كيف أثبتت آخر عملية للقاعدة تخلي الظواهري عن استراتيجية أسامة بن لادن؟

الهجوم الذي وقع في مالي الشهر الماضي دليل على قرار الظواهري عام 2011 بالتخلي عن استراتيجية الضربات المذهلة ضد الغرب، التي كان يفضلها سلفه أسامة بن لادن.

كيف أثبتت آخر عملية للقاعدة تخلي الظواهري عن استراتيجية أسامة بن لادن؟

ترجمات - السياق

قتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة بضربة أمريكية، ما زال يشغل كثيرين انبروا في تحليل طريقة موته، ومستقبل التنظيم الإرهابي الذي كان على رأسه، وما إذا كان نجح في قيادته أم لا.

فقبل أكثر من أسبوع بقليل من قتل زعيم القاعدة في كابل بصواريخ أطلقتها طائرة أمريكية من دون طيار، هاجم مسلحون من أكبر فرع للتنظيم في إفريقيا جنوب الصحراء، أهم قاعدة عسكرية بمالي، في آخر انتصارات أيمن الظواهري.

وتقول صحيفة غارديان، إن تكتيكات الهجوم كانت مألوفة، فالانتحاريون فجروا فجوة في الدفاعات للسماح للمسلحين بالوصول إلى أهدافهم، إلا أن العملية كانت بمنزلة تصعيد كبير، مشيرة إلى أنه خلال أكثر من عقد من حرب المتمردين في مالي، لم يسبق أن ضرب تنظيم القاعدة أي هدف بهذه الأهمية ولا قريبًا جدًا من العاصمة باماكو.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الهجوم على القاعدة العسكرية أبرز تماسك التنظيم في إفريقيا وأماكن أخرى، رغم عقود من الضغط المكثف من حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة، والتنافس الشرس من الفصيل المنشق، تنظيم داعش.

وقال تقرير للأمم المتحدة استندت فيه إلى معلومات استخبارية قدَّمتها الدول الأعضاء في يوليو الماضي، إن «السياق الدولي مواتٍ للقاعدة، التي تنوي الاعتراف بها مرة أخرى كزعيم للجهاد العالمي».

استراتيجية بن لادن

وبحسب «غارديان»، فإن الهجوم الذي وقع في مالي الشهر الماضي دليل على قرار الظواهري عام 2011 بالتخلي عن استراتيجية الضربات المذهلة ضد الغرب، التي كان يفضلها سلفه أسامة بن لادن.

وأشارت إلى أنه بدلاً من ذلك، فإن الظواهري أصدر تعليماته لقادة القاعدة الإقليميين بالسعي لتحقيق مكاسب محليًا، من دون تشتيت انتباههم بمحاولات مهاجمة الطيران الدولي ولا قصف المدن الأوروبية.

وحذر تقرير الأمم المتحدة الأخير من أن أي منطقة أقامتها القاعدة أو داعش، قد تُستخدم كمنصات انطلاق لهذه العمليات في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أن التهديد من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» لا يزال منخفضًا نسبيًا في المناطق غير الخاضعة للنزاع، لكنه أعلى بكثير في المناطق المتأثرة بشكل مباشر بالنزاع أو المجاورة لها.

وأضافت الأمم المتحدة، أنه ما لم يتم التوصل إلى حل ناجح لبعض هذه الصراعات، فإن واحدًا أو أكثر منها سيحتضن قدرة تشغيلية خارجية لتنظمي «داعش» أو "القاعدة" أو جماعة إرهابية ذات صلة.

وبحسب «غارديان»، فإن التقدم المحرز في مالي أثبت صحة جزء آخر من استراتيجية الظواهري، التي تقوم على بناء الدعم الشعبي، مشيرة إلى أن الاستراتيجية ترتكز على استغلال "مظالم المجتمعات المهمشة"، لاسيما عندما تكون الحكومة ضعيفة أو مفترسة، كما قال لقادة المنتسبين بعد السيطرة على القاعدة عام 2011.

وأشارت إلى أن الاستراتيجية ترتكز –كذلك- على بناء علاقات قوية مع الجهات الفاعلة المحلية، من خلال التعاون وحتى الزواج البيني، مؤكدة أنه حال استخدام العنف، فإن المنتسبين يحتاجون إلى البحث عن أهداف يمكن أن تكون مشروعة.

تلك الاستراتيجية سبقها صعود «داعش» من عام 2014، ما أضاف الكثير من الزخم، إلا أنه بينما اعتمد التنظيم الإرهابي على الخوف والإكراه لسكان المحليين، سعت القاعدة إلى الظهور بمظهر معتدل.

وعانى تنظيم القاعدة نكسات كبيرة، إذ تم القضاء عليه تقريبًا في سوريا والعراق، بحسب «غارديان»، التي قالت إنه غير قادر على التنافس مع تنظيم داعش في بعض المسارح، مثل نيجيريا وصحراء سيناء المصرية.

نتائج جيدة

لكن في إفريقيا، على وجه الخصوص، نجحت استراتيجية الظواهري في تحقيق نتائج جيدة، فالإرهابي الراحل أبرم بنفسه تحالفًا مع حركة الشباب ، التي تسيطر على الكثير من المناطق الريفية في الصومال، ويمكنها نشر الآلاف.

وفي يوليو الماضي، شن 500 مقاتل من حركة الشباب هجوماً على القوات الإثيوبية، في توغل غير مسبوق عبر الحدود، بينما تشير المعلومات الاستخبارية إلى أن الفرع الصومالي ثري بما يكفي لإرسال ملايين الدولارات إلى القيادة المركزية للقاعدة.

ويقول المحللون إن المشكلات العميقة الناجمة عن التنافس على الموارد بسبب تغيُّر المناخ وعدم الاستقرار السياسي والنزوح الجماعي للسكان والانسحاب الأخير للقوات الفرنسية من مالي توفر للقاعدة فرصًا لمزيد من التوسع.

وسارع فرع تنظيم القاعدة في مالي، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى استغلال وجود مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة لها صلات بالكرملين تم توظيفها لدعم الجيش المحاصر في البلاد.

واتُهمت "فاغنر" -مرارًا وتكرارًا- بارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مذابح للمدنيين، حيث تنقلب المجتمعات المحلية ضد الحكومة وتحشد الدعم للمتطرفين.

وقالت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إن الهجوم على قاعدة كاتي خارج باماكو جاء ردًا على التعاون الحكومي مع مجموعة فاغنر، مضيفة في بيان لحكومة باماكو: «إذا كان لديك الحق في استئجار مرتزقة لقتل الأبرياء العزل، فمن حقنا تدميرك واستهدافك».

من جانبه، قال الجنرال ستيفن جيه تاونسند، قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، للصحفيين الأسبوع الماضي، إن القاعدة في طريقها نحو الجنوب، مشيرًا إلى أنهم على وشك الاستثمار في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، ويبدأون عملياتهم في المناطق الحدودية للدول الساحلية، لذا أعتقد أن هذا مصدر قلق كبير للعالم.

وفي شمالي إفريقيا، لا يزال تنظيم القاعدة موجودًا، لكنه طُرد من ليبيا وتونس، حيث هدأت الفوضى التي شوهدت في وقت سابق من هذا العقد.

ورغم أن فرع القاعدة في اليمن، أضعف من ذي قبل، فإنه لا يزال موجودًا، بينما عدَّه خبراء الأمن الغربيون -منذ فترة طويلة- تهديدًا محتملاً خارج إفريقيا، بحسب «غارديان»، وتم تحقيق أكبر المكاسب في أفغانستان.

علاقات عميقة

وقال ديفد جارتنشتاين روس، الرئيس التنفيذي لشركة تحليل التهديدات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فالنس جلوبال: «انتصار طالبان عزز بشكل متوقع تنظيم القاعدة»، مشيرًا إلى أن «هذه مجرد حقيقة».

ولقد أقام تنظيم القاعدة علاقات عميقة مع الفصائل الرئيسة وكبار أعضاء طالبان الذين رغم انقسامهم، يبدو أنهم على استعداد لتوفير ملاذ آمن للجماعة بشروط معينة، بحسب «غارديان»، التي قالت إن المنزل الذي كان يسكنه الظواهري مع عائلته عندما قُتل كان ملكًا لأحد مساعدي وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني.

وتشير التقارير إلى أن قدامى المحاربين البارزين في تنظيم القاعدة موجودون في إيران، حيث فروا عام 2002 لكنهم ما زالوا نشطين، رغم القيود المفروضة على تحركاتهم واتصالاتهم.

وقالت كاثرين زيمرمان، الزميلة في معهد أمريكان إنتربرايز بواشنطن، إن التحدي الذي يواجه الجماعة هو قتل العديد من الورثة الواضحين للظواهري.

ومن هؤلاء المرشحين الشباب للقيادة: حمزة بن لادن نجل المؤسس الذي توفي في غارة بطائرة من دون طيار في باكستان بين عامي 2017 و2019، بينما قُتل الرجل الثاني في القاعدة في ما يُعتقد أنها عملية نفذها الموساد في طهران عام 2020.

وبينما قالت «غارديان»، إن العامل المهم الذي قد يساعد القاعدة هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها يركزون في مكان آخر، قالت كاثرين زيمرمان الزميلة في معهد أمريكان إنتربرايز بواشنطن: نحن لا نكرِّس هذا القدر من الاهتمام، والسؤال على الأقل هنا في العاصمة: ما الذي يجعلنا نبتعد عن آسيا مرة أخرى؟