الحوثيون على خُطى طالبان... هل تحول المليشيات صنعاء لإمارة أفغانية؟
حصيلة الانقلاب الحوثي على اليمن... اعتقالات واختطاف وتجنيد قسري

السياق
مئات من أحكام الإعدام والاختطاف والقتل، ضريبة باهظة دفعها اليمنيون خلال الأعوام المنصرمة، جراء العدوان الحوثي الذي حمل على عاتقه ترهيب اليمنيين، صغيرهم وكبيرهم، واضعًا إياهم تحت مقصلته، من دون رادع.
تلك الأعوام، التي مرت على اليمنيين كأنها دهر، عاثت فيها مليشيات الحوثي فسادًا وإرهابًا في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بل إنها لم تكتفِ بذلك، بل أفسدت فرصًا ذهبية لإنهاء القتال الدائر في البلد العربي الذي لم تندمل جراحه.
إرهاب الحوثيين
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قال -في أحدث تقرير- إن مليشيات الحوثي أصدرت منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2014، نحو 350 حكم إعدام بحق سياسيين ونشطاء معارضين وصحفيين وعسكريين، نفذت منهم 11 حكمًا على الأقل.
وقال المرصد الأورومتوسطي، في التقرير الذي اطلعت «السياق»، على نسخة منه، إن مليشيات الحوثي تجاهلت تطبيق معايير حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن المتهمين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم في الدفاع والتقاضي، وأُدينوا بتهم تعسفية وذات دوافع سياسية.
وبينما أعرب عن قلقه البالغ، إزاء إصدار محكمة تديرها مليشيات الحوثي أحكامًا بالإعدام والسجن بحق 29 يمنيًا، بعد محاكمات «جائرة» افتقرت إلى ضمانات العدالة الواجبة، أكد ضرورة التدخل العاجل من الأطراف المعنية، لا سيما المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، لمنع تنفيذ تلك الأحكام وإلغائها، والتأكد من تمتع المتهمين بحقوقهم القانونية، بما في ذلك حصولهم على محاكمات عادلة.
كانت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بصنعاء أدانت في 7 ديسمبر الجاري، 16 شخصًا (سبعة منهم محتجزون بالفعل) بتهمتي الإعانة والتخابر، وعاقبتهم بالإعدام رميًا بالرصاص حتى الموت.
وعاقبت المحكمة 13 شخصًا (جميعهم محتجزون) بالسجن لمدد تراوحت بين 10 سنوات و15 سنة على خلفية التهمتين نفسيهما، إضافة إلى مراقبة أمنية ثلاث سنوات تالية لتاريخ انقضاء عقوبة الحبس الأصلية، وإلزامهم بتوقيع تعهّد مكتوب مصحوب بالضمان بدفع 15 مليون ريال يمني (نحو 60 ألف دولار أمريكي).
إلى ذلك، قال مدير العمليات في المرصد الأورومتوسطي أنس جرجاوي، إن إصدار مليشيات الحوثي أحكام إعدام جماعية ضد متهمين على خلفية تهم تبدو زائفة، يعكس بوضوح «الثمن الباهظ لتجاهل محاسبة المسؤولين عن إصدار أو تنفيذ أحكام مماثلة، ويبرز العواقب الخطيرة لظاهرة الإفلات من العقاب، التي يتمتع بها مرتكبو حقوق الإنسان في اليمن».
وبينما قال المسؤول الحقوقي، إنه من المحبط استمرار عجز المنظومة الدولية عن وضع حد لتلك الممارسات المروِّعة المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، التي ستتفاقم بالضرورة ما لم تواجه بإجراءات حاسمة تردع مرتكبيها عن تكرارها، جدد رفضه لعقوبة الإعدام لأنها تسلب أهم الحقوق الأساسية للإنسان، وهو الحق في الحياة.
حوادث اختطاف
حوادث الاختطاف في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، لم ينج منها حتى الموالون لها، آخرها كان اختطاف أحد الإعلاميين الموالين لها.
فبعد يومين من نشره مقطع فيديو، نقل فيه معاناة المواطنين في مناطق سيطرة المليشيا، وأعمال السلب والنهب التي تمارسها القيادات الحوثية، اختطفه الانقلابيون.
وبينما حملت أسرة الناشط حجر المليشيا الحوثية في صنعاء مسؤولية الحادثة وسلامة حجر، قال شقيقه محمد عبر «فيسبوك»: «نحن آل حجر نحمل سلطات صنعاء مسؤولية اختطاف أخي الإعلامي ونجم يوتيوب اليمني(...) اختُطف من مسلحين يدعون أنهم من الحوثيين في شارع الزبيري».
من جانبه، أدان وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الإرياني، عبر «تويتر»، بأشد العبارات، اختطاف مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران الفنان والممثل واليوتيوب أحمد حجر، وإخفائه قسريًا منذ يومين.
وقال الوزير اليمني، إن هذه الجريمة التي وصفها بـ«النكراء»، تعد امتدادًا لأعمال القمع والتنكيل الذي تمارسه مليشيا الحوثي، منذ انقلابها، بحق كل صاحب رأي وموقف، ومحاولاتها البائسة تكميم أفواه الإعلاميين والصحفيين والفنانين والنشطاء في مواقع التواصل، ومنعهم من أداء واجبهم في نقل معاناة المواطنين المتفاقمة.
وأشار إلى أن الجرائم والانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق الإعلاميين والصحفيين والفنانين والنشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاولة إرهابهم، في استنساخ لممارسات النظام الإيراني، لن تفلح في حجب الحقائق عن الرأي العام اليمني والدولي، وحجم الغضب الشعبي العارم.
وطالب الإرياني، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي ومنظمات وهيئات حقوق الإنسان، بموقف واضح من هذه الجرائم والانتهاكات، وممارسة ضغط حقيقي على قيادات المليشيا الحوثية، لإطلاق المختطفين في معتقلاتها غير القانونية.
قيود على النساء
لم يكن الرجال وحدهم من اكتووا بنيران الحوثيين وقيودهم، بل إن النساء واجهن قيودًا جديدة فرضتها المليشيات الحوثية على تنقلهن في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ومُنع النساء من السفر بلا محرم مسافات طويلة، في قيود أشبه بتلك التي تفرضها حركة طالبان في أفغانستان، وهو أمر لم يكن في اليمن قبل الانقلاب الحوثي.
عبير المقطري التي تلقت منحة للدراسة في العاصمة المصرية القاهرة، تلاشى حلمها بالدراسة خارج اليمن، بسبب قيود جديدة فرضها الحوثيون على تنقل النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
تقول الشابة البالغة 21 عامًا لـ«فرانس24»، إنها حصلت على منحة دراسية في القاهرة، لكن لم يسمح لها الحوثيون بالمغادرة من مطار صنعاء الخاضعة لسيطرتهم منذ 2014، منددة بحرمانها من حقوقها.
الناشطة الحقوقية اليمنية، مؤسسة ورئيسة منظمة يمنية لحقوق الإنسان رضية المتوكل، تقول إنه رغم أن المجتمع اليمني محافظ، فإن هذه أول مرة يصدر فيها قرار بتحديد حرية التحرك للنساء من سلطة رسمية.
وبحسب الناشطة الحوقية، فإن التنقل أو السفر مع محرم، سابقة «خطيرة للغاية، تعاقب بشكل خاص العاملات مع اتجاه عام لتحديد وجودهن في الفضاء العام».
وتفرض المليشيات الحوثية قواعد اجتماعية ودينية متشددة، في المناطق التي يسيطرون عليها، بينما أغلقت العديد من برك السباحة وصالات الرياضة المخصصة للنساء بصنعاء في أغسطس الماضي، بينها مشروع صالون تجميل وناد رياضي تابع لعائشة أحمد.
وتقول عائشة أحمد لـ«فرانس 24»، إنه بعد التماسات عدة ومناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سُمح لها بإعادة فتح صالون التجميل ولكن ليس الصالة الرياضية التي أغلقت إلى أجل غير مسمى، مشيرة إلى أن القرار ترتب عليه فقدان ثماني موظفات في النادي الرياضي لوظائفهن من أصل 15 موظفة.
وفي الحديدة غربي البلاد، التي تخضع أيضًا لسيطرة مليشيات الحوثي، أغلقت السلطات مقهى للسيدات، بينما تقول مالكة المقهى (38 عامًا) التي اشترطت عدم كشف اسمها، إن العاملات طلبن منها الموافقة على كل الشروط للاستمرار.
وأضافت: "أخبرناهم بموافقتنا على ارتداء ما يريدونه حتى لو كان البرقع الأفغاني"، متابعة: «اتفقنا على ارتداء زي موحد طويل يشبه العباءات».
إلا أن بلقيس اللهبي، مستشارة النوع الاجتماعي في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تقول إن هذه الإجراءات تخدم الأهداف الدينية والسياسية، وتأتي لإرضاء الجناح الأكثر تشددًا من الحوثيين، مشيرة إلى أن المليشيات تستلهم من النموذج الإيراني ونموذج نظام طالبان، ما يخدم أخدافها لقمع أي صوت معارض وتركيع المجتمع.
وفي صعدة معقل مليشيات الحوثي وبعض القرى النائية، لم يعد بإمكان السيدات التنقل وحدهن بعد السادسة مساء، حتى في حالات الطوارئ الطبية، ولم يعد بإمكانهن الوصول إلى وسائل منع الحمل بسهولة، حيث توجد قيود على ذلك، بينما جرى تكليف وحدة شرطة نسائية تعرف بـ «الزينبيات» بتنظيم وفرض النظام في الأماكن المخصصة للنساء، بحسب «فرانس 24».
ولقيت قرارات منع حفلات التخرج المختلطة من الجامعات وفي المطاعم، إضافة إلى منع الموسيقى خلال بعض الاحتفالات، استهجانًا من السكان في صنعاء، ما أجبر المليشيات على التراجع في بعض الأحيان.
ارتفاع المجندين
كان الأطفال اليمنيون على موعد مع الانتهاكات الحوثية التي لم تستثن أحدًا، فبحسب إحصاءات وُصفت بـ«القاتمة» نشرتها الأمم المتحدة، فإن أعداد ضحايا حرب اليمن من الأطفال، ارتفع إلى 11 ألفًا بينهم أكثر من 3700 قتيل، بينما ازدادت أعداد الأطفال المجندين إلى قرابة أربعة آلاف بينهم 91 فتاة.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف كاثرين راسل في تقرير: «الحياة أصبحت بالنسبة للأطفال صراعًا من أجل البقاء. لقد فقد آلاف أرواحهم، ولا يزال مئات الآلاف غيرهم معرضين لخطر الموت».
وتقول «اليونيسف»، إن أكثر من 11000 طفل قُتلوا وأصيبوا منذ تصاعد النزاع في مارس 2015، مشيرة إلى قتل 3774 طفلًا (2742 فتى و983 فتاة و49 مجهولًا)، وإصابة 7245 طفلًا (5299 فتى و1946 بنتًا).
بداية أكتوبر ونهاية نوفمبر الماضيين، قُتل أو جُرح 62 طفلًا، نهاية الهدنة الأخيرة في اليمن، إضافة إلى قتل وإصابة ما لا يقل عن 74 طفلًا من بين 164 شخصًا قتلوا أو أصيبوا بسبب ألغام أرضية وذخائر غير منفجرة بين يوليو وسبتمبر 2022.
تجنيد وعنف جنسي
إلى جانب قتل وإصابة الآلاف، أشار تقرير المنظمة إلى تجنيد 3995 طفلًا في اليمن، إذ جرى تجنيد 3904 فِتيان في القتال، و91 فتاة للمشاركة في فعاليات أو في نقاط تفتيش.
وقال خبراء الأمم المتحدة، في تقرير أممي إلى مجلس الأمن الدولي، نُشر في يناير الماضي، إنهم يملكون لائحة تضم 1406 أطفال تراوح أعمارهم بين 10 أعوام و17 عامًا، جندتهم مليشيا الحوثي، ولقوا حتفهم في الحرب سنة 2020.
وقال التقرير إنه جرى اعتقال 445 طفلًا في النزاع، واختطاف 152، بينما تعرض 47 طفلًا لعنف جنسي مرتبط بالنزاع: 29 فتى و18 فتاة. ووقع 672 هجومًا على منشآت تعليمية، و228 على مرافق صحية.
تعثر تجديد الهدنة
وبينما انتهت الهدنة الأممية في أكتوبر الماضي، بعد تعثر تجديدها، بسبب تعنت مليشيات الحوثي، توقعت شبكة الإنذار المبكر بشأن المجاعة، أن يتصاعد الصراع في اليمن.
وقالت الشبكة الأمريكية، إنه المرجح أن يؤدي ارتفاع مستويات الصراع مرة أخرى، إلى تقليل فرص اكتساب الدخل للأسر وإعاقة واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر، مشيرة إلى أن انخفاض مستويات الصراع، خلال الهدنة التي انتهت صلاحيتها، أدى إلى دعم بعض التحسينات في نشاط الأعمال والتجارة ووصول المساعدات الإنسانية.
وشبكة الإنذار المبكر موقع للمعلومات والتحليلات عن انعدام الأمن الغذائي، أنشئ عام 1985 من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية.
وعن الهدنة الأممية، قال حسام ردمان الباحث السياسي اليمني، في مقابلة مع «السياق»، إنه منذ أكتوبر الماضي، كان هناك تعثر حقيقي للهدنة الأممية، التي كانت في اليمن، لسببين: الأول أن المبعوث الأممي لم يستطع أن يقنع مليشيا الحوثي بتجديد الهدنة، بينما الآخر أن الوساطة الأممية تراجعت إلى حد كبير، لأسباب تتعلق بحسابات داخل سلطنة عُمان.
إلا أنه قال إن هناك تغيرًا جديدًا يطرأ على الساحة الدبلوماسية في المنطقة بخصوص الملف اليمني، بعد دخول العُمانيين مرة أخرى بقوة على خط الوساطة، ووصولهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء، لإقناع الحوثيين باستئناف الهدنة، إضافة إلى متغير إقليمي تنعكس مفاعيله -بشكل واضح جدًا- على الساحة اليمنية، يتمثل في حوار سعودي إيراني عالي المستوى، وكذلك تقدم كبير على مستوى التفاهمات، بعد قمة بغداد يوحي بأن هناك حراكًـا إقليميًا تنعكس مفاهيميه إيجابًا على الهدنة في اليمن.
ورغم ذلك، فإنه أكد أن حسابات مليشيات الحوثي الذاتية، نجد أنها -حتى الآن- ليست ممتنعة عن الدخول -بشكل حقيقي- في مسار للسلام لإنهاء الأزمة، مؤكدًا أنها فقط تريد أن تدير الأزمة، وتزيد مكاسبها، سواء على الجانب الاقتصادي أم المالي، وتشتري الوقت وتبتز المجتمع الدولي، وتحاول أن تبتز دول التحالف العربي، لاقتناص رزمة من المكاسب المالية، منها ما يتعلق بتسليم بعض المرتبات للعسكريين التابعين لهم، ومنها الحصول على الواردات النفطية للحكومة اليمنية.
لكن مع كل ذلك، لا أعتقد أنها قد تقدِّم ضمانات حقيقية، لاستئناف العملية السياسية في اليمن، بحسب الباحث السياسي اليمني، الذي قال إن هذه الزيارة الأممية، التي وصلت إلى صنعاء، كانت حصيلة مفاوضات سعودية حوثية، استمرت أشهرًا في العاصمة العُمانية مسقط.