فايننشال تايمز: الأزمة الأوكرانية تعمِّق العلاقات بين روسيا والصين
ألكسندر كوروليف، الخبير في العلاقات الأمنية الروسية الصينية بجامعة نيو ساوث ويلز: التدريبات المشتركة المتكررة والموضوعية، والتعاون في تطوير الأسلحة، والمشاورات المنتظمة في القضايا العسكرية والأمنية، والتبادلات طويلة الأمد للعسكريين، تجعل الجيشين -الروسي والصيني- قادرين على العمل بشكل مشترك، في أي حروب مستقبلية

ترجمات – السياق
قالت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن الأزمة الأوكرانية تعمل على تعميق العلاقات بين موسكو وبكين، لافتة إلى أن التحذيرات الأمريكية والأوروبية، من أن روسيا على وشك غزو أوكرانيا قد تثير الخوف في الغرب، لكن شبح الحرب في بكين أثار ردود فعل متباينة.
ولتأكيد هذا التقارب، استشهدت الصحيفة في تحليلها، بتصريحات مدون قومي صيني بارز يدعى هواشان تشيونغجيان، قائلًا إن "أزمة أوكرانيا ستكون فرصة تاريخية لنا لحل مشكلة تايوان"، مشيراً إلى أن الحرب في أوكرانيا ستكون نافذة تاريخية لتوحيد الوطن الأم، يجب ألا نفوتها.
وقال تشيونغجيان: "يرفض الدبلوماسيون والمراقبون القدامى للسياسة الصينية هذه الفكرة، لكن كلاً من الولايات المتحدة وبعض جيران الصين يخشون أن تجعل الحرب في أوكرانيا بكين الحازمة بالفعل أقوى".
ووفقا لـ "فاينانشيال تايمز"، فإن المحللين يعتقدون أنه إذا تابعت الولايات المتحدة وأوروبا التهديدات، بفرض عقوبات على روسيا إذا غزت أوكرانيا مرة أخرى (المرة الأولى عام 2014 بضم جزيرة القرم)، فإن موسكو ستصبح أكثر اعتمادًا على بكين.
الحضن الصيني
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن ألكسندر جابوف، الخبير الصيني في مركز أبحاث كارنيجي موسكو، قوله: عندما دعمت روسيا حركة انفصالية في البلاد وضمت شبه جزيرة القرم، مزق هذا النزاع علاقات روسيا بالغرب، ودفع موسكو إلى أحضان الصين بين عامي 2013 و2021، مشيرًا إلى أن حصة الصين من التجارة الخارجية لروسيا تضاعفت من 10 إلى 20 في المئة.
وأضاف أن العلاقات بين روسيا والصين "مدفوعة بعوامل أساسية خارجة عن السيطرة الغربية"، مشيرًا إلى أن البلدين يشتركان أيضًا في حدود 4300 كيلومتر (2672 ميلًا)، وأوضح أنه بسبب الاشتباكات الحدودية عام 1969، فإن البلدين "يعرفان جيدًا مدى خطورة وتكلفة أن يكونا عدوين، وكيف يستغلان الأزمة الأوكرانية، للتقارب أكثر من أي وقت مضى".
ويرى جابوف أن صانعي الرقائق الصينيين، الذين فقدوا بعض أعمالهم بعد أن عززت الولايات المتحدة ضوابط التصدير على تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات المتطورة، لا يزال بإمكانهم تزويد روسيا برقائق ذات طاقة إنتاجية سائدة ومتقدمة، مضيفًا أنه إذا اضطرت الشركات الأوروبية، مثل مجموعتي الاتصالات إريكسون ونوكيا، إلى التوقف عن العمل مع روسيا لأسباب سياسية ، فإن المنافس الصيني هواوي سيكون المستفيد الأكبر.
الصراع الأوكراني
وعن الدور المحتمل للصين في الصراع الأوكراني، أكدت "فاينانشيال تايمز" أن هذا الدور يتعلق بشراكة بكين السياسية والعسكرية مع موسكو.
وأشارت إلى أن القوات البحرية الصينية والروسية والإيرانية، أجرت مناورات مشتركة في المحيط الهندي هذا الشهر، في مثال على زيادة التعاون العسكري بين بكين وموسكو.
وذكرت أنه رغم إصرار البلدين على أنهما ليسا في تحالف، فقد وصل التعاون العسكري في بعض المناطق إلى مستوى ينافسه الحلفاء التقليديون.
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن تشاو مينغوين، وهو دبلوماسي صيني سابق وخبير في الشأن الروسي، يعمل الآن في معهد الصين للدراسات الدولية، قوله: "إن روسيا والصين ستدعمان بعضهما في النزاعات التي ترى الدولتان أن وراءها قوى خارجية".
وأضاف: "إذا أجبرت الصين على توحيد تايوان بالقوة وتدخلت واشنطن، أعتقد أن موسكو لن تقف مكتوفة اليدين، وإذا طلبت روسيا الدعم الصيني في حرب أوكرانيا، فقد تكون بكين في وضع يمكنها من المساعدة".
ووصف مينغوين، العلاقات الروسية الصينية، بأنهما أكثر من كونهما (حليفين)، في إشارة إلى الترابط القوي بين البلدين، مشيرًا إلى أن بكين دعمت روسيا في الأزمة الأوكرانية، ببيان شديد اللهجة، إذ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين: "مخاوف روسيا الأمنية المعقولة يجب أن تؤخذ على محمل الجد ولابد من حلها". وأضاف وانغ، أن الأمن في أوروبا لا يمكن ضمانه من خلال "تعزيز أو حتى توسيع الكتل العسكرية"، في إشارة إلى مطالبة موسكو بضمان عدم قبول "الناتو" لمزيد من الأعضاء في أوروبا الشرقية.
تعاون عسكري
وعن مدى الوصول إلى تعاون عسكري، نقلت "فاينانشيال تايمز" عن ألكسندر كوروليف، الخبير في العلاقات الأمنية الروسية الصينية بجامعة نيو ساوث ويلز، قوله: التدريبات المشتركة المتكررة والموضوعية، والتعاون في تطوير الأسلحة، والمشاورات المنتظمة في القضايا العسكرية والأمنية، والتبادلات طويلة الأمد للعسكريين، تجعل الجيشين -الروسي والصيني- قادرين على العمل بشكل مشترك، في أي حروب مستقبلية.
وأضاف: "لقد أدخلوا نظام قيادة مشتركًا، وهناك رموز وإشارات يمكن للقوات الصينية والروسية قراءتها، وغالبًا تتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين".
وأوضح أن المحللين والمراقبين، يعتقدون أن الجيشين (الروسي والصيني) من المحتمل أن يساعدا بعضهما في تتبع صواريخ العدو وتوجيه أنظمة القيادة والاتصالات والاستهداف الخاصة بهما.
وقال مارك هيلبورن، خبير الدفاع في كينجز كوليدج لندن لـ "فاينانشيال تايمز": "الصين قادرة على امتلاك محطات رادار أرضية في روسيا، والعكس صحيح، وهو ما يوسع الوجود الصيني بشكل كبير في المنطقة".
علاوة على ذلك -يضيف هيلبورن- يسعى البلدان إلى ربط نظامي بايدو وغلوناس، وهما نظاما الأقمار الصناعية للملاحة العالمية، ما يمنح موسكو وبكين المزيد من الأقمار الصناعية، مقارنة بالولايات المتحدة باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
ويضيف: "إذا كانت الأنظمة الروسية تعمل فوق طاقتها أو تعرَّضت أقمارهم الصناعية للخطر في نزاع ما، يمكنهم الحصول على المساعدة من الصين".
وتعليقًا على ذلك، قال كوروليف: "لن تتخذ الصين ولا روسيا خطوات جريئة بشكل شنيع، في المجالات التي يكون للجانب الآخر فيها مصالح ذات أولوية، ولا يدعمان المطالب الإقليمية الأكثر إثارة للجدل للطرف الآخر"، مشيرًا إلى أن هذا ما حدث في أزمة أوكرانيا السابقة وأثناء حرب جورجيا عام 2008، "لم تقل الصين الكثير لكنها واصلت العمل كالمعتاد".
وأضاف أن موسكو وبكين تدعمان بعضهما بقوة، عندما يشتركان في مواجهة الولايات المتحدة.
ورأت "فاينانشيال تايمز" أنه "إذا نظرت الصين إلى الأزمة الأوكرانية على أنها جزء من هذا الصراع العالمي، يمكنها استغلالها لتقويض القوة الأمريكية، رغم أن المراقبين قالوا إن بكين لن تهاجم تايوان".