الإرهاب من تونس إلى ليبيا... اتهامات متبادلة والعدو واحد

أسبوع عاصف من الاتهامات بين تونس وليبيا ينتهي برسالة غزل... إلى أين تسير علاقات البلدين؟

الإرهاب من تونس إلى ليبيا... اتهامات متبادلة والعدو واحد

السياق

أسبوع عاصف من الاتهامات المتبادلة بين تونس وليبيا بتصدير الإرهاب، حمَّل فيها كل بلد الآخر مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية لدى جاره، إلا أنه اختُتم برسالة مغازلة من رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، إلى المسؤولين في جارته الغربية.

رسالة رئيس الحكومة الليبية، التي نشرها عبر «تويتر»، قال فيها: «تعاني أوطاننا مشكلة الإرهاب، وتونس الشقيقة ليست استثناءً»، مشيرًا إلى أن «ما ورد من ادّعاءات مغلوطة، بشأن الأوضاع الأمنية بين البلدين، لن يؤثِّر في عمق العلاقة الأخوية، وسنظل شعبًا واحدًا في بلدين».

لكن ماذا حدث لهذه الرسالة التي اعتبرها البعض اعتذارًا؟ وما الذي أوصل الأمور بين البلدين إلى هذا الحد؟ وإلى أين تسير العلاقات بين ليبيا وتونس؟ وهل يمكن أن تؤثِّر هذه الاتهامات في علاقة البلدين؟ «السياق» تجيب عن تلك الأسئلة في هذا التقرير.

الأزمة بين البلدين، بدأت الأسبوع الماضي بإخطار الإنتربول التونسي، الشرطة الجنائية العربية والدولية، اعتزام 100 إرهابي التسلل من قاعدة الوطية الجوية، التي تحتلها تركيا في الغرب الليبي إلى تونس.

البرقية التونسية، التي اطلعت «السياق» على نسخة منها، وحملت توقيع وزير الداخلية الليبي خالد مازن، جاء فيها: «أفادنا رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية، بأنه أخطر بموجب برقية وردت إليه من إنتربول تونس، فحواها توفر معلومات لديهم باعتزام نحو 100 إرهابي موجودين في القاعدة الجوية الوطية، التسلل إلى تونس».

أضافت البرقية، أن وزير الداخلية الليبي، طالب باتخاذ ما يلزم من إجراءات، وتكثيف عمليات البحث وجمع المعلومات، لإحباط أي مخططات تحاك للقيام بأي عمليات إرهابية.

تسلل إرهابيين

إلا أن وزارة الداخلية الليبية أصدرت بعد ذلك، برقية إلى الشرطة الجنائية العربية، أكدت فيها أن الجهات الأمنية بالغرب الليبي، نفت صحة تلك المعلومات، مشيرة إلى أن القاعدة الجوية الوطية تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الليبية.

وشدَّدت وزارة الداخلية الليبية، على أنها لا يمكنها السماح بأن تكون قاعدة الوطية، منطلقًا لتنفيذ أي أعمال إرهابية أو تخريبية، قد تزعزع الأمن والاستقرار بليبيا، أو تلحق الضرر بدول الجوار.

وبينما أكدت «الداخلية الليبية»، عدم صحة تلك المعلومات، قالت إنها تتابع وترصد النشاط الإرهابي بكل أشكاله، وتلاحق المتورطين ومَنْ تحوم حولهم شبهات من خلال أجهزتها المعنية بمكافحة الإرهاب.

وفي اليوم نفسه، الذي ردت فيه وزارة الداخلية الليبية، على برقية الإنتربول التونسي، عقد الوزير خالد مازن اجتماعًا في العاصمة طرابلس، مع رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية، العميد عادل إسماعيل، والمندوب الأمني لدى السفارة الليبية بتونس، العميد إبراهيم البوعيسي.

ورغم أن البيان الليبي حينها، الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، قال إن الاجتماع تناول مناقشة موضوع تشابه الأسماء، في المنافذ بين ليبيا وتونس، واستعراض آخر الأعمال المنجزة في هذا الشأن، من أجل تذليل الصعوبات التي تواجه المواطنين، خلال العبور من هذه المنافذ، قال مراقبون إنه جاء لإيضاح الصورة، ونفي المعلومات التي أثيرت عن تسلل الإرهابيين إلى تونس.

 

رأب الصدع

وفي محاولة من ليبيا لرأب الصدع مع تونس، أعلن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، إرسال وفد ليبي رفيع المستوى إلى جارته، لإيضاح الموقف الليبي، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى إلى علاقات طيبة مع دول الجوار.

إلا أن تونس رفضت فتح معبري رأس الجدير وذهيبة، متعللة بأن القرار فرضته الظروف الصحية في تونس، التي تطلبت اتخاذ إجراءات احترازية ومزيد من الحيطة واليقظة، للتوقي من احتمال دخول سلالات جديدة متحورة وسريعة العدوى، من فيروس كورونا إليها.

وقالت عضو اللجنة جليلة بن خليل، إن اللجنة دعت إلى استمرار إغلاق المعابر البرية توقياً من كورونا، معتبرة أن تحسن الوضع الصحي في تونس، يتطلب مزيدًا من تشديد الإجراءات، لعدم انتقال فيروس كورونا المتحور عبر الحدود البرية.

 

مصدر إزعاج

وبينما تحول ملف الحدود، إلى مصدر إزعاج للبلدين، عبَّـرت ليبيا -في تصريحات لوزيرة خارجيتها نجلاء المنقوش- عن انزعاجها من استمرار إغلاق تونس لحدودها، رغم فتحها من جانبها.

إلا أن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، الذي بدا منزعجًا من ملفات عدة مع الجارة التونسية، قال في كلمة متلفزة بثها التلفزيون الرسمي: «حاربنا الإرهاب في سرت  وفي كل مكان، ولا يمكن أن نقبل اتهامنا به»، مؤكدًا أن ليبيا «أرسلت وفدًا كبيرًا إلى تونس، للتفاهم معها بشأن هذه الاتهامات الغريبة».

وفي إشارة إلى تونس والعشرة آلاف تونسي، الذين عبروا الأراضي الليبية، للانضمام إلى تنظيم داعش، قال الدبيبة: «أنتم من جلب لنا الإرهابيين، وحاسبوا أنفسكم قبل الاتهام، نحن شعب حر ولا يمكن أن نقبل اتهامنا بالإرهاب وأنتم حاسبوا أنفسكم يا مَنْ تتهموننا بالإرهاب (..) بعض الدول الجارة اتهمتنا بأننا إرهابيون... لكن العشرة آلاف إرهابي، الذين دخلوا بلادنا من أين أتوا؟ أنتم الذين جلبتموهم لنا... الإرهاب جاءنا من الخارج، خصوصًا في بعض الدول الجارة».

 

الدبيبة يكيل الاتهامات

وأكد رئيس الحكومة الليبية، أن السُّلطات الرسمية في تونس، تبنَّت الاتهامات ضد الدولة الليبية، مضيفًا: إذا كانت دولة تونس تريد بناء علاقات حقيقية وصادقة معنا، لا بد من احترام دول الجوار... نحن أصبحنا فطنين، تفطنا للألاعيب الدولية، ولا يمكن أن نقبل تكرار المشاهد السابقة، ولا يمكن أن نرضى بأن يتم الضحك على الليبيين مرة أخرى.

تصريحات الدبيبة، أثارت غضب تونس وشعبها، فعبَّـرت -على لسان وزير خارجيتها عثمان الجرندي- عن استغرابه من تصريحات الدبيبة عن «تصدير الإرهاب إلى بلاده انطلاقًا من تونس».

وقالت وزارة الداخلية التونسية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الوزير الجرندي التقى نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، على هامش اجتماع دول جوار ليبيا في الجزائر، وأكد خلاله، أن أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار تونس.

 

تونس ترد

وأضاف المسؤول التونسي، أن تصريحات الدبيبة «مجانبة للحقيقة، لاسيما في هذا الوقت الذي تعمل فيه بلادنا جاهدة للإسهام الناجع في استتباب الأمن والاستقرار في ليبيا وفي دول المنطقة، وهي كذلك الصوت المدافع عن ليبيا، في المحافل الإقليمية والدولية، خاصة في مجلس الأمن».

وأكد الجرندي «موقف تونس الثابت لدعم جميع الجهود، الرامية إلى استكمال العملية السياسية، وفق خارطة الطريق التي اعتمدها ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد بتونس».

وأشار إلى أن أن تونس مستهدفة بدورها بالإرهاب، ولا يمكن أن تكون -بأي حال من الأحوال- قاعدة لتصديره أو مصدر لتسلل الجماعات الإرهابية إلى ليبيا.

 

تهدئة الوضع

وفي محاولة من الدبيبة لتهدئة الوضع، كشفت مصادر في تصريحات لـ«السياق» عن عزم رئيس الحكومة الليبية، التوجُّه إلى تونس، اليوم الأربعاء، في زيارة يلتقي خلالها الرئيس قيس سعيد.

وقالت المصادر، إن الزيارة تأتي كخطوة لإزالة «البرود» الذي شاب العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة، بعد غلق الحدود من الجانب التونسي، وتصريحات الدبيبة بخصوص الإرهابيين الأجانب في ليبيا.