وسط اتهامات للمحكمة... السودان يقرِّر تسليم البشير للجنائية الدولية
السودان يعلن تسليم البشير... والانتقادات تلاحق الجنائية الدولية

السياق
بعد أسبوع من تصديق الحكومة السودانية على قانون روما، أعلن السودان، أنه قرَّر تسليم الرئيس المعزول عمر البشير، واثنين من مساعديه المطلوبين في ملف دارفور، إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تطالها بعض الاتهامات بالتحيُّـز ضد القادة الأفارقة.
جاء ذلك، خلال لقاء وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، المدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أسد خان، الذي يزور السودان، مشيرة إلى أن بلادها قرَّرت تسليم المطلوبين إلى الجنائية الدولية.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية «سونا» عن المهدي، تأكيدها تعاون بلادها مع المحكمة، لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور.
خطوات عملية
الخطوة السودانية، جاءت بعد يوم من دعوة مدَّعي المحكمة الجنائية الدولية، أسد خان، السُّلطات السودانية إلى اتخاذ خطوات عملية، لتحقيق العدالة لضحايا صراع دارفور، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب فظائع في المنطقة، في إشارة إلى الرئيس السابق عمر البشير ومسؤولين سابقين.
وكان المدَّعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية، كريم أسد خان وصل، الاثنين، إلى السودان برفقة عدد من مستشاريه، ومسؤولين في المحكمة الدولية.
الزيارة التي تمتد حتى الخميس، اجتمع خلالها أسد خان، مع عضوي مجلس السيادة الانتقالي، الهادي إدريس والطاهر حجر بالقصر الجمهوري، بحسب بيان لمجلس السيادة الانتقالي، اطلعت «السياق» على نسخة منه.
زيارة مرتقبة
وقال مجلس السيادة: إن خان الذي تولى منصبه في يونيو الماضي سيزور السودان مرة أخرى في نوفمبر المقبل، ليقدِّم تقريرًا إلى مجلس الأمن في ديسمبر المقبل.
النائب العام السوداني، مبارك محمود، أكد -لدى لقائه المدَّعي العام الدولي- استعداد بلاده للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في كل القضايا، لا سيما قضية ضحايا حرب دارفور وتحقيق العدالة لهم.
وكانت المدَّعية السابقة للمحكمة، فاتو بنسودا دارفور، زارت في مايو الماضي، إقليم دارفور، الذي يحاكَم في أحداثه الرئيس عمر البشير وآخرون، وعقدت اجتماعًا مع ممثِّلين لأسر الضحايا، الذين يعيشون في مخيمات حول مدينة الفاشر، وقد رفعوا يومها لافتات تطالب بالعدالة للضحايا، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
قانون روما
وكان مجلس الوزراء السوداني صدَّق -الأسبوع الماضي- على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة اعتبر مراقبون، أنها تأتي في اتجاه محاكمة البشير، أمام هذه الهيئة القضائية الدولية في لاهاي.
والرئيس السابق عمر البشير، مسجون في سجن كوبر بالعاصمة السودانية الخرطوم، منذ إطاحته في أبريل 2019، إثر حركة احتجاج شعبية واسعة ضده.
أحداث دارفور
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، عام 2009، مذكرة توقيف في حق البشير، الذي اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال النزاع المسلَّح في دارفور، الذي اندلع عام 2003 وقُتل خلاله أكثر من 300 ألف شخص.
كما أصدرت مذكرتي توقيف، في حق اثنين من مساعديه، هما عبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون، المحبوسان في سجن كوبر أيضًا، إلا أن الأخير طالب مطلع مايو الماضي بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية، عقب مثوله أمام لجنة تحقيق حكومية.
تعهد حكومي
وكان مجلس السيادة الانتقالي، أعلى سُلطة حاليًا في السودان، وعد بعد تسلُّمه الحكم في فبراير 2020، بمثول البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، قال في أبريل الماضي، إن الجنائية الدولية لم تطالب بتسليم البشير وإنما محاكمته، مشيرًا إلى أن السُّلطات في الخرطوم، متفقة على مثول الرئيس السابق أمام المحكمة.
ويحاكَم البشير أمام محكمة سودانية، بتهمة الانقلاب العسكري على النظام في يونيو 1989.
قرار تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، يثير -بحسب مراقبين- جدلًا كبيرًا، كونه سابقة من نوعها، يمثل فيها رئيس عربي أمام المحكمة الجنائية الدولية.
5 اتهامات
ويواجه البشير خمسة اتهامات، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، منها القتل والترحيل القسري والإبادة والتعذيب والاغتصاب، واتهامان بارتكاب جرائم حرب لشن هجمات على مدنيين، وثلاثة اتهامات بالإبادة الجماعية بسبب القتل، وتهيئة الظروف لتدمير الفئة المستهدفة، ويفترض أنه ارتكبها بين عامي 2003 و2008 في دارفور.
وبينما يطالب البعض بعدم تسليم البشير، يرى آخرون أن ذلك يجب ألا يحدث كون المحكمة –برأيهم- مسيَّسة، ولأن عمر البشير -في نهاية الأمر- مواطن سوداني، ويجب أن يحاكَم من قِبَلِ القضاء السوداني.
تهديدات
وكان محامي البشير، محمد الحسن الأمين، أطلق أمس تهديدات أثارت غضبًا كبيرًا في الشارع السوداني، أشار فيها إلى أن تسليم البشير للمحكمة الجنائية، سيكون كارثة وسيجر معه آخرين.
وأكد، أن موكله يرفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، لاعتباره إياها محكمة سياسية، وأن القضاء السوداني بمقدوره التعامل مع أي قضية.
اتهامات تلاحق الجنائية
تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، يعيد إلى الأذهان الاتهامات التي وُجِّهت إليها، بأنها تكيل بمكيالين، وتتحامل على إفريقيا، بينما تغض الطرف عن أي أحداث أو صراعات في العالم، مسلِّطة الضوء على القارة السمراء.
وكان جان بينغ، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الأسبق (2008 -2012)، اتهم المحكمة الجنائية الدولية قائلًا إن «أحكامها تكيل بمكيالين، وتتضمَّن تحاملًا على إفريقيا».
فشل ذريع
وبحسب مراقبين، فإن المحكمة الجنائية الدولية، لم تحقِّق في أي أحداث، تورَّطت فيها دول كبرى، بل إنها حينما حاولت إجراء تحقيق في جرائم حرب بأفغانستان، وأشارت إلى تورُّط جنود أمريكيين في ارتكابها، فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات، على القضاة والموظفين فيها، في سابقة وُصفت بـ«الخطيرة».
وكانت مجلة رابطة المحامين الأمريكية (ABA) قالت -في تقرير- إن سجل المحكمة الجنائية الدولية، أصبح -بمرور الوقت- بائسًا في ما يتعلق بمحاسبة الأشخاص، مشيرة إلى أنها خلال أكثر من 17 عامًا، رغم إنفاق أكثر من مليار دولار، قضت المحكمة بإدانتين فقط وإقرار واحد بالذنب.
فجوات الأداء
منظمة هيومن رايتس ووتش، وهي مدافعة قوية عن المحكمة الجنائية الدولية، أقرت مؤخرًا بأن «فجوات الأداء بسبب عوامل مختلفة، أصبحت واضحة جدًا، ما يؤكد الحاجة إلى تغيرات في السياسة والممارسات ودعم الدولة».
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن بعض النقاد يرون أن المحكمة الجنائية الدولية متحيِّـزة ضد الأفارقة، في حين يقول آخرون: إن المحكمة الجنائية الدولية -للأسف- تعزِّز وِجهات النظر الغربية باعتبارها ثوابت عالمية، صالحة لجميع الناس والدول، وتعيد تمثيل الاستعارات العنصرية للمتوحشين والضحايا والمنقذين، باسم الحقيقة والعدالة.
وأشارت إلى أن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، لا تفي بمعايير نظام العدالة الجنائية، في الولايات المتحدة، مؤكدة أن قراراتها يتخذها القضاة وحدهم، الذين تعرَّضت مؤهلاتهم لانتقادات شديدة.