غاز الدوحة.. هل ينقذ أوروبا حال إقدام روسيا على غزو أوكرانيا؟

تطالب قطر الاتحاد الأوروبي بتقييد إعادة بيع الغاز خارج القارة، لمنع التجار من إعادة البيع بربح، إذا كان يريد منها ومن وموردي الغاز الآخرين توفير إمدادات طارئة.

غاز الدوحة.. هل ينقذ أوروبا حال إقدام روسيا على غزو أوكرانيا؟

السياق

مؤشر جديد على اقتراب روسيا من غزو أوكرانيا، بعد أن طلبت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، من قطر ومنتجي الطاقة الآخرين، تحويل إمدادات الغاز إلى أوروبا، إذا هوجمت كييف.

ورغم أن روسيا، التي تزود أوروبا بنحو ثلث احتياجاتها من الغاز، تنفي وجود خطط لغزو أوكرانيا، فإنها حشدت نحو 120 ألف جندي بالقرب من جارتها، التي تستعد الولايات المتحدة لفرض عقوبات عليها، إذا أقدمت على تلك الخطوة.

وبحسب صحيفة «الغارديان»، فإن قطر تتطلع إلى إمداد أوروبا، من خلال نقل فائض الغاز المخزن شرقي آسيا، مشيرة إلى أن الدوحة تأمل العودة إلى السوق الأوروبية على نطاق أوسع مع ارتفاع مستويات الإنتاج الخاصة بها، لكنها تريد أن ترى نهاية لتحقيق المفوضية الأوروبية لمكافحة الاحتكار.

وتعتقد مصادر بريطانية، تشارك في محادثات منفصلة مع قطر، أن الدوحة يمكن أن تساعد في إنقاذ أوروبا، رغم أن ألمانيا التي تعتمد على الغاز الطبيعي الروسي، ليس لديها محطة لاستيراد الغاز المسال، بحسب «الغارديان».

ويُباع الجزء الأكبر من الغاز القطري في الأسواق الآسيوية بعقود طويلة الأجل، لكن المصادر قالت إن هناك بعض المرونة وإن لم تكن كافية لتحل محل قطع روسي كامل.

 

قرار أمريكي مرتقب

وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطط لتصنيف قطر كحليف رئيس من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في خطوة يبدو أنها لتجهيز البلد الخليجي ليكون موردًا موثوقًا لأوروبا.

إعلان الرئيس بايدن عن الوضع الخاص لقطر، جاء خلال الزيارة التي بدأها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن مساء الاثنين.

هذا الوضع يمنح الدول التي لا تنتمي إلى حلف الناتو، عددًا من المزايا ، بينما الدول الأخرى في القائمة، بينها  إسرائيل والبرازيل ومصر وأستراليا ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية واليابان والأرجنتين وباكستان.

 

صدمة العرض

وبحسب وكالة رويترز، فإن معظم إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا من روسيا عبر خطوط الأنابيب، ومنذ أكتوبر الماضي كانت أقل بكثير من المستويات الموسمية.

وتبلغ مخزونات التخزين الأوروبية نحو 19 مليار متر مكعب (BCM)  أقل من المتوسط ​​الموسمي لخمس سنوات، وفقًا لتحليلات بلاتس، رغم اقتراب مصادر الإمداد الأخرى من التعظيم خلال الأشهر الأخيرة.

ويتوقع «بلاتس أناليتيكس» أنه حتى في حال استمرار التدفقات الروسية، فإن الأسهم الأوروبية ستقترب من أدنى مستوياتها القياسية نهاية الشتاء، ما يترك مجالًا ضئيلًا لامتصاص المزيد من صدمة العرض.

وسجلت واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية رقمًا قياسيًا في يناير عند 11.8 مليار متر مكعب، مقارنة برقم قياسي في نوفمبر 2019 بلغ نحو 9 مليارات متر مكعب، ما يقرب من 45% من واردات الغاز الطبيعي المسال كانت من الولايات المتحدة.

 

كيف تساعد قطر؟

قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال، لديها القليل من الإمدادات الاحتياطية لأن معظم إنتاجها مقيد بعقود طويلة الأجل.

وتبلغ الطاقة التصديرية للغاز الطبيعي المسال في قطر 106 مليارات متر مكعب، ويتوقع Luke Cottell أن يرتفع ذلك إلى 107 مليارات متر مكعب، ما يحد من الصادرات القطرية.

ويمكن أن تنتج المزيد عن طريق تأجيل الصيانة في الربع الثاني، لكن عقودها الآسيوية لا تزال تحد من قدرتها على إمداد أوروبا.

ويمكن تعديل العقود طويلة الأجل، من نقطة إلى أخرى، مثل تلك العقود من قطر إلى الصين أو اليابان، للإفراج عن الإمدادات لأوروبا، لكن أي عملاء آسيويين يوافقون سيحتاجون إلى تعويض.

وتتوقع مصادر الصناعة والمحللون، تحويل قطر 8% إلى 10% فقط من غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا، وحتى ذلك يستغرق وقتًا، حيث يستغرق شحن الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا وقتًا أطول منه إلى آسيا.

 

شروط قطرية

وتطالب قطر الاتحاد الأوروبي بتقييد إعادة بيع الغاز خارج القارة، لمنع التجار من إعادة البيع بربح، إذا كان يريد منها ومن وموردي الغاز الآخرين توفير إمدادات طارئة.

ويرى الاتحاد الأوروبي، أن التجارة الحرة للغاز ضرورية لأمن الطاقة، لكن كبار المنتجين وبعض مستهلكي الغاز يقولون إن الإصلاحات في العقدين الماضيين، أدت إلى التعقيد وارتفاع الأسعار، كما أعاد بعض التجار توجيه الغاز القطري إلى آسيا من أجل الربح.

وقال فيليكس بوث، رئيس الغاز الطبيعي المسال في شركة فورتكسا لاستخبارات الطاقة: «منذ ارتفاع الأسعار في أوروبا، يبدو أن إيطاليا حوَّلت العديد من الشحنات القطرية إلى أسواق مرتفعة الأسعار، مع انخفاض واردات الربع الأخير من قطر بسبع شحنات من 2020».

وقالت مصادر في الصناعة، إن الدوحة لن تكون قادرة على السيطرة على الوجهة النهائية مقابل تسليم فائض من الإمدادات، لأنه بمجرد وصول الغاز إلى أوروبا، فإن أي قيود على وجهته غير قابلة للتنفيذ، ويمكن للمالكين إعادة تحميله على ناقلات جديدة للغاز الطبيعي المسال.

 

تحديات أوروبا

وقالت ريستاد إنيرجي، إن التدفقات الثابتة للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، دفعت إلى زيادة استخدام متوسط ​​قدرة إعادة التحويل إلى غاز 30 يومًا -التي تحول الغاز الطبيعي المسال المبرد إلى غاز طبيعي- إلى 75% من 51% أوائل يناير غربي وجنوبي أوروبا، ما يعني أن أوروبا لديها قدرة محدودة على إعادة تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز وتخزين لامتصاص المزيد من تدفقات الغاز الطبيعي المسال.

وتعتمد ألمانيا على الغاز الروسي في حاجاتها من الطاقة، حيث تسحب أكثر من نِصف وارداتها من الغاز من روسيا مقابل نحو 40% في المتوسط ​​لدول الاتحاد الأوروبي، وفقًا لوكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي، يوروستات.

 

كميات قياسية

وقال نيكوس تسافوس، متخصص الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن أوروبا كان من المقرر أن تستورد على أي حال كميات قياسية من الغاز الطبيعي المسال في يناير المنصرم، لكن النسبة المرسلة إلى أوروبا من قطر ظلت عند مستوى مليون طن شهريًا.

وعام 2010، كانت قطر تصدر على نطاق واسع، كميات متساوية من الغاز إلى أوروبا وآسيا، بينما يعود جزء من هذا التحول إلى عداء قطر لتحقيق المفوضية الأوروبية لمكافحة الاحتكار الذي تم أطلِق عام 2018 للنظر في الطريقة التي كانت قطر تبيع بها العقود طويلة الأجل في السوق الأوروبية.

وطالما أصر بوتين على أنه لن يستخدم الغاز أبدًا كسلاح جيوسياسي، لكن ليس هناك ما يضمن أن تحاول روسيا إغراق ألمانيا في الظلام، حال فرض عقوبات غربية شديدة.

ومع تنامي المخاوف من غزو أوكرانيا، قال مسؤولون أمريكيون، إنهم يتفاوضون مع موردين عالميين، بينما تضع الولايات المتحدة اللمسات الأخيرة على خطط لتحويل الغاز إلى أوروبا، إذا قطعت روسيا الإمدادات.

 

خطوات فورية

وقال تقرير لمركز التقدم الأمريكي، وهو مركز أبحاث قريب من إدارة بايدن: «في معركة بشأن أوكرانيا، ستكون روسيا بلا شك مستعدة لقطع إمدادات الغاز عن أوروبا في الشتاء»، علاوة على ذلك، قد يؤثر القتال في أوكرانيا على تدفق الغاز إلى أوروبا، في حال تلف خطوط الأنابيب أو انقطاع الإمدادات، لذلك على أوروبا اتخاذ خطوات فورية للاستعداد لنقص الغاز هذا الشتاء.

وخطط بناء محطة ألمانية للغاز الطبيعي المسال في برونسبوتل لم تؤت ثمارها، رغم ضغوط الإدارة الأمريكية السابقة، ولا يزال مديرو الطاقة الألمان متفائلين بأن الاعتماد الوثيق بين روسيا وألمانيا سيمنع انهيار إمدادات النفط، أو مواجهة أوسع.

 

خط نورد ستريم2

وأخبر ماركوس كريببر، الرئيس التنفيذي لشركة RWE، أكبر مورد للكهرباء في ألمانيا، الصحافة الألمانية بأن الحصار الروسي لن يترك ألمانيا قادرة على التأقلم إلا بضعة أسابيع.

وإذا قطع بوتين الإمدادات، ستفقد روسيا احتياطات النقد الأجنبي، وسيكون مستقبل خط أنابيب نورد ستريم2 المثير للجدل موضع شك، لأن المدافعين عنه لن يكونوا قادرين على القول إن روسيا أحبطت المشروع من الاعتبارات الجيوسياسية.

وقدَّم كريببر أيضًا خططًا طويلة الأجل، لجعل إمدادات الغاز الألمانية أكثر أمانًا، بحيث يتعين على موردي الغاز تأمين التزامات التسليم إلى حد معين، من خلال عقود الشراء طويلة الأجل أو التخزين.