، إذ انتشرت المئات منها في جميع أنحاء البلاد، وارتفعت عائداتها إلى نحو 238 مليون دولار عام 2021.
وحسب المجلة، قالت الحكومة السعودية إنها تخطط لإنشاء 2600 دار سينما بحلول عام 2030، فضلًا عن أنها تموّل صانعي الأفلام المحليين والإقليميين.
وأمام هذه التطورات، كشفت "فورين بوليسي" أن الممثلين والمخرجين السعوديين الذين فروا من البلاد، عادوا إلى ديارهم لإنتاج أفلام داخل المملكة وحولها، مشيرة إلى أنه -على سبيل المثال- تستعد المخرجة السعودية عهد حسن كامل لتصوير فيلم عن سائق عائلتها، بينما عادت الكاتبة السعودية منى خاشقجي لإنتاج أفلام في وطنها، بعد عقدين من الإقامة بلندن.
100 فيلم
وبينت "فورين بوليسي" أن الرياض أيضًا حددت هدفًا لتصوير 100 فيلم في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2030، لجعل البلاد الوجهة الأكثر شعبية لتصوير الأفلام في المنطقة، لتحل محل المغرب.
وأشارت إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة استضافت السعودية تصوير فيلم قندهار، وهي قصة تجسس مثيرة من بطولة جيرارد بتلر، والملحمة التاريخية محارب الصحراء وجرى تصويرهما في العلا، وهي منطقة تضم أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.
في غضون ذلك -حسب المجلة- يأمل الفنانون المصريون والسوريون واللبنانيون المجاورون، الاستفادة من خطط الرياض لتأمين تمويل سعودي لا يمكنهم الحصول عليه في أوطانهم.
وذكرت أنه العام الماضي، أطلقت المملكة العربية السعودية صندوق البحر الأحمر لتمويل صانعي الأفلام، واستقبلت مئات المتقدمين من جميع أنحاء المنطقة، لافتة إلى أنه بين ما يقرب من 100 مشروع جرى تمويلها، كان 60 من المنطقة العربية و15 مشروعًا سينمائيًا نسائيًا.
ومع ذلك حتى في الوقت الذي تموِّل فيه الرياض الإنتاج وتسويق النجوم من جميع أنحاء العالم، تواجه صناعة السينما السعودية الناشئة فيها تحديات كبيرة.
من هذه التحديات ضرورة تنمية المواهب الشابة، وهو أمر قد يستغرق بعض الوقت، إذ دخل المجلس السعودي للأفلام في شراكة مع مدرسة السينما الفرنسية (لا فيميس)، وجامعة جنوب كاليفورنيا، لتحقيق هذا الأمر.
التحدي الآخر -حسب المجلة- إمكانية تطبيق القيم الغربية (فجأة) على مجتمع مر عليه نحو 40 عامًا من التحفظ الشديد.
وتعليقًا على ذلك، يرى مازن حايك ، مستشار الاتصالات الإعلامية، أنه من غير العدل مقارنة صناعة السينما السعودية بهوليوود أو بوليوود، متوقعًا أن يكون للنمو في صناعة المحتوى السعودية تأثير إيجابي مضاعف عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.