الانتخابات النيابية... هل تُخرِج لبنان من حافة الهاوية؟

قبل عامين، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين من جميع الطوائف إلى الشوارع، في سلسلة من الاحتجاجات التي اجتاحت الأمة، مطالبين بإنهاء النظام الطائفي في البلاد، الذي يقسم السلطة على أساس الطائفة، في ظل نظام المحاصصة.

الانتخابات النيابية... هل تُخرِج لبنان من حافة الهاوية؟

ترجمات - السياق

يتوجه اللبنانيون، الأحد 15 مايو، إلى صناديق اقتراع الانتخابات النيابية، التي تجري في ظل أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، بدأت ملامحها خريف 2019 وترافقت مع حراك شعبي، طالب بانتخابات نيابية مبكرة.

وتأتي بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 الذي أسفر عن قتل أكثر من 200 شخص، وجرح 6000، إضافة إلى دمار هائل للأبنية والمؤسسات التجارية المحيطة بالمرفأ، من دون أن يتمكن القضاء اللبناني من استكمال التحقيق في ملف الانفجار

ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات النيابية وفق القانون النسبي والصوت التفضيلي، حيث يتوزع الناخبون اللبنانيون وعددهم نحو 4 ملايين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبًا جديدًا.

إلى ذلك وصفت "فورين بوليسي" الطريقة التي يستعد بها اللبنانيون للانتخابات، مشيرة إلى أنه في بلدية لاسا الهادئة، على بُعد 56 ميلاً شمال بيروت، بينما تُرعى الأغنام في التلال، تُرفع أعلام حزب الله على كل أسطح المنازل تقريبًا.

وبينت أن أغلبية اللافتات، في منطقة الأغلبية الشيعية، تعلن دعم مرشح حزب الله (رائد برو)، ونقلت عن فاطمة المقداد من سكان لاسا قولها: "إنهم يساعدوننا في الرعاية الصحية والوظائف ويمثلون إيماننا في البرلمان"، مضيفة: "سندعم حزب الله لأنه يدعمنا".

بينما على بُعد 10 دقائق بالسيارة -تضيف المجلة- في قرية العاقورة الجبلية، يؤيد الكثيرون حزبًا منافسًا هو القوات اللبنانية المسيحية المارونية اليمينية المتطرفة.

ونقلت المجلة عن فيليب جيرمانوس -مزارع التفاح والكرز الذي يخطط للتصويت لمرشح مستقل- قوله إنه يشعر بالإحباط لأن إخوانه المسيحيين من المرجح أن يدعموا الخصومات الطائفية، وأضاف وهو جالس بالقرب من مدفأة في كوخه: "كثيرون من المسيحيين هنا يرون حزب الله أكبر عدو لهم، ويميلون للتصويت للقوات اللبنانية، لكن ذلك لا يساعدنا في دفع البلاد نحو التقدم الاجتماعي والاقتصادي".

السلطة الطائفية

وتذكر "فورين بوليسي" بأنه قبل عامين، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين من جميع الطوائف إلى الشوارع، في سلسلة من الاحتجاجات التي اجتاحت الأمة، مطالبين بإنهاء النظام الطائفي في البلاد، الذي يقسم السلطة على أساس الطائفة، في ظل نظام المحاصصة.

وقالت المجلة إن الذين خرجوا حينها كانوا يأملون دخول طبقة سياسية جديدة، من شأنها سن إصلاحات لمكافحة الفساد المستشري وإنشاء قضاء مستقل، وإطلاق العنان للمساعدات الدولية لمساعدة البلاد في الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق.

وحسب "فورين بولسي" أجبرت الاحتجاجات رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري على الاستقالة، وحظيت بدعم دولي للإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد، لكن منذ ذلك الحين، انهار اقتصاد البلاد بشكل مطرد، وفشل القادة اللاحقون، الذين لا يزالون يُعتقد أنهم تحت سيطرة النخبة الحاكمة نفسها، في حل الأزمة.

الخروج من الهاوية

وحسب محللين سياسيين، تحدثوا للمجلة الأمريكية، فإن انتخابات الأحد -الأولى منذ الانتفاضة- ضرورية لإخراج السياسة اللبنانية من الهاوية، لكن مع اقتراب يوم الانتخابات، يعتقد القليل من هؤلاء المحللين، أن الأحزاب الجديدة التي انبثقت من الانتفاضة، مثل مقاومي بيروت والمواطنون في دولة، ستنجح في إطاحة الطبقة الحاكمة، التي تشبثت بالسلطة منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990.

وترى المجلة، أن نجاح الأحزاب الجديدة، قد يحدث رغم (قوة طائفية المنافسات)، مثل تلك التي تظهر في لاسا والعاقورة، إذ تواصل الأحزاب القائمة سيطرتها على عدد كبير من الناخبين.

 

مفاجآت الانتخابات

وعما سمتها مجلة فورين بوليسي "مفاجآت الانتخابات"، أوضحت أنه حسب استطلاع أجرته منظمة أوكسفام في أبريل الماضي، يعتقد 98 بالمئة من أصل 4675 أن أداء النخبة الحاكمة كان سيئًا.

وأشارت إلى أن هذه النسبة الكبيرة المناوئة للنخبة الحاكمة، جاءت على خلفية الانفجار القاتل، الذي وقع ببيروت في أغسطس 2020 وتسبب في إضعاف ثقة الناس بالطبقة السياسية التي ألقوا باللوم فيها على سوء إدارة الميناء.

 

فقر مدقع

وبينت، أنه في ظل الانهيار الاقتصادي، يعيش نحو 74 في المئة من اللبنانيين في فقر مدقع، مشيرة إلى أنه بينما فقدت الليرة اللبنانية نحو 90 في المئة من قيمتها، واختفى الغاز، وانعدمت المواد الأساسية، باتت الجريمة آخذة في الازدياد، واختفت الكهرباء شيئًا فشيئًا، حتى باتت لا تأتي سوى ساعتين فقط في اليوم، ما يجعل البلاد تعتمد على "مافيا المولدات".

وأوضحت المجلة الأمريكية، أن هذه العوامل أدت إلى تزايد أعداد الهجرة، إذ هجر نحو 250000 شخص البلاد خلال العامين الماضيين.

وتضيف المجلة: رغم أن الشعب اللبناني سئم الوضع الراهن، فإن هناك العديد من الحواجز التي تحول دون التغيير.

 

طمعًا في الرعاية المالية

حسب استطلاع "أوكسفام" كان هناك 40 في المئة من أولئك الذين كانوا غير راضين عن الطبقة الحاكمة، ما زالوا يخططون للتصويت للأحزاب التقليدية بسبب الرعاية المالية.

وتعليقًا على ذلك، نقلت المجلة الأمريكية عن محللين قولهم: هذه العوامل ستستمر بالتأثير في الناخبين، بما في ذلك أولئك الذين يجدون الأحزاب القائمة غير فعّالة.

وأضافت المجلة أنه حتى أولئك الذين يريدون التغيير مرتبكون بشأن أي من مئات الكيانات السياسية الجديدة يجب أن يدعموا، مشيرة إلى أن أكثر من 1000 مرشح يتنافس على هيئة تشريعية مكونة من 128 مقعدًا تضم هيئة مستقلة واحدة فقط.

وقال مارك ضو، أستاذ الدراسات الإعلامية بالجامعة الأمريكية في بيروت، إنه في بعض الدوائر الانتخابية، هناك ما يصل إلى 15 مجموعة مستقلة تربك الناخبين.


هيكل المعارضة

بينما قال جاد غصن، صحفي سابق للمجلة: "لدينا 300 مجموعة سياسية تدعي أنها من المعارضة والثورة، وليس لدينا أي هيكل لإجراء نقاش أو محاولة التنسيق بين هذه الجماعات المعارضة".

وقال لوري هاتيان، مستشار الطاقة، المحلل السياسي اللبناني: "اعتمد الناس على الطبقة السياسية الجديدة كمحاولة للتغيير، لكنهم فشلوا في التنظيم"، مشيرًا إلى أن العديد من المجموعات المتفرقة شاركت في الاحتجاجات، وشعرت جميعها بأن لديها الشرعية والحق في تمثيل شعبها بالانتخابات، إلا أن ما يعيق نجاحها هو سوء التنظيم.

 

ترسانة حزب الله

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن الخلافات السياسية أدت إلى مزيد من الانقسام في المجموعات السياسية الجديدة، ما يجعل من الصعب للغاية طرح جبهة موحدة.

وتعليقًا على ذلك، يقول مارك ضو، وهو مرشح مستقل من مدينة عاليه قدمه حزب التقدم، وهو حزب مستقل تأسس عام 2019: الخلافات على القضايا الجوهرية -مثل ترسانة أسلحة حزب الله الهائلة ومدى تدخل إيران في السياسة اللبنانية- جعلت طرح جبهة موحدة أمرًا مستحيلاً.

وأضاف: "بعض الجماعات تعتقد أن أسلحة حزب الله لها وظيفة دفاعية، ويجب ألا نعارضها بشكل قاطع، لأن هناك منفعة وطنية، لكن آخرين، مثل حزب التقدم، يعتقدون أن هذه الأسلحة غير مشروعة وتقوِّض الدولة وعملية بناء الدولة برمتها".

وحسب "فورين بوليسي" يتوقع بعض المحللين نظامًا انتخابيًا معقدًا، جرى تقديمه عام 2017، لتعزيز مكانة "الحرس القديم".

 

آلية الانتخاب

وأشارت إلى أن اللبنانيين يصوتون على أساس نظام التمثيل النسبي، حيث يشكل مرشحون عدة قائمة واحدة في دائرة انتخابية، تتنافس بعد ذلك مع القوائم الأخرى، موضحة أنه في هذا العام، هناك 103 قوائم، وفي المتوسط، على الأقل ثلاث قوائم معارضة في كل دائرة من 15 دائرة انتخابية، لافتة إلى أن القائمة تحتاج إلى عدد معين من الأصوات للتأهل للحصول على مقعد، بينما يتم تحديد هذه العتبة بقسمة عدد الأصوات على عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية.

ونقلت المجلة عن كريستوف قيروز ، مساعد باحث أول في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، قوله: "سيستمر التلاعب في الدوائر الانتخابية والحصص الطائفية في مساعدة النخبة الحاكمة".

 

عنف حزب الله

بينما يعتقد بهاء الحريري -نجل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي حددت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أنه اغتيل على يد حزب الله- أن النظام مصمم لمنفعة حزب الله على وجه الخصوص (رغم أن الخبراء يميلون إلى الاتفاق على أنه يفضل جميع الأطراف التقليدية الكبيرة)، وقال: "إنه أكثر عدلا في المناطق التي يمكن للمرشحين أن يتنافسوا فيها، من دون تهديد عنف حزب الله".

 

الآفاق قاتمة

وحسب "فورين بوليسي" رغم أن الآفاق تبدو قاتمة، فإن بعض الخبراء قالوا إن المرشحين المستقلين لا تزال لديهم فرصة لتشكيل تحالفات بعد الانتخابات، إذا جرى انتخاب بعضهم.

ونقلت المجلة عن المحلل السياسي سامي نادر، قوله: "كان من الأفضل لو توصلوا إلى قائمة أو قائمتين، لكن التنوع ليس بالأمر السيئ، إذ يمكنهم تشكيل كتلة بعد الانتخابات"، وهو ما أكده محللون آخرون بأنه حتى لو فاز 10 أو 20 من السياسيين الجدد فقط بمقاعد في البرلمان، يمكنهم تحدي الطبقة الحاكمة من الداخل.