فورين أفيرز: هل يضر تنافس القوى العظمى بالديمقراطية الأمريكية؟ 

التنافس مع الصين وروسيا يعزز التراجع الأمريكي ويسيء إلى الديمقراطية

فورين أفيرز: هل يضر تنافس القوى العظمى بالديمقراطية الأمريكية؟ 

ترجمات - السياق 

رأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن تنافس القوى العظمى يضر بالديمقراطية، مشيرة إلى أن التنافس مع الصين وروسيا يعزز الأسباب الحقيقية لما سمته "الانحدار الأمريكي".

وقالت المجلة -في تقرير- إن الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة يعدون احتمال خوض منافسة طويلة الأمد مع الصين تحديًا قادرًا على إثبات أفضل الإمكانات الأمريكية، مشيرة إلى أنه طوال سنوات، رأت واشنطن، بكين، الخصم القوي الوحيد للجيش الأمريكي، ومصدر التهديد القادر على تقوية الإرادة الوطنية، ومعالجة شوائب الديمقراطية الأمريكية.

وأشارت إلى أن الغزو الروسي الكارثي لأوكرانيا أدى إلى ترسيخ هذه الفكرة التقليدية، مشيرة إلى أن أحداث أوكرانيا ذكّرت العالم بأهم فضائل الديمقراطية، واحتمال التوافق بين الحزبين الأمريكيين الرئيسين لإدارة الشؤون العالمية، كما حصل بعد الحرب الباردة، مستشهدة بما كتبه المحلل فرانسيس فوكوياما في مارس الماضي: "كانت روحية عام 1989 قد خمدت، لكن أُعيد إحياؤها اليوم".

السياسة الغربية الخارجية

لكن -تضيف فورين أفيرز- إعادة تشكيل السياسة الخارجية الغربية، لخوض صراع بين القوى العظمى، لن تُسهل ترميم الديمقراطية في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر، مشيرة إلى أنه لا يوجد أي شيء يثبت أن هذه المنافسة بين القوى العظمى، تستطيع تقوية الروابط المدنية أو الحقوق المتساوية أو الأمن الاقتصادي، بل إنها قد تقلب الديمقراطية على نفسها.

وبينت الصحيفة، أنه إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن نظام حكم مبني على مجتمع مدني سلمي، يجب أن تتجنب أي منافسة بين القوى العظمى، إذ لا يمكن معالجة التهديدات المطروحة على الديمقراطية عبر إطار عمل تنافسي، وعلى رأسها التغير المناخي، والقومية البيضاء وكره الأجانب، والأوبئة، واللامساواة الاقتصادية.

وأمام ذلك، أشارت إلى أنه بدلاً من المراهنة على إعادة إحياء الغرب، عبر التصادم مع الصين وروسيا، يجب أن يدعم الأمريكيون وشركاؤهم مؤسسات الحوكمة الإقليمية والعالمية، لتخفيف الأضرار التي تتكبدها الديمقراطية، بسبب المنافسة بين القوى العظمى.

وشددت المجلة على أنه لإبراز التطلعات الديمقراطية في الداخل والخارج، تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية تعمل لصالح الأمريكيين، لا لسياسة خارجية للشركات ولا حتى الطبقة الوسطى.

وأشارت إلى أن وجهة نظر واشنطن القائلة إن صراع القوى العظمى خير داعم للولايات المتحدة -وهي وجهة النظر المستمدة من الحرب الباردة- أتت بنتائج عسكية، إذ أدى التنافس مع الاتحاد السوفييتي إلى إصدار موسكو تشريعات الحقوق المدنية، كما أدى سباق الفضاء إلى ابتكارات في التكنولوجيا والحوسبة الروسية.

وأضافت: "صحيح أن الحرب الباردة وفرت نموًا اقتصاديًا وازدهارًا هائلين، لكنها ألحقت أضرارًا بحرية التعبير، والمساواة العرقية والاقتصادية، والتعددية الديمقراطية"، إذ أدى التنافس مع الاتحاد السوفييتي إلى إثارة الذعر في خمسينيات القرن الماضي، حيث فقد المتهمون فقط بعدم الولاء الكافي للحكومة الأمريكية وظائفهم، ووُضعوا على القائمة السوداء في واشنطن وهوليوود.

كما أدى التنافس بين القوى العظمى والسوفييت إلى تفاقم عدم المساواة الطبقية، التي مهدت الطريق لصعود سياسات التقشف في الثمانينيات.

السلاح

وبينت "فورين أفيرز" أن الحرب الباردة شكلت أيضًا سابقة في ما يتعلق بالإنفاق الفيدرالي، الذي جاء من خلاله السلاح أكثر ضرورة من الغذاء والتعليم، ففي حين بلغ متوسط إنفاق البنتاغون 7.6 من الناتج المحلي الإجمالي، لم يتجاوز الإنفاق على التعليم 3% بين عامي 1946 و1960.

وأشارت إلى أن الفشل في رؤية الحرب الباردة بما كانت عليه، أدى إلى ترك الولايات المتحدة غير مستعدة لإدارة المخاطر التي تشكلها منافسة القوى العظمى على المجتمع الديمقراطي، لافتة إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أن هذا التنافس سيفيد الطبقة الوسطى الأمريكية والعالم، لكنه بالفعل يسمم السياسة الأمريكية، ويساعد الرئيس الصيني شي جين بينغ، ويراكم مخاطر استراتيجية يمكن تجنُّبها على طول الطريق.

ورأت أن بايدن كان محقًا حين استنكر مظاهر العنصرية وكره الأجانب ضد المهاجرين الروس والصينيين، إلا أن السياسة المعادية للعنصرية وكره الأجانب لا تقتصر على إدانة الكلام العنصري أو التفكير المتعصب، بل يجب أن تزيد صعوبة تناقل المشاعر المتطرفة، لكن إدارة بايدن فشلت في تحقيق هذا الهدف حتى الآن.

ورأت أن المبادرات الرامية إلى التفوق على الصين يبدو أنها تؤجج المشاعر العِرقية القومية عن غير قصد، محليًا وخارجيًا، مشيرة إلى أنه لهذا السبب، يجب أن يفهم صانعو السياسة الأميركية، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يستمد قوته من هذه المنافسة، وينطبق هذا الوضع أيضًا على المتطرفين الأمريكيين من اليمين المتطرف، وداعمي نظريات المؤامرة، والسياسيين الديماغوجيين في واشنطن.

وأفادت بأن هذه المنافسة المتأججة، سمحت للمحافظين أيضًا بتجنُّب المحاسبة السياسية، وحمَّلت الصين كل الشرور التي تقع، منوهة إلى أن اللجنة الوطنية الجمهورية في مجلس الشيوخ، طلبت من المحافظين المرشحين للمناصب العامة عام 2020 أن يبلغوا الناخبين بأن "فيروس كورونا عبارة عن هجوم صيني حاولت بكين التستر عليه، لكنه قضى على حياة الآلاف" وأن الديمقراطيين "متساهلون مع الصين"، ثم دعوا إلى "معاقبة الصين على دورها في نشر الجائحة".

كان هذا المعسكر -حسب الصحيفة- يهدف، بكل وضوح، إلى تجنُّب استفتاء عن السياسات المحافظة في عهد دونالد ترامب، وسوء تعامله مع أزمة كورونا في الولايات المتحدة.

التحريض على الكراهية

ولفتت "فورين أفيرز" إلى أن حملات نشر الكراهية لم تقتصر على معسكر اليمين السياسي، مشيرة إلى أنه بدلًا من إدانة الانتقادات العنصرية وسياسات الإلهاء من جانب الجمهوريين، يلجأ عدد كبير من الديمقراطيين إلى المقاربة نفسها أحياناً.

فمن جانبه، أوضح تيم راين، الديمقراطي المرشح لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، أنه مستعد للوم "الفزاعة" الصينية على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الطبقة العاملة، فقال في أحد الإعلانات: "الصين تفوز والعمال يخسرون، أصبحت المواجهة اليوم بيننا وبين الصين".

إذن -حسب الصحيفة- بما أن الديمقراطيين شاركوا فعليًا في تشكيل الاقتصاد الذي أوصل ملايين الأمريكيين إلى وضع مالي هش، فذلك يعني أن هذا الفريق أيضًا يفضل لوم الصين على الوضع القائم بدلًا من الاعتراف بأخطائه.

وفي غضون ذلك، يظن الديمقراطيون أنهم يستطيعون كسب الدعم الذي يحتاجون إليه في مجال الاستثمارات بالبنية التحتية، عبر وضع هذه المشاريع في خانة المبادرات التي تقوي الولايات المتحدة في منافستها المطولة مع الصين، بينما أثبت الجمهوريون والديمقراطيون المحافظون أن التنافس مع الصين قد يعني غياب الاستثمار في مستقبل الولايات المتحدة على المدى الطويل.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه بصرف النظر عن منافع الإنفاق العسكري، من الواضح أنه يأتي على حساب تمويل المشاريع التي تفيد الشعب الأمريكي بشكل مباشر، كما حصل خلال الحرب الباردة، وهو ما يعني ذلك أن المعسكر الديمقراطي، الذي يستعمل المنافسة الخارجية كعامل أساسي لتجديد نفسه محليًا، يقوم برهان سيئ لا يراعي وقائع السياسة الأمريكية.

 

الداخل الصيني

أما عن الداخل الصيني، فبينت "فورين أفيرز" أن العوامل الجيوسياسية المرافقة لهذه المنافسة بدأت تعطي عواقب مشابهة، حيث يتوقف اقتصاد الصين السياسي، وكذلك نظام شي جين بينغ، على الأوليغارشيين، الذين يستغلون هشاشة حقوق العمال وعدم اسـتقرار ظروف العمل، ثم ينقلون أرباحهم إلى الخارج لاستثمارات محفوفة بالمخاطر تحت إشراف الدولة.

وأشارت الصحيفة، إلى أن الصين تلجأ إلى هذه المقاربة لتمويل "مبادرة الحزام والطريق" التي تعدها واشنطن مؤشرًا الى طموحات بكين بفرض هيمنتها. بعبارة أخرى، يرتكز النفوذ الصيني الاقتصادي على اللامساواة والقمع محليًا.

ورأت أنه  لا مفر من أن تنتج المنافسة هذا النوع من الديناميات، مشددة على أنه لا يمكن أن يتابع النمو الاقتصادي، الذي يمنح أكبر شرعية للسياسة الاستبدادية، السير على خط تصاعدي مستقيم، مشيرة إلى أنه حين تبدأ معدلات النمو التراجع -كما يحصل اليوم بدرجة معينة- يحتاج النظام الحاكم إلى مصدر بديل للشرعية.

وبينت الصحيفة أن الرئيس شي جين بينغ يرى أن النزعة القومية العرقية، الحل البديل في هذه الظروف، فهي تضمن تماسك النظام السياسي، في إطار اقتصادي قابل للاستغلال.

وأوضحت أن إدارة بايدن أرادت أن تقنع الجميع بأن "الولايات المتحدة عادت إلى الساحة كزعيمة للعالم الحر"، فأقامت مقارنات مشحونة بالنفاق بين الدكتاتورية والديمقراطية، واستعملتها كركيزة أيديولوجية للمنافسة بين القوى العظمى، إلا أن -حسب الصحيفة- إشراك الحكومات الخارجية في سياسة خارجية معادية للصين وروسيا، يبقى نهجًا انهزاميًا ومتناقضًا من الناحية المنطقية، إذا كانت العقلية نفسها تبرر دعم الولايات المتحدة للقادة الديماغوجيين والمستبدين، من تركيا إلى الفلبين وبلدان أخرى.

وأضافت: "يطمح الأمريكيون إلى سياسة خارجية تتماشى مع التوقعات الديمقراطية وتوجهات الرأي العام، إذ يُفترض أن تبذل أي قوة عظمى قصارى جهدها، لمعالجة المسائل العالقة التي زادها وباء كورونا سوءًا، لاسيما اللامساواة العرقية والاقتصادية، وأزمة الصحة العامة، والتدهور البيئي الجامح، بينما لن تُحقق المنافسة الجيوسياسية أيًا من هذه الأهداف".