أمريكا والصين... ما دوافع الحرب الباردة بينهما ومَنْ يربحها؟
الحرب ستبقى باردة بين البلدين لأن أياً من الطرفين لا يسعى إلى مواجهة عسكرية مباشرة ولا غزو، وأنها تبدو بشكل أساسي، في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية.

ترجمات - السياق
قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إن أمريكا والصين، على وشك الدخول في حرب باردة، على غرار تلك التي وقعت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، منتصف الأربعينيات حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وذكرت المجلة الأمريكية، في تقرير، أن الحرب ليست رغبة البلدين، كما أنها ليست حتمية، ورأت أنه من الصعب للغاية رؤية كيف ستتخذ بكين وواشنطن، بشكل فردي أو مشترك، الخطوات اللازمة لتفادي هذه الحرب.
ونقلت المجلة، عن العديد من المراقبين، تأكيدهم أن الولايات المتحدة والصين، قد تكونان انخرطتا في تلك الحرب، وأشاروا إلى أن ما يحدث تكرار للحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت، كمنافسة على السيادة العالمية، التي ستحتم على الدول الأخرى، الاختيار بين "الديمقراطية والاستبداد" حسب وصف المجلة.
وأضافت المجلة: الحرب ستبقى "باردة" لأن أياً من الطرفين لا يسعى إلى مواجهة عسكرية مباشرة ولا غزو، وأنها تبدو بشكل أساسي، في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية.
الصراع الأيديولوجي
ونقلت المجلة الأمريكية، عن مراقبين آخرين تأكيدهم أنه لن تكون هناك حرب باردة، بين الولايات المتحدة والصين، لأن واشنطن وبكين ليستا منخرطتين في صراع أيديولوجي للتفوق العالمي.
وأوضح هؤلاء المراقبون، أن الصين لا تسعى إلى الهيمنة على العالم، ولا تدمير الرأسمالية و"أسلوب الحياة الأمريكي"، ومن ثم فإنه ليس من المتوقع، أن يقسم بقية العالم نفسه، إلى معسكرات أمريكية وصينية.
ونقلت "ناشيونال إنترست" عن سفير واشنطن السابق لدى موسكو مايكل ماكفول، قوله: مقارنة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تنطوي على أخطار "سوء تشخيص طبيعة التهديد" و"سوء فهم طبيعة المنافسة".
واستشهد ماكفول بمقولة المؤرخ ملفين ليفل، إن الحرب الباردة حدثت "بسبب الظروف الخاصة التي واجهت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أن السياق التاريخي الذي تعمل فيه الولايات المتحدة اليوم، وتكوين قوتها على الساحة الدولية، والجاذبية الأيديولوجية لـ "النظام المنافس" مختلف تمامًا.
وأشارت "ناشيونال إنترست" إلى أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، هي السابقة والنموذج التاريخي الوحيد المتاح، إذ أن جوانبها الفريدة والتراكمية، هي التي حددت المعنى الحقيقي لمصطلح "الحرب الباردة".
سلام اللاسلام
كما استشهدت المجلة، بما قاله الروائي البريطاني جورج أورويل، الذي صاغ مصطلح "الحرب الباردة" في أكتوبر 1945، قبل أن يتشكل الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، إذ أشار إليها ببساطة على أنها "سلام لا سلام"، أو حالة عداء أقل من الصراع المسلح.
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين تتشكل لتناسب وصف أورويل، مشيرة إلى أنه رغم أن بكين لا تسعى إلى الهيمنة العالمية، ولا "القضاء على الديمقراطية"، ولا تدمير الرأسمالية التي احتضنتها إلى حد كبير، فإنها تسعى إلى الحصول على شرعية عالمية لنموذجها الحاكم "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" وأيضًا لتعظيم ثروتها وقوتها ونفوذها.
تهديد وتدمير
قالت المجلة في تقريرها: البلدان يصعدان منافساتهما الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، اعتقادًا منهما بأن الريادة العالمية في هذه المجالات، أمر حيوي لأمنهما القومي، وأن الاعتماد المتبادل غير مقبول، مشيرة إلى أن كلًا منهما يساوي القدرات العسكرية للطرف الآخر بنيات تحدي أمنه أو مصالحه أو سيادته.
ورأت المجلة، أن أمريكا والصين تفترضان عدم توافقهما المطلق بين نظاميهما السياسيين، مع رؤية الولايات المتحدة للحزب الشيوعي الصيني (CCP) باعتباره مهددًا للديمقراطية، بينما تنظر بكين إلى واشنطن على أنها تنوي تدمير الحزب الشيوعي.
الهوة تتعمَّق
وأوضحت المجلة، أن "الهوة" بين البلدين تتعمَّق، بسبب اعتقاد كل جانب، أن له اليد العليا في المنافسة، فبينما تؤكد واشنطن أنها ستتعامل مع الصين من "موقع قوة"، يرفض القادة الصينيون هذه الفرضية صراحة.
وتضيف "ناشيونال إنترست": بكين تحسب أن "صعود الصين" و"انحدار أمريكا" وصلا إلى نقطة انعطاف، حيث أصبحت بكين الآن في وضع يمكّنها من مقاومة الضغط الأمريكي، وإملاء شروطها الخاصة لهذه "العلاقة"، لذلك فإن الجانبين يبالغان في تقدير قوتهما، ويقللان من نقاط ضعفهما.
وشددت المجلة الأمريكية، على أن الخطأ في الجانبين، والأهم من ذلك، أن كليهما ضعيف بطبيعته، مشيرة إلى أنه خلف صخبهما في التعامل مع بعضهما، يواجه البلدان ضعفًا ومآزق داخلية، بطرق تزيد بشكل كبير احتمال نشوب حرب باردة بينهما، إذ يدفع الوضع السياسي المحلي، في الولايات المتحدة والصين، إلى نهج "المواجهة الصفرية" بينهما.
المنظور الأمريكي
في ما يخص المنظور الأمريكي للمواجهة مع الصين، "قالت ناشيونال إنترست": الاعتقاد بأن الصين تشكل تهديدًا على النمط السوفييتي للولايات المتحدة، نتيجة ثانوية للخلل السياسي والاستقطاب والضيق الاقتصادي، التي كانت تتطور أكثر من 10 أعوام، لكنها تفاقمت بسبب تأثير الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الأحداث العالمية.
وأضافت المجلة: أساليب الإدارات الأمريكية المتعاقبة -خصوًصا ترامب- وأزمة كورونا، ربما غذت هذا الشعور بالضعف الوطني، الذي أدى بدوره إلى تصورات مبالَغ فيها عن التهديدات الخارجية، خاصة من الصين، فضلًا عن الممارسات التجارية الصينية، التي يتم إلقاء اللوم عليها، بسبب نقاط الضعف في الاقتصاد الأمريكي.
وأشارت إلى أن عمليات التأثير الصيني في الخارج، ينظر إليها على أنها تهديد "للديمقراطية الأمريكية"، وأن قدراتها الفضائية والإلكترونية تهديد لأمن الولايات المتحدة.
وترى المجلة، أن كل هذه التكتيكات والأدوات الصينية، تحديات حقيقية وجوهرية لأمريكا، لكن الخطر الذي تشكله على أسلوب الحياة الأمريكي مبالَغ فيه إلى حد كبير.
وحددت المجلة ملامح أسلوب إدارة بايدن، في التعامل مع الصين، وأنه مقيد بتبني تقييم محايد، وقائم على التجربة للتحدي الذي تطرحه بكين، لأن ذلك ينطوي على مخاطر تصنيف الإدارة من قِبل الجمهوريين -وحتى العديد من الديمقراطيين- بأنها ناعمة في مواجهة "التهديد الصيني".
إلى ذلك رأت أن الانقسام الحزبي "الجمهوري والديموقراطي" متوازن بشكل متساوٍ ودقيق، بين "المواطنين والكونغرس" بحيث لا يميل بايدن، ولا أي خليفة جمهوري محتمل، إلى المخاطرة بإعطاء حزب المعارضة مثل هذه "الذخيرة" ويعزِّز هذه الرؤية عدم قدرة بايدن أو عدم رغبته في التراجع عن بعض خطابات ترامب الحادة بشأن الصين.
وللأسباب ذاتها، تقول المجلة إن بايدن لن يميل إلى الاعتراف صراحةً بالانحدار "الاستراتيجي النسبي" للولايات المتحدة وتأثيرها على مصداقيتها في الخارج، الذي ينبغي أن يؤدي إلى مشاركة بنّاءة مع الصين، لكن بدلاً من ذلك، ضاعف موضوع "أمريكا عادت"، التنافس الأيديولوجي مع الصين بين الديمقراطية والاستبداد، والحاجة إلى التنافس على التعاون مع بكين.
المنظور الصيني
وأضافت "ناشيونال إنترست" أن الجانب الصيني يعتقد أن الولايات المتحدة، تشكل تهديدًا وجوديًا للصين، مشيرة إلى بيانات السياسة الأمريكية على مدى سنوات، التي دعت ضمنيًا أو صراحة إلى تغيير النظام في بكين.
وأوضحت أنه هذه التصريحات أثبتت صحة مخاوف قادة الحزب الشيوعي الصيني العميقة والمشروعة من الاضطرابات الداخلية، واحتمال أن تتم مساعدتها وتحريضها من قِبل التخريب الأجنبي.
لكن الآراء السلبية عن الولايات المتحدة، في أوساط الشعب الصيني، يغذيها أيضًا تاريخ من الانتهاكات الخارجية للسيادة الصينية، التي لعبت فيها الولايات المتحدة دورًا حتى قبل حكم الحزب الشيوعي الصيني، والتصورات عن السلوكيات الدولية الأمريكية "المتعجرفة" و"التدخلية" في العقود الأخيرة.
وتشير المجلة، إلى أن هذه التصورات تغذيها دعاية الحزب الشيوعي الصيني باستمرار، لكن هناك الكثير من الحقيقة التاريخية فيها.
وتابعت المجلة: في ظل هذه الظروف لا يميل شي جين بينغ وزملاؤه، في قيادة الحزب الشيوعي الصيني، إلى نهج توافقي جوهري مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنهم يرون أنهم لا يستطيعون تحمُّل أن يُنظر إليهم من قِبل الشعب الصيني، على أنهم متساهلون في التعامل مع التهديد الأمريكي.
حان وقت الصين
علاوة على ذلك -حسب المجلة- لن يتراجع هؤلاء القادة عن صعود الصين، وسعيها إلى تحقيق المكانة والنفوذ العالميين، الأمر الذي ظل ضرورة صينية 150 عامًا، إذ يعتقد الصينيون أن وقت الصين كقوة عظمى قد حان، ولن يسمحوا للولايات المتحدة بإنكار ذلك ولا منعه.
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أن هذه العقلية أصبحت واضحة في دبلوماسية "المحارب الذئب" في الصين، والأهم من ذلك، أنها تنعكس في دبلوماسيتها السائدة، وفي خطابات وكتابات شي وغيره من القادة الصينيين عن الصين "تتحرك نحو مركز الشؤون العالمية" بطرق تتناسب مع ثروتها وقوتها في القرن الحادي والعشرين.
المحصلة صفر
ورأت المجلة، أن من المفارقات أن كلًا من الجانبين، يُظهر مزيجًا من الغطرسة وانعدام الأمن، وكلاهما لا يفسح المجال لمقاربة مدروسة وعقلانية للعلاقة الثنائية، مشيرة إلى أنه على العكس من ذلك، فإنهم يفسدون أنفسهم للتفكير الصفري والبارانويا الاستراتيجية.
وأضافت: لدى كل من الجانبين إحساس مبالَغ فيه، بنفوذه المادي (وحتى الأخلاقي) على الآخر، ما يعيق أي اعتبار لتسوية القضايا المهمة أو نهج متبادل للتعامل مع بعضهما، مشيرة إلى أنه في الوقت نفسه، يواجه كلاهما تحديات داخلية قاسية، تكاد تكون ذاتية، فالديمقراطية الأمريكية آخذة في التآكل، وربما تكون "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" بيتًا من ورق، لكن كلاً من واشنطن وبكين، تجد أنه من الأسهل إلقاء اللوم في مشكلاتها على الأخرى، أو على الأقل صرف الانتباه عنها تجاه "التهديد" الخارجي المفترض، بدلاً من مواجهة تلك المشكلات بشكل فعال.
وتستخلص المجلة في تقريرها، أن هذه "الحرب" تعزِّز تصورات التهديد المتضخمة، التي تعيق التفكير الذاتي والمساعدة الذاتية في الجانبين، مشيرة إلى أن النتيجة المنتظرة لهذا الصراع، هي ظاهريًا منافسة محصلتها صفر، على الثروة والسُّلطة والتأثير، بين أكبر قوتين في العالم.