بعد سيطرة طالبان... مصير أفغانستان بين الاعتراف الدولي وتصدير العنف

بعد سيطرة طالبان... هل تصبح أفغانستان ملاذًا للحركات المتطرفة؟

بعد سيطرة طالبان... مصير أفغانستان بين الاعتراف الدولي وتصدير العنف

السياق

تتسارع الأحداث في أفغانستان، بعد دخول حركة طالبان العاصمة كابل، بعد هروب الجيش والشرطة، في العديد من المدن والمحافظات.

سيطرة طالبان على العاصمة والسُّلطة، أثارت العديد من التساؤلات عن مصير أفغانستان، منها: هل تصبح مركزًا لتصدير الإرهاب في العالم، أم تحاول تجميل صورتها وتعيد استنساخ النموذج الإيراني؟

هذه التساؤلات، ترافقت مع العديد من المواقف الدولية، التي تمايزت بين القبول والترحيب والاستعداد للتعاون مع سُلطة طالبان الجديدة، ومخاوف إعداد أفغانستان، لتصبح مركزًا لتصدير العنف في العالم.

فقد أكدت روسيا، استعداداها للتعاون مع طالبان، وكذلك الصين وتركيا، بينما تصاعدت مخاوف أوروبا، من موجات اللجوء المتوقَّعة، بجانب محاولات الولايات المتحدة تبرئة نفسها من انهيار الجيش الأفغاني، الذي تم إعداده على مدى 20 عامًا، وصرفت عليه مليارات الدولارات.

وبعيدًا عن حملات الترويج لحركة طالبان، التي بدت تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، بجانب الظهور المتكرِّر وغير المعتاد للمتحدِّث باسمها، ذببيح الله مجاهد، على شاشات وسائل الإعلام العالمية، بما فيها الأمريكية، وأخيرًا الزعم بأنها "حركة قومية" حدودها أفغانستان، ولا تسعى إلى الأممية الجهادية كالقاعدة وداعش، يظل الإرث التاريخي لحركة طالبان، وتحالفها مع تنظيم القاعدة الإرهابي، ومواقفها من المرأة وحقوق الآخر، يطارد حملات الترويج لها.

من هنا، جاءت الأسئلة، خصوصًا أن مساعي تغيير الصورة الذهنية لحركة طالبان، تنطوي -بحسب مراقبين- على العديد من المآرب، أبرزها الاعتراف بها كنظام سياسي، وقبولها كأمر واقع.

 

نزعة راديكالية

الدكتور حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية والإرهابية، قال لـ"السياق"، إن السؤال الذي يثير قلق المجتمع الدولي هو: "هل تعود أفغانستان وتصبح ملاذًا للجماعات الإرهابية المتطرفة، كما حدث قبل 11 سبتمبر؟

وتابع أبو هنية، أن "حركة طالبان حريصة على عدم الوقوع في الأخطاء السابقة، خصوصًا من ناحية نظام الحُكم"، مشيرًا إلى أن "هذه المرة أظن أنها ستكون أخف، فبالتأكيد هي ملتزمة بأمور الإمارة وتطبيق أحكام الشريعة، لكن ستكون أكثر اعتدالًا في تطبيق بعض الأحكام، مع استمرار عدم القبول بالانتخابات".

وفي ما يتعلق بمستوى علاقتها بالجماعات الأخرى، قال الخبير الأردني لـ"السياق": إن "طالبان تعرف كيف تقدِّم نفسها، كمرشد للجماعات الراديكالية الأخرى، لكنها حريصة على حساباتها الاستراتيجية، وألا تستخدم الأراضي الأفغانية لتنفيذ هجمات خارجية".

ولفت إلى أن هذا التوجُّه، مرهون بموقف "المجتمع الدولي، فإذا فرض عزلة على حُكم طالبان، سيغذي لديها النزعة الراديكالية، وقد تتفاقم الأمور مرة أخرى".

ويشير أبو هنية، إلى أن المجتمعين الأوروبي والأمريكي، لا يبدوان مهتمين بالمجتمع الأفغاني، لكنهما يدركان خطورة "تحول أفغانستان إلى حالة الفوضى، وما يمثِّله من خطر عليهما"، وهو ما يفسِّر موقف روسيا والصين وإيران وباكستان من طالبان، ضمن توجُّهات عدم عزلتها، بحسب قوله.

وقال: علينا أن ندرك، أن علاقة طالبان بالحركات الأخرى المماثلة في الفِكر، دنيوية ويصعب فك الارتباط بينها، لذلك قد يسعى المجتمع الدولي -وتحديدًا الدول التي تخشي الانفلات الإقليمي- إلى التخفيف من عزلة حركة طالبان، لأن المجتمع الدولي إذا مارس نوعًا من الضغوط عليها، فستذهب –بالتأكيد- نحو مزيد من الراديكالية، لتكون أخطر مما كانت.

 

مرحلة جديدة من المخاطر

باسل ترجمان، الخبير السياسي التونسي، المتخصِّص في شئون الجماعات الإرهابية والحركات المتطرفة، قال لـ"السياق"، إن القضية ليست أن تصبح أفغانستان مصدرًا لتصدير الإرهاب إلى العالم "لكننا أمام انتصار حقَّقته طالبان وحلفاؤها من الجماعات الراديكالية الأخرى، في وجه القوة العسكرية الأولى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بعد 20 عامًا من اعتداء تنظيم القاعدة -بحماية طالبان- على أمريكا 11 سبتمبر".

ويشير ترجمان، إلى مفارقة خطيرة، هي أن الإدارات الأمريكية تنجح في الحروب، وتفشل في تحقيق مكاسب سياسية بعد انتصارها.

ويشير المحلل السياسي التونسي، إلى أن "هذا الانتصار الذي تحقَّق علي حساب القوات الأمريكية، وخروجها بهذه الهزيمة المذلة، سيعطي نفسًا جديدًا لهذه الجماعات الراديكالية، بإعادة التوحُّد والتموضع".

وتوقَّع "حدوث ردات فِعل من هذه الجماعات، نتيجة شعورها بالنصر، وستكون خطيرة ومؤلمة، تسبَّب فيها سوء إدارة أمريكا للحل السياسي في أفغانستان".

ويقول ترجمان: "نحن اليوم أمام مرحلة جديدة، فيها الكثير من المخاطر، فطالبان لن تكرِّر النموذج الإيراني، لأنها تَعُـدُّ نفسها حركة لديها مشروع يتمثَّل في إقامة دولة الخلافة، وإعلان الحرب على الكفار".

وهنا يرى أن "ما نجحت فيه طالبان، بالحصول على أسلحة وإمكانيات كبيرة، تركتها القوات الأمريكية هناك، سيكون له تأثير على الأرض، ليس في أفغانستان فقط، ولكن على العالم أجمع" بحسب قوله.