إمدادات الغاز.. سلاح روسيا لابتزاز الدول الأوروبية

لا خيارات جيدة أمام البيت الأبيض، للحصول على بديل للغاز الروسي في أوروبا في حال وقف موسكو أمدادت الغاز، والكرملين يعي هذه الحقيقة ويستخدمها لمصلحته.

إمدادات الغاز.. سلاح روسيا لابتزاز الدول الأوروبية
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ترجمات – السياق

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن الدول الأوروبية ليست مستعدة في حال وقف روسيا "صنابير الغاز"، إذ تواجه روسيا التي تزود أوروبا بقرابة 40 بالمئة من الغاز، اتهامات باستخدام الغاز للضغط على أوروبا، مع تصاعد التوتر بشأن أوكرانيا.

وعصفت بأوروبا أزمة طاقة، على وقع خفض عملاق الغاز الروسي "غازبروم" إمدادات الغاز إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في أكتوبر الماضي، ما أدى إلى قفزة في أسعار الطاقة، الأمر الذي لا تزال أوروبا تئن تحت وطأته حتى الآن.

وتتهم البلدان الغربية روسيا، بالتخطيط لشن غزو يستهدف أوكرانيا، خاصة بعد حشد الكرملين أكثر من مئة ألف جندي، قرب حدود الدولة الواقعة شرقي أوروبا.

وبالتزامن مع تحذيرات وجهها دبلوماسيون ألمان وأمريكيون، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مغبة تصعيد الأزمة، يتزايد قلق القادة على جانبي الأطلسي إزاء الخطر، الذي يواجه أمن الطاقة الأوروبية.

مصادر بديلة

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تسعى جاهدة لمساعدة الحلفاء الأوروبيين، في العثور على مصادر بديلة لإمدادات الغاز، مع اشتعال التوترات بين الغرب وروسيا، بسبب حشد موسكو لقواتها على حدود أوكرانيا.

وأوضحت أن اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي بالشيخ تميم، أمير قطر -أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم- في البيت الأبيض 31 يناير المنصرم، يأتي ضمن الجهود الأمريكية للعثور على بدائل للغاز الروسي إلى أوروبا.

وأشارت إلى أن الأزمة على حدود أوكرانيا، كانت تذكيرًا بمدى اعتماد أوروبا على صادرات الطاقة الروسية، وهي نقطة ضغط جيوسياسية، استخدمها الكرملين وسيلة ضغط على الدول الأوروبية، إذ تعتمد بعض الدول، وأبرزها ألمانيا، بشكل خاص على الغاز الروسي، ما زاد تشوش الاستجابة الغربية للأزمة.

وأضافت أنه "حتى مع إدراج خط أنابيب الغاز نورد ستريم2 في حزمة العقوبات الغربية، ما زالت برلين تسعى للحصول على إعفاءات للطاقة، من أي عقوبات غربية على روسيا".

وأمام ذلك، تتوخى ألمانيا -على وجه التحديد- الحذر في هذا السياق، وعارضت عقوبات مقترحة، تقضي بمنع روسيا من استخدام نظام "سويفت" المصرفي، كما رفضت إرسال أي شحنات أسلحة أو معدات قتالية لأوكرانيا، في وقت أغلقت فيه العديد من محطاتها النووية، ما زاد اعتمادها على واردات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء.

خيارات غير جيدة

ونقلت "فورين بوليسي" عن عدد من الخبراء والمحللين، تأكيدهم أنه لا خيارات جيدة أمام البيت الأبيض، للحصول على بديل للغاز الروسي في أوروبا، مشيرين إلى أن الكرملين يعي هذه الحقيقة ويستخدمها لمصلحته.

وقال الخبراء: "قلة من مصدري الغاز الكبار لديهم طاقة فائضة، يمكنهم إرسالها إلى أوروبا، التي تفتقر إلى بنية تحتية متطورة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG)خاصةً عندما تشتد الحاجة إليه وسط أوروبا وشرقها".

ونقلت "فورين بوليسي" عن روبرت مكنالي، مؤسس ورئيس مجموعة رابيدان للطاقة، قوله: "الحقيقة الصعبة أنه ليس هناك الكثير من الغاز في السوق العالمي، إذ يمكن للولايات المتحدة أن تجد بعض الشحنات القليلة هنا أو هناك، لكن ليس من الممكن العثور على أو إنتاج الكثير من الغاز، الذي من شأنه تعويض فقدان الإمدادات الروسية إلى أوروبا".

من جانبه قال آدم طومسون، مدير شبكة القيادة الأوروبية والسفير البريطاني السابق لدى "الناتو" لـ "فورين بوليسي": "إذا تعقدت الأمور أكثر من ذلك، واتخذت روسيا قرارها بغزو أوكرانيا، وقابلت ذلك عقوبات أوروبية عليها، فإن أوروبا معرَّضة للدخول في شتاء شديد البرودة ومكلف للغاية".

ونقلت "فورين بوليسي" عن العديد من المسؤولين الأوروبيين قولهم، إنهم يتشككون في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عمد إلى تأجيج الأزمة الحالية منتصف الشتاء، وفقاً لحسابات بأن استفادته منها، يمكن أن تصل إلى حدودها القصوى، إذا تمكن من التهديد بوقف مبيعات الوقود الروسي إلى أوروبا.

ليس الغاز وحده

وكشفت "فورين بوليسي" أن الغزو الروسي لأوكرانيا، وما قد يتبعه من أعمال انتقامية وردود مضادة من الغرب، قد يؤدي إلى صدمة في أسواق السلع الأخرى وليس الغاز فقط، إذ تستحوذ روسيا على حصة كبيرة من الإمدادات العالمية، بما في ذلك النفط والفحم والقمح والبلاديوم.

وعن ذلك، نقلت المجلة الأمريكية عن هيليما كروفت، العضو المنتدب والرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأساسية في RBC Capital Markets، قولها: "نحن نتحدث عن الغاز فقط، إذ يتصور البعض أن روسيا مجرد محطة وقود، لكنها أكثر من ذلك بكثير... إنهم مثل متجر كبير لعدد من السلع المهمة، لأوروبا وبعض الدول الأخرى".

وعن صعوبة الاعتماد على منتجي الغاز من الدول الأخرى، أوضحت "فورين بوليسي" أنه بالنسبة لأوروبا، التي تعاني ضغوط نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار منتصف الشتاء، بينما تحاول التحول من الفحم إلى مصادر الطاقة الأكثر اخضرارًا، لا يزال الغاز نقطة الضعف الأكثر إلحاحًا.

وقالت: رغم أن قطر -التي لجأت إليها الولايات المتحدة كمحاولة لتعويض الغاز الروسي- تنتج بالفعل الغاز الطبيعي المسال بكثافة، فإنها أمام ذلك مرتبطة بعقود طويلة الأجل لشحنها إلى الأسواق الآسيوية، وبذلك قد لا تكون قادرة على ملء الفراغ الذي من الممكن أن يتركه الغاز الروسي، إن أوقفته موسكو.

في المقابل، فإن بعض الموردين الآخرين للغاز الطبيعي في العالم -مثل إيران والصين- ليسوا على علاقة ودية بواشنطن وحلفائها في "الناتو" ولديهم خيارات تصدير قليلة إلى أوروبا.

السيناريو الأسوأ

أمام كل هذه الصعوبات، رأت "فورين بوليسي" أن السيناريو الأسوأ -في حال وقف روسيا صادرات الطاقة إلى أوروبا- قد يكون كارثيًا.

ونقلت عن نيكوس تسافوس، رئيس جيمس آر شليزنجر في الطاقة والجغرافيا السياسية، في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: "لا وسيلة لأوروبا لتعويض وقف صادرات الغاز الروسي، إذ لا يمكن لأي نظام في العالم أن يتعامل مع تدمير بهذا الحجم".

ويرى معظم الخبراء أن مثل هذا الاحتمال غير مرجح، مشيرين إلى أن اعتماد أوروبا في مجال الطاقة على روسيا سيف ذو حدين، لأن موسكو تعتمد على عائدات صادراتها من السلع، مثلما تعتمد أوروبا على تلك السلع، وبذلك فإن "إغلاق صنبور الغاز" يمكن أن يشكل ضغطًا لا يمكن تحمُّله على الموردين الروس.

وأمام هذه التحديات، نقلت المجلة عن مسؤول كبير في إدارة بايدن، قوله: "روسيا تحتاج إلى عائدات النفط والغاز، على الأقل بقدر ما تحتاج أوروبا إلى إمداداتها من الطاقة... هذه ليست ميزة غير متكافئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه اعتماد متبادل".

وذكرت "فورين بوليسي" أن المحللين والخبراء مازالوا يراقبون المناورات الدبلوماسية، مثل اجتماع بايدن مع أمير قطر، لمعرفة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة -على الأقل- تجميع بعض إمدادات الغاز الإضافية، للمساعدة في التخفيف، إن لم يكن في مقدرتها محو ألم قطع الغاز الروسي عن أوروبا.