حرائق الجزائر... اتهامات لأيدٍ إجرامية وقصة شاب أدمت القلوب
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قال في خطاب إلى مواطنيه، إن أغلبية الحرائق التي اجتاحت ما يقارب من 17 ولاية،كانت من فعل أيدٍ إجرامية.

السياق
«أيدٍ إجرامية تقف وراء الحرائق»... اتهامات جزائرية تنوَّعت مستويات مطلقيها، من الرئيس إلى وزير الداخلية إلى مسؤولين محليين، إلا أنها جميعها أرجعت الحرائق -التي تجتاح الجزائر- إلى جهات خارجية أو منظمات إرهابية، لزعزعة أمن البلد الإفريقي.
حرائق الغابات المستعرة، التي اندلعت قبل أيام في مناطق عدة بالجزائر، أسفرت عن مقتل 69 شخصًا، بينهم 28 عسكريًا، ما أدى إلى إعلان السُّلطات الجزائرية حدادًا وطنيًا ثلاثة أيام، وسط تواصل جهود فرق الإنقاذ، لإخماد تلك النيران المشتعلة.
أيدٍ إجرامية
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قال في خطاب إلى مواطنيه، إن أغلبية الحرائق التي اجتاحت ما يقارب من 17 ولاية،كانت من فعل أيدٍ إجرامية، مؤكدًا أن بلاده «جنَّدت إمكاناتها البشرية والمادية، لمواجهة الحرائق التي لم يعرفها الوطن منذ عشرات السنين».
وبينما أشاد الرئيس تبون بـ«الهبة التضامنية» تجاه المتضررين من حرائق الغابات، حذَّر من محاولات استغلال هذه المحنة للمساس بالوحدة الوطنية، مجددًا تعازيه لكل مَنْ قضوا من مدنيين وعسكريين «وهم يحاربون الكارثة».
وعن طلب مساعدة الدول المجاورة لإطفاء الحرائق، قال تبون: هاتفنا كل الدول الأوروبية الصديقة، من أجل اقتناء طائرات إخماد الحرائق، حيث كنا نعلم أن التضاريس لا تسمح بإطفاء النيران بوسائل تقليدية، غير أنه مع الأسف، ولا دولة استجابت لطلبنا، لأن كل الطائرات الأوروبية من هذا النوع، كانت آنذاك متمركزة في اليونان وتركيا، التي عرفت هي الأخرى اندلاع حرائق مهولة.
طائرات إطفاء
إلا أنه استدرك قائلًا، إن طائرتين فرنسيتين وصلتا الخميس، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى إلى استئجار طائرتين إسبانيتين وأخرى سويسرية، ستصل في غضون الأيام الثلاثة المقبلة، للسيطرة على هذه الحرائق.
وأوضح أن الجيش الجزائري سخَّر ما يقارب من ست مروحيات لإطفاء النيران، إلا أن الأماكن التي اشتعلت فيها النيران، صعبة التضاريس وآهلة بالسكان، ما جعل تركيزنا منصبًا على إنقاذ الأرواح.
وطالب مواطنيه بالتصدي إلى مَنْ يريدون إثارة الفرقة بين الجزائريين، محذِّرًا من الأطراف التي «تغتنم الفرصة للتفرقة».
مواطنون شرفاء
وأشار إلى أن مَنْ وصفهم بـ«المواطنين الشرفاء» ساعدوا في إلقاء القبض على 22 مشتبهًا به في التسبُّب باندلاع الحرائق، محذِّرًا مَنْ يحاول المساس بالوحدة الوطنية، بأنه سيدفع الثمن غاليًا.
الاتهامات التي ألقاها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى مَنْ وصفهم بـ«الأيدي الإجرامية»، التي تقف وراء اندلاع الحرائق في بلاده، ليست الأولى، حيث سبقه وزير الداخلية كمال بلجود، الذي قال -قبل يومين- إن يدًا إجرامية حاقدة على بلاده، تقف وراء حرائق الغابات، التي اندلعت في وقت متزامن في 14 ولاية.
وأضاف المسؤول الجزائري -في تصريح صحفي- على هامش زيارته تيزي وزو: «من المستحيلات السبعة، أن تكون هذه الحرائق التي اندلعت في وقت متزامن، طبيعية، هناك يد إجرامية حاقدة تريد الخراب للجزائر، تقف وراء هذا الفِعل، مثلما كان الحال في ولايات أخرى».
مسؤول الغابات بولاية تيزي وزو، يوسف ولد محمد، لم يستبعد هو الآخر وجود عمل إجرامي، وراء حرائق الغابات في المنطقة.
حرق شاب
حرائق الجزائر، والاتهامات التي ألقاها المسؤولون على جهات خارجية، جعلت المواطنين يتشككون في أي شخص، حتى إنهم ألقوا القبض على عشرات، متهمين إياهم بإشعال الحرائق، إلا أن واقعة مؤسفة، وقعت قبل يومين، كشفت خطورة الاتهامات المتناثرة من مسؤولي الجزائر، من دون ذكر مَنْ يتهمونهم بالتورُّط في الحرائق.
فمجموعة من المواطنين الغاضبين، ألقوا القبض قبل يومين، على شاب في منطقة تيزي وزو، يدعى جمال بن إسماعيل، بعد أن اشتبهوا في إضرامه النيران بالغابات، وأوسعوه ضربًا، قبل أن تتدخل الشرطة وتخلصه من أيديهم، إلا أن بعض الشباب تمكنوا من سحبه من سيارة الشرطة، ثم قتلوه وأضرموا النار في جثته حتى تفحمت، وصوروا فعلتهم.
وأعلنت النيابة العامة في الجزائر، فتح تحقيق في ظروف وملابسات مقتل الشاب، مؤكدة أن مجموعة من المواطنين ألقوا القبض على ثلاثة أشخاص، كانوا في سيارة إثر شكوك راودتهم بأنهم متورِّطون في حرائق الغابات بمنطقة نايت إيراثن.
وقالت النيابة -في البيان الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه- إنه «بعد الاعتداء على الشبان الثلاثة بالضرب، تدخلت الشرطة لإنقاذهم، غير أن المجموعة نفسها، واصلت تهجمها على مقر الشرطة باستعمال العنف، وتمكنوا من إخراج أحد الثلاثة وسحبه خارج مقر الشرطة إلى ساحة المدينة، والاعتداء عليه بالضرب وإضرام النار في جسده، ما أدى إلى وفاته».
أبواق الفتنة
وبينما دعا والد الضحية، المواطنين إلى عدم الانجرار وراء أبواق الفتنة، مطالبًا السُّلطات الجزائرية، بالإسراع في تسليم جثمان ابنه لدفنه، كشف سكان من مدينة الشاب الذي لقي مصرعه، أنه انتقل إلى منطقة الحرائق، لتقديم المساعدة للأهالي في إخماد النيران.
إلا أن الرئيس الجزائري، علَّق في خطابه، على مقتل الشاب، مشدِّدًا على أن العدالة وحدها، المخولة بإظهار الحقيقة، مؤكدًا أنه «يجب عدم استغلال الموقف والوقوع في فخ المنظمتين الإرهابيتين، اللتين تحاولان الدخول من هذا الباب، للمساس بالوحدة الوطنية».
مساعدات دولية
وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، أعرب عن تضامن بلاده، ووقوفها بجانب الجزائر في ظروفها العصيبة، نتيجة الحرائق.
وبعث العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ببرقية تعزية ومواساة، إلى الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، إثر الحرائق، معربًا عن أمانيه بالرحمة للضحايا، وبالشفاء العاجل للمصابين.
بدوره، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، إن بلاده مستعدة لتقديم الدعم للجزائر، مؤكدًا استعداد بلاده لتوفير مروحية إطفاء متخصِّصة، بحسب صحيفة النهار الجزائرية.
ووجَّه الرئيس الجزائري، الشكر إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، على وقوف بلاده إلى جانب الجزائر طوال الوقت.
28 حريقًا في تونس
وبالتزامن مع الحرائق التي اجتاحت الجزائر، أعلنت جارتها تونس، اندلاع عشرات الحرائق في مناطق جبلية متفرقة، أجلت إثرها العديد من العائلات.
وقال الدفاع المدني التونسي -في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه- إن ارتفاع درجات الحرارة أسهم في إذكاء اندلاع نحو ثلاثين حريقًا، مؤكدا أن الكارثة لم تتسبَّب في سقوط أرواح، وأن ستة منازل احترقت جزئيًا.
وسجَّلت السُّلطات التونسية، منذ الاثنين الماضي، اندلاع 28 حريقًا لا تزال ثمانية منها نشطة حتى الخميس، في مناطق جبلية من محافظة جندوبة شمالي غرب البلاد، بينما قال الناطق باسم الدفاع المدني، معز تريعة: إن بعض جيوب النيران نشطة، لكن أغلبية الحرائق تحت السيطرة.
وبحسب تصريحات تريعة لـ«فرانس 24»، فإنه جرى إجلاء 19 عائلة من منطقة جبل السرج في محافظة القيروان (وسط) وتسع أخرى في منطقة فرنانة شمالي غرب تونس، مشيرًا إلى أنه منذ مطلع يونيو حتى 12 أغسطس، تضرر نحو 5 آلاف هكتار من النيران.
لكن أسباب الكارثة تبقى مجهولة حتى الساعة، وتتزامن مع موجة قيظ تضرب البلاد، ودرجات حرارة قياسية بمناطق في الشمال والوسط، حسبما أفاد المرصد الوطني للرصد الجوي، الذي أشار إلى أن محافظة القيروان سجَّلت الأربعاء رقمًا قياسيًا في الحرارة وصل إلى 50.3 درجة مئوية.