بعد أزمة أفغانستان... أمريكا تبحث عن دور جديد

الخروج الفوضوي من أفغانستان يشير إلى الرغبة في استخدام أكثر تحفظًا للقوة العسكرية الأمريكية

بعد أزمة أفغانستان... أمريكا تبحث عن دور جديد

ترجمات - السياق

رأت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن الولايات المتحدة، تبحث عن دور جديد لها في العالم، بعد انسحابها "الفوضوي" من أفغانستان، وهو ما رأت أنه يشير إلى رغبتها في استخدام أكثر تحفُّظًا للقوة العسكرية الأمريكية.

وقالت الصحيفة -في تقرير- إن إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، بداية فصل جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، الذي جاء بعد 24 ساعة فقط من خروج آخر أفراد القوات الأميركية من كابل، الأسبوع الماضي، وهي الخطوة التي أنهت انسحاب أمريكا الذي وصفته بـ"الشاق والمميت" من أفغانستان، لم يكن جديداً.

 

صراعات مفتوحة

وذكر التقرير، أن شكوك بايدن بشأن الحرب الأمريكية في أفغانستان، تعود إلى عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما أن رغبته في إنهائها، كانت من تعهداته في الحملة الانتخابية لعام 2020، وخطوة تحظى بالأولوية، منذ دخوله البيت الأبيض في يناير الماضي.

وقال التقرير: رغم ذلك، فإن الطبيعة الفوضوية للانسحاب، يتردَّد صداها في جميع أنحاء واشنطن والعالم، الأمر الذي يكشف بوضوح تحول أمريكا -في السنوات القليلة الماضية- نحو استخدام أكثر تحفُّظًا وحذراً لقوتها العسكرية.

وأضاف التقرير: بالنسبة لمؤيدي نهج بايدن، فإن هذه الخطوة تعكس ما يرون أنه إعادة تقويم متأخرة لسياسة الأمن القومي الأمريكية، بعد الصراعات غير المثمرة والمكلفة، التي تكشفت على مدى العقدين الماضيين.

 كما يعتقدون أن هذا التحول، سيعطي المسؤولين الأمريكيين والجيش، مساحة أكبر للتركيز على مواجهة المنافسين الاستراتيجيين الكبار مثل الصين وروسيا، ومواجهة التحديات العالمية مثل أزمة المناخ، من دون التورُّط في صراعات مفتوحة، لاسيما في الشرق الأوسط.

 

إظهار القوة

كشف تقرير الصحيفة البريطانية، عن شعور البعض بالقلق، من أن يُدخل بايدن الولايات المتحدة حقبة أكثر خطورة من الانكماش، الأمر الذي قد يشجِّع خصومه، ويثير غضب حلفائه الأكثر ضعفاً، فضلاً عن تقويض مساعيه لتعزيز حقوق الإنسان، وتبديد الآمال في العودة إلى القيادة الأمريكية القوية للعالم، بعد أربع سنوات من حُكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي، لم تذكر اسمه، قوله: "يجب إيجاد طريقة لإظهار القوة الأمريكية في المستقبل المنظور، وإلا فإن الصينيين والروس سيعتقدون تلقائياً أن هذا القرن سيشهد فوز الأنظمة الاستبدادية، وهو أمر خطير للغاية".

وأشار التقرير، إلى أن الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، الذي بدأه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، كان أكثر جرأة وتعقيداً ودموية، ما أدى إلى استمرار الفقدان البطيء للتأييد بين الأمريكيين في الداخل، فضلاً عن توتر التحالفات الأمريكية في الخارج.

ولفت التقرير إلى أن خبراء السياسة الخارجية في واشنطن، يرون أن تصريحات بايدن الأخيرة، تشير إلى أنه لديه الكثير من المرونة لاستخدام القوة إذا لزم الأمر.

 

تقويض الثقة

بدوره، حذَّر المسؤول البارز السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، جيم دوبينز، من أن رغبة الرؤساء الأمريكيين في الابتعاد عن العمليات العسكرية الخارجية المهمة، غالباً ما تكون قصيرة الأجل وتتغيَّر بتغيُّر الأحداث.

وذكر التقرير، أن المسؤولين والدبلوماسيين الأمريكيين السابقين، يرون أنه لو كان انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، تم بشكل أكثر سلاسة، لكان الأمر مطمئناً، لكن الطريقة التي تكشف بها الانسحاب، مع شعور حلفاء الولايات المتحدة بالصدمة، بسبب سرعة استيلاء حركة طالبان على السُّلطة، قوَّضت الثقة في الولايات المتحدة.

وتابع: "لا يزال لدى الولايات المتحدة 200 ألف جندي في الخارج، في كل مكان في العالم، من البحرين إلى ألمانيا وكوريا الجنوبية، مع ميزانية دفاع سنوية تبلغ 700 مليار دولار، وهي قوة عسكرية ضخمة يجب ألا يُستهان بها".

 

قلق أوروبي

ورأت الصحيفة، أن الانسحاب من أفغانستان يعمِّق قلق الاتحاد الأوروبي من الافتقار إلى القوة العسكرية في الداخل، مشيرة إلى أن بايدن ركز على خططه لبرنامج البنية التحتية البالغ 1.2 تريليون دولار، وحزمة الإنفاق الاجتماعي البالغة 3.5 تريليون دولار، فضلاً عن الزيادات الضريبية على الشركات والأثرياء، التي يُنظر إليها على أنها ضرورية لجهود أمريكا، لتحدي منافسيها الدوليين على الجبهة الاقتصادية.

وتابعت: "ومع ذلك، فإن التصورات المتعلِّقة بالقوة أو الضعف الأمريكي، تعتمد على وضع الديمقراطية الأمريكية، وذلك بالنظر للتأثير المستمر لترامب وتحدياته للمؤسسات التقليدية والانتخابات، لذا فإن تحرُّك الولايات المتحدة بحذر أكبر، في استعراض قوتها العسكرية، قد يدفع واشنطن إلى مواجهة معضلات مماثلة لتلك التي تواجهها الدول الأوروبية".