غير عقلاني وخطوة للوراء.. رد إيران على مقترحات الاتفاق النووي يثير انتقادات أمريكية
رد فعل واشنطن السريع على النص الإيراني، الذي تم تسليمه قبل الثالثة فجراً بقليل يوم الجمعة بتوقيت طهران، يتناقض -بشكل مباشر- مع مزاعم طهران بأن مقترحاتها تقدم مقاربة بنّاءة تهدف إلى إنهاء المفاوضات.

السياق
عقبة جديدة في طريق التوصل لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بعد رد طهران على المقترحات الأمريكية، في تطورات تحد من احتمال العودة إلى الالتزام بهذا الاتفاق التاريخي.
فالآمال الأوروبية في ختام سريع للمفاوضات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، تحطمت على الصخرة الإيرانية، خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة بسرعة الاقتراح الإيراني الأخير باعتباره غير بناء.
رد فعل واشنطن السريع على النص الإيراني، الذي تم تسليمه قبل الثالثة فجراً بقليل يوم الجمعة بتوقيت طهران، يتناقض -بشكل مباشر- مع مزاعم طهران بأن مقترحاتها تقدم مقاربة بنّاءة تهدف إلى إنهاء المفاوضات.
وبعد دقائق فقط من استلام الاتحاد الأوروبي لمقترحات إيران وإحالتها إلى واشنطن، أعطتها إدارة بايدن رفضًا مؤقتًا لكنه مفاجئ، بحسب «الغارديان»، التي نقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قوله: «يمكننا أن نؤكد أننا تلقينا رد إيران من خلال الاتحاد الأوروبي. نحن ندرسها وسنرد عليها من خلال الاتحاد الأوروبي، لكنها للأسف ليست بنّاءة».
تراجع
ونقلت صحيفة بوليتيكو عن مسؤول أمريكي لم تذكر اسمه قوله: «بناءً على ردهم يبدو أننا نتراجع إلى الوراء»، بينما لم يتضح ما الذي تضمنه النص الإيراني الذي كان آخر جولة في تبادل المحادثات مع واشنطن، لتعديل مسودة اتفاقية قدَّمها الاتحاد الأوروبي في 8 أغسطس الماضي.
وبينما قدمت إيران أول رد على المسودة في 15 أغسطس الماضي، تبعه رد من الولايات المتحدة، لتكون الوثيقة الإيرانية الأخيرة، التي كانت بدورها رداً على النص الأمريكي، آخر جولات مفاوضات الاتفاق النووي، التي لم يكشف إلى أين تنتهي.
وفي وقت مبكر من يوم الجمعة في طهران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن أحدث نص قدمته إيران يقدم «نهجًا بناءً لإنهاء المفاوضات».
وتقول «الغارديان»، إن المسؤولين من الجانبين كانوا متفائلين بحذر بإمكانية التقارب على اتفاق نهائي، من شأنه إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي قبلت فيه إيران قيودًا صارمة على أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات، مشيرة إلى أن هذا الاتفاق تآكل بشدة، منذ أن سحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المشاركة الأمريكية عام 2018 وأعاد فرض العقوبات.
رد فعل سلبي
تقول صحيفة بوليتيكو، إن رد الفعل السلبي من إدارة بايدن -وكذلك المصادر الأوروبية- يشير إلى أن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 ليس وشيكًا كما كان يأمل بعض مؤيدي الصفقة، رغم ما يقرب من عام ونصف العام من المحادثات.
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن للصحيفة: «ندرس رد إيران، لكن خلاصة القول أنه ليس مشجعًا على الإطلاق»، ورفض المسؤول الإدلاء بتفاصيل ما اقترحه الإيرانيون، لكنه أضاف: «بناءً على ردهم، يبدو أننا نتراجع».
ووافق دبلوماسي أوروبي على هذا التقييم السلبي، قائلًا إن الرد الإيراني بدا «سلبيًا وغير معقول». وأضاف مطلع على الوضع أن الرد الإيراني «لا يبدو جيدًا على الإطلاق».
وبحسب «بوليتيكو»، ليس من الواضح إلى أي مدى ستكون الأطراف المختلفة المعنية على استعداد لمواصلة التفاوض، فرغم أنه من غير المرجح أن تستبعد إيران أو الولايات المتحدة الدبلوماسية بشكل دائم، لم يرد مسؤول إدارة بايدن على أسئلة عما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من المحادثات في ضوء الرد الإيراني الأخير.
مراجعة الكونجرس
من المرجح أن تخضع صفقة لاستعادة اتفاقية 2015 لمراجعة في الكونجرس، لكن مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، قد يرغب العديد من الديمقراطيين -على وجه الخصوص- في تجنُّب مناقشة إيران في الأسابيع السابقة مباشرة.
من جانبه، قال علي فايز كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية: «مع إهدار هذه الفرصة، من الصعب تخيل إمكانية حدوث صفقة قبل منتصف المدة».
تنازلات إيرانية وتفاؤل فرنسي
الأسبوع الماضي أشاد جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي، بما وصفها بـ«التنازلات الإيرانية»، معربًا عن آمال البيت الأبيض بالتوصل إلى اتفاق.
وبدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متفائلا –الأربعاء- في خطاب وجَّهه إلى دبلوماسيين فرنسيين في باريس، قائلا إنه يأمل التوصل إلى اتفاق جديد في الأيام المقبلة.
لكن علي زاده عضو لجنة الأمن بالبرلمان الإيراني، قلل من هذا التفاؤل، من خلال تحذيره من أن موقف الولايات المتحدة لا يتماشى مع مسودة نص الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه بدد آماله بأن الاتفاق كان على بعد أيام.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إن إيران لا تزال بحاجة إلى ضمانات أقوى بأن رفع العقوبات الأمريكية سيكون له تأثير عملي، ولا يمكن إعادة فرضه بسهولة من الإدارات الأمريكية المستقبلية.
وقال الوزير بموسكو في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف: «بشأن الضمانات، نحتاج إلى نص أقوى»، بينما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه يمكن أن يضمن امتثال الولايات المتحدة للاتفاق تحت رئاسته، لكن ليس من قِبل الإدارات المستقبلية، ما يمنح إيران في الواقع ضمانًا لمدة عامين فقط لتخفيف العقوبات.
إرضاء طهران
وحاولت الولايات المتحدة إرضاء طهران من خلال التعهد بأن أي صفقات تجارية أو استثمارية موقعة قبل مغادرة الإدارة الأمريكية المستقبلية للاتفاقية، ستكون في مأمن قانونيًا من العقوبات الأمريكية لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وتسعى إيران أيضًا للحصول على ضمانات بأنه بحلول الوقت الذي يدخل فيه الاتفاق حيز التنفيذ، فإن الغرب سيتخلى تمامًا عن تحقيقه ثلاث سنوات في الجسيمات النووية غير المبررة التي عُثر عليها في المواقع النووية قبل عام 2003. واقترح الاتحاد الأوروبي أن التحقيق قد يتم إسقاطه إن كان ذا مصداقية.
وتخشى إيران استخدام التحقيق كذريعة للإبقاء على العقوبات أو إعادة فرضها. وحث المبعوث الروسي إلى المحادثات النووية في فيينا ميخائيل أوليانوف، الغرب على التراجع، قائلًا: «لا توجد أنشطة غير قانونية حالية هناك».
كانت إحدى أصعب القضايا كيفية التعامل مع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الإيرانية وفائض مخزون اليورانيوم المخصب من الإيرانيين في انتهاك للاتفاقية الأصلية.
وأراد الغرب تدمير أجهزة الطرد المركزي هذه أو إزالتها من إيران، لكن طهران تريد فقط تفكيك هذه الأجهزة وتخزينها داخل إيران.
وتقول إيران إن تخزين أجهزة الطرد المركزي في مبنى تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون سيف داموقليس، وضمانة بأن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاقية.
ويريد الجمهوريون الأمريكيون أيضًا ضمانات بعدم إرسال فائض اليورانيوم المخصب إلى روسيا، من دون إشراف الأمم المتحدة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن الصفقة تفتح طريقًا لامتلاك سلاح نووي إيراني، حيث سيسمح لها ببدء تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة بحلول عام 2026 ثم تخصيب المزيد من اليورانيوم بمستويات أعلى بحلول عام 2031.
لكن المدافعين عن الصفقة يقولون إن البديل -لااتفاق على الإطلاق- أسوأ، ويمكن تمديد تواريخ انتهاء الصلاحية هذه في المفاوضات.