صرخات بلا رحمة... الاعتقالات العرقية تهدد بتقسيم إثيوبيا
الشرطة الإثيوبية اعتقلت واحتجزت آلاف الإثيوبيين المنحدرين من أصول تيغراي، في العاصمة أديس أبابا وخارجها في الأسابيع الأخيرة

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة نيويورك تايمز، عن شن الحكومة الإثيوبية حملة اعتقال واسعة النطاق على أساس الهوية، ضد الإثيوبيين المنحدرين من أصول تيغراي، محذرة من أن تلك الحملة تهدد بتفكيك ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان.
وقالت الصحيفة في تقرير، إن الشرطة الإثيوبية اعتقلت واحتجزت آلاف الإثيوبيين المنحدرين من أصول تيغراي، في العاصمة أديس أبابا وخارجها في الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أنه تم استهدافهم بناءً على مزيج من التلميحات: ألقابهم، والتفاصيل المدرجة في بطاقات الهوية ورخص القيادة، وحتى الطريقة التي يتحدثون بها الأمهرية.
وأشارت إلى أن حملة الاعتقالات، استهدفت أيضًا بعض الجماعات العرقية الأخرى، وأشخاصًا في جميع أنحاء البلاد، وفقًا لمعلومات قدَّمتها الشرطة وجماعات حقوقية وأحزاب معارضة، مؤكدة اعتقال ما لا يقل عن 10 من موظفي الأمم المتحدة و34 سائقًا متعاقدًا من الباطن.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، شهادات حية من بعض الأسر التي طالتها حملة الاعتقالات بناءً على الهوية، قائلة إن إحدى الأسر المستهدفة استيقظت من النوم بفعل دوي، منتصف الليل، عند بوابة منزلهم في ضواحي أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا.
وأشارت إلى أن ضباط الشرطة اقتحموا المكان، من دون أمر قضائي، ونهبوا غرفة المعيشة ونظروا تحت الأسرة، وقبضوا على ثلاثة من أفراد الأسرة، بينهم رجل يبلغ من العمر 76 عامًا، ومبتور الساق، مؤكدة أن القوات انتزعته من السرير، بينما كان أبناؤه يتوسلون أن يذهبوا مكانه.
وقال ابن شقيق الرجل، كيروبيل، الذي لم يذكر سوى اسمه الأول خوفًا من الانتقام: «لم يظهروا له أي رحمة حتى بعد أن صرخ، أنا معاق ومصاب بالسكري».
وتقول «نيويورك تايمز» إن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، شن العام الماضي، حربًا مروعة ضد متمردي تيغراي أقصى شمالي البلاد، الذين كانوا مسيطرين على الحكومة والجيش الإثيوبيين لعقود، حتى تولى آبي أحمد السلطة عام 2018 وهمَّش قادتهم.
الحملات لم تقتصر على الشباب والفتيات، بل امتدت للأمهات مع أطفال وكبار السن، وفقًا لمدافعين عن حقوق الإنسان ومقابلات مع ما يقرب من عشرة أفراد من عائلات وأصدقاء المحتجزين.
زنازين مكتظة
وقالت «نيويورك تايمز»: احتجزوهم من الشوارع، ومن منازلهم وحتى في أماكن العمل، بما في ذلك البنوك والمدارس ومراكز التسوق، واقتيدوا إلى زنازين مكتظة في مراكز الشرطة ومراكز الاحتجاز.
من جانبها، قالت ميشيل باشليت، مسؤولة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز: «حالة الطوارئ السارية في إثيوبيا تخاطر بتفاقم الوضع الإنساني الخطير للغاية بالفعل في البلاد (..) أحكامها فضفاضة، مع حظر غامض يصل إلى حد يشمل الدعم الأخلاقي غير المباشر لما وصفتها الحكومة بالجماعات الإرهابية».
تأتي الاعتقالات ذات الدوافع العرقية، وسط ارتفاع كبير في خطاب كراهية عبر الإنترنت، لا يؤدي إلا إلى صب الزيت على نار الحرب الأهلية، التي مزقت ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
وتقول «نيويورك تايمز»: تقارير المذابح والتطهير العرقي والاعتداء الجنسي على نطاق واسع من جميع أطراف النزاع، طوقت رؤية الوحدة الإثيوبية، التي وعد بها آبي أحمد رئيس الوزراء والحائز جائزة نوبل للسلام، عندما تولى السلطة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتسببت الحرب، بين القوات الفيدرالية الإثيوبية وحلفائها ومقاتلي المتمردين التيغراي في مقتل الآلاف، بينما يعيش ما لا يقل عن 400 ألف شخص في ظروف شبيهة بالمجاعة وشُرد الملايين.
وحذرت «نيويورك تايمز» من سياسة آبي أحمد، التي قالت إنها تهدد بابتلاع إثيوبيا والقرن الإفريقي الأوسع، مشيرة إلى أن تصميه على متابعة الحرب قد يتأثر بالتهديدات الاقتصادية من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي فرضت عقوبات على حلفائه العسكريين في إريتريا المجاورة، وعلقت وصول إثيوبيا إلى السوق الأمريكية.
بدوره، أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، الذي يسافر إلى كينيا ونيجيريا والسنغال هذا الأسبوع، عن قلقه من أن إثيوبيا يمكن أن «تنفجر من الداخل».
وبينما كان المتمردون يندفعون إلى مسافة 200 ميل من العاصمة أوائل هذا الشهر، وعد آبي أحمد بالدفاع عن العاصمة «بدمائنا» حتى مع سعي المبعوثين الإفريقيين والغربيين للتوسط في وقف إطلاق النار.
الشرطة تدافع
ودافع مسؤولو الشرطة عن الاعتقالات، قائلين إنهم اعتقلوا أنصار جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب المهيمن السابق في البلاد، الذي تصنفه إثيوبيا منظمة إرهابية.
ومع ذلك، يقول النشطاء إن أحكام حالة الطوارئ غامضة للغاية، لدرجة أنها تمنح مسؤولي الأمن حرية التصرف بلا قيود، مشيرين إلى أنها تسمح بتفتيش منزل أي شخص أو اعتقاله من دون أمر، «بناءً على اشتباه معقول» بأنه يتعاون مع الجماعات الإرهابية.
وقالت لاتيتيا بدر، مديرة مكتب القرن الإفريقي في «هيومن رايتس ووتش»: «حالة الطوارئ تضفي الشرعية على الممارسات غير القانونية وتقنينها، وتفرز مناخًا من الخوف».
ويقول العديد من سكان تيغراي إنهم يخشون الآن مغادرة ديارهم، بينما رفض جميع الذين وافقوا على إجراء المقابلات تقريبًا ذكر أسمائهم، خوفًا من تعرُّضهم للاعتقال أو الانتقام.
وقال بعض سكان تيغراي في أديس أبابا وخارجها، إنهم يقيمون مع أصدقاء من غير التيغراي لتجنُّب الاعتقال، بينما قال آخرون إنهم توقفوا عن التحدث بلغة التيغراي في الأماكن العامة، وحذفوا أي موسيقى أو وثائق على هواتفهم المحمولة يمكن أن تحدد عرقهم.
عرقيات أخرى
في حين شملت الاعتقالات عرقيات أخرى، وانتشرت في أنحاء البلاد، إلا أنها استهدف معظمها سكان تيغراي، ففي أديس أبابا طالب ضباط الأمن أصحاب العقارات بالتعرف إلى مستأجري التيغراي.
وفي إحدى المدارس الثانوية، قال مدرس إن أربعة مدرسين من التيغراي احتُجزوا أثناء تناولهم الغداء بعد وصول الضباط برسالة من المخابرات تحتوي على أسمائهم.
وألقى ضباط الأمن القبض على تاجر في أديس أبابا ، يبلغ من العمر 38 عامًا، بعد أن فتح متجر ملحقات الهاتف المحمول الخاص به، بينما اتصل صاحب متجر قريب هاتفيًا لإخبار زوجة التاجر المحتجز، التي قالت إنها تركت طفليها مع أحد الجيران وهرعت إلى المتجر، لتجده مغلقًا من دون زوجها.
ظروف غير آدمية
وقالت الزوجة إنها وجدت زوجها في مركز احتجاز مزدحم في أديس أبابا، بعد بحث دام ثلاثة أيام، من دون فراش ولا طعام.
وتقول جماعات حقوقية في أديس أبابا، إن مراكز الشرطة تغص بالمحتجزين، لدرجة أن السلطات نقلت الفائض إلى منشآت مؤقتة تخضع لحراسة مشددة، بينها مراكز ترفيه الشباب والمستودعات وسجن رئيسي واحد.
ومع عدم السماح لهم بمقابلة المحامين، يقول بعض أقارب المعتقلين، إنهم لن يقتربوا من هذه المرافق، خوفًا من اعتقالهم.
وطبقاً لثلاث روايات، فإن العديد من المعتقلين يُحتجزون في زنازين خرسانية مكتظة، بلا حمامات ولا طعام، بحسب «نيويورك تايمز» التي قالت إن الحراس يصفونهم بـ«الإرهابيين».
وأشارت إلى أن بعض المحتجزين يستخدمون الزجاجات البلاستيكية للتبول، بينما يتشارك أولئك الذين حالفهم الحظ في تلقي الطعام من العائلة والأصدقاء.
شفا كارثة
ووصف فيسيها تيكلي، الباحث في منظمة العفو الدولية في إثيوبيا وإريتريا، الظروف بأنها "مروعة" وقال إنها تخاطر بدفع البلاد إلى «شفا كارثة حقوق الإنسان».
واشتدت عمليات الاعتقال مع تحذير النشطاء، من ارتفاع عدد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحرض على العنف ضد أتباع تيغراي.
تحريض
وانتقل صحفيون وشخصيات سياسية ونشطاء متحالفون مع الحكومة إلى منصات التواصل، بما في ذلك «فيسبوك»، و«تويتر»، لتسمية عرقية التيغراي بـ«الخونة»، داعين السلطات إلى وضعهم في معسكرات اعتقال وتشجيع الجيران على «اقتلاعهم».
وذكر المعلقون على بعض المنشورات، الأحياء التي يعيش فيها تيغراي في العاصمة، وحثوا السلطات على إزالتها، وطالما اتهم النشطاء الرقميون، بمن فيهم فرانسيس هوغن، المبلغ عن المخالفات على "فيسبوك" بالفشل في تعديل خطاب التحريض البغيض.