تطورات متسارعة في ليبيا.. هل تنبئ بتحولات في المشهد؟

بعد مناقشات بين أعضاء مجلس الأمن، اتخذ الدول الأعضاء قرارًا بتجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في عملية تعرف بتمديد أو تجديد تقني، في ظل عدم التوافق، الذي ساد مجلس الأمن في هذه المسألة.

تطورات متسارعة في ليبيا.. هل تنبئ بتحولات في المشهد؟

السياق

تطورات متسارعة على الطريق الليبي، شهدها الملف المأزوم منذ قرابة عقد من الزمان، في محاولات داخلية وخارجية لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية، ووضع نهاية للتدخلات الخارجية، التي تهدد وحدة ليبيا ومصيرها.

فمن تمديد لولاية البعثة الأممية في ليبيا أشهرًا إضافية، إلى تأكيدات ألمانية ليبية بضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، إلى اجتماع لفرقاء ليبيا ممثلين في مجلسي النواب وما يعرف بـ«الأعلى للدولة»، في العاصمة المغربية الرباط، أصبح الطريق الليبي نحو الانتخابات ممهدًا، إلا أن هناك تخوفات من أي عرقلة محتملة.

وبعد مناقشات بين أعضاء مجلس الأمن، اتخذ الدول الأعضاء قرارًا بتجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، في عملية تعرف بتمديد أو تجديد «تقني»، في ظل عدم التوافق، الذي ساد مجلس الأمن في هذه المسألة.

وبحسب نص القرار الجديد، برقم 2599، «يقرر (المجلس) أن يمدد حتى 31 يناير 2022 ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بوصفها بعثة سياسية خاصة متكاملة، لكي تنفذ الولاية المنوطة بها على النحو المبين في القرار 2542 (2020) والفقرة 16 من القرار 2570 (2021)».

 

مرحلة حرجة

وعقب التصويت على القرار الجديد، الذي حصد 15 صوتًا، أشارت المملكة المتحدة -صاحبة مشروع التمديد- إلى أن ليبيا تمر بمرحلة حرجة، وأن لهذا المجلس دورًا مهمًا.

وأكدت بريطانيا -على لسان مندوبتها الدائمة السفيرة باربرا وودوارد- وجوب «دعم الشعب الليبي وهو يتطلع إلى مستقبل أكثر استقرارًا، من خلال الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل»، بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.

وقالت المسؤولة البريطانية: «من الضروري أن تتم الانتخابات في موعدها، وتكون ذات مصداقية وشاملة»، مشيرة إلى أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة وفريقه، يلعبان دورًا حيويًا في الدعم، مشددة  على أهمية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب المرتزقة سريعًا.

وعبَّـرت عن أسفها «لعدم تأمين دعم جميع أعضاء المجلس لنصنا التوافقي»، إلا أنها أكدت أن بلادها ستواصل إشراك جميع أعضاء المجلس، في تجديد موضوعي لولاية أونسميل، قبل انتهاء ولايتها في 31 يناير، مسترشدة بالمسؤولية النهائية لهذا المجلس عن دعم الأمن والاستقرار في ليبيا في المستقبل.

بدورها، وصفت الولايات المتحدة تصويت اليوم، بأنه «نتيجة مؤسفة»، للشعب الليبي ولمجلس الأمن.

وقال السفير جيفري ديلورينتيس، مستشار أول للشؤون السياسية الخاصة، في البعثة الدائمة للولايات المتحدة: "لقد فشلنا اليوم في تنفيذ توصيات الاستعراض الاستراتيجي المستقل للأمين العام في وقت حاسم».

وتابع المسؤول الأمريكي: كان الاستعراض الاستراتيجي المستقل واضحًا: يجب نقل رئيس البعثة إلى طرابلس، من أجل زيادة المشاركة مع الجهات الفاعلة الليبية. بالنظر إلى الأهمية الحاسمة لدعم الأمم المتحدة للانتخابات الوطنية في ديسمبر، ينبغي تنفيذ التوصية الواردة في الاستعراض الآن، وليس بعد أشهر.

وقال: «الإخفاق في إعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لا يؤدي إلا إلى تقويض جهودنا الجماعية لتحقيق الاستقرار فيها، يجب أن نسأل أنفسنا اليوم: كيف يمكننا المضي قدمًا بطريقة تضع الأمم المتحدة والشعب الليبي، في موقع يمكنهما من البناء على الإنجازات الدبلوماسية السابقة؟».

 

مؤتمر قريب

وفي شرحه لتصويت فرنسا، قال نيكولاس دو ريفيير، المندوب الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، إن عمل البعثة حاسم، في دعم عملية الانتقال السياسي والتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر، مشيرًا إلى أن دور أونسميل «أساسي للتقدُّم في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر 2020، بما في ذلك من خلال دعمها للجهود الليبية، لسحب القوات الأجنبية والمرتزقة، بدعم من المجتمع الدولي».

وفي سبيل تعزيز وحدة المجتمع الدولي، أعلن نيكولاس دو ريفيير أن بلاده ستنظم، مع إيطاليا وألمانيا والأمم المتحدة، مؤتمرًا دوليًا عن ليبيا على مستوى رؤساء الدول والحكومات في باريس في 12 نوفمبر المقبل.

وبحسب المسؤول الفرنسي، فإن المؤتمر يهدف إلى «إظهار دعمنا المستمر للعملية السياسية، ولا سيما تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية، وكذلك من أجل وقف إطلاق النار، وعلى نطاق أوسع، لتحقيق الاستقرار في ليبيا، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات الإقليمية للأزمة الليبية».

 

إعادة هيكلة

الاتحاد الروسي، الذي صوت أيضًا لصالح القرار الذي اعتمد بشأن تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) حتى 31 يناير 2022، قال إن هذا التصويت جاء من "قناعتنا الراسخة بأنه قد لا يكون هناك بديل لتسوية سلمية شاملة للأزمة الليبية، تحت رعاية الأمم المتحدة، التي تؤدي الدور المركزي في هذه العملية".

وقال السفير فاسيلي نيبنزيا، إن روسيا تتفق مع زملائها «على أنه سيكون من الأفضل تنفيذ استنتاجات وتوصيات الاستعراض الاستراتيجي المستقل لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (بما في ذلك فكرة إصلاح هيكل البعثة) بعد انتهاء العملية الانتخابية، التي تعد مهمة جدًا لشعب الجماهيرية السابقة».

جلسة مجلس الأمن الدولي، تزامنت مع زيارة لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى ألمانيا، تستمر يومين، لحشد الدعم الدولي لإجراء الانتخابات المقبلة في موعدها.

وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إن المجلس يعمل على توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، مؤكدًا العمل في اتجاه إتمام المرحلة الانتقالية، للوصول إلى الانتخابات في موعدها.

 

تأكيدات ألمانية

وأوضح المنفي، خلال مؤتمر صحفي، مع المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل، في العاصمة برلين، على هامش زيارة الأول إلى ألمانيا، التي تنتهي الجمعة، أن مؤتمري برلين1 و2 اللذين عقدا في يناير 2020، ويونيو 2021، أنتجا سلطة تنفيذية وحدت الليبيين و«منحتنا وقفًا لإطلاق النار ومشروعًا للمصالحة الوطنية».

 من جانبها، أكدت المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أن بلادها ستظل ملتزمة بدعم ليبيا، حتى بعد التغييرات الحكومية في برلين.

وقالت المستشارة الألمانية: «بوسعي أن أؤكد لكم أنه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة أيضًا، حتى لو كان لدينا الآن انتقال من حكومة إلى أخرى، فإن القضية الليبية ستظل أولوية بالنسبة لألمانيا... لذلك ستكون هناك استمرارية».

من جهة أخرى، التقى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ببرلين، عدداً من السفراء العرب المعتمدين لدى ألمانيا، لمناقشة العديد من القضايا، التي تهم الشأن السياسي الليبي، ودعم الدول العربية لاستقرار ليبيا.

وقال المجلس الرئاسي الليبي، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه: إن المنفي بحث مع السفراء العرب، دعم جهود المجلس الرئاسي، في تنفيذ استحقاقات المرحلة، وفي مقدمتها تحقيق المصالحة الوطنية، لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، نهاية العام الجاري. 

تحقيق السلام

وأكد المنفي، خلال الاجتماع، أهمية الدور العربي في تحقيق السلام في ليبيا، من خلال مساندة الشعب الليبي في عبور هذه المرحلة، ووصوله إلى الاستقرار.

اجتماع مجلس الأمن، ولقاءات المنفي، تزامنت هي الأخرى، مع انطلاق لقاء تشاوري بين وفدي مجلس النواب الليبي وما يعرف بـ«المجلس الأعلى للدولة» بليبيا بخصوص قانون الانتخابات.

وبحسب وسائل إعلام مغربية، فإن الطرفين ناقشا خلال هذا اللقاء، الذي يستمر يومين، الجوانب المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المفترض تنظيمها 24 ديسمبر المقبل، التي تشكل محطة حاسمة للخروج بالبلد من هذه الأزمة.

 

القاعدة الدستورية

وقال السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، في تصريحات صحفية، عقب الجلسة الافتتاحية، إن ممثلي طرفي الحوار الليبي يعملون على إرساء القاعدة الدستورية، التي تمكن من تنظيم هذه الانتخابات في موعدها.

وأعرب نورلاند، عن أمله بأن تكلل جهود المغرب، إلى جانب العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة، بالنجاح، في تنظيم هذه المحطة الانتخابية، وتشكيل حكومة وحدة تحظى بالدعم الكافي في هذا البلد، لتعود الحياة فيه إلى طبيعتها.

وبحسب مراقبين، فإن التطورات المتسارعة في المشهد الليبي، تنبئ بإصرار دولي على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها، أواخر العام الجاري، مشيرين إلى أن المجتمع الدولي يستخدم أدواته، للضغط على الأطراف المحلية والدولية، المعرقلة لإجراء الانتخابات.

وأوضح المراقبون، أنه رغم الاختلافات التي شهدتها جلسة مجلس الأمن بشأن ليبيا، فإن المجلس توافق في النهاية على تمديد محدود لمهمة البعثة الأممية، ينتهي في يناير المقبل، أي بعد الاستحقاق الانتخابي المنتظر، مشيرين إلى أن اجتماعات المغرب، قد تسفر عن توافق بين المجلسين، ما قد يمهد الطريق لإجراء الانتخابات،من  دون مقاطعة ولا عدم اعتراف بالنتائج، ما سيكون له أثر كبير في العملية الديمقراطية في ليبيا.