من يملك قرار إنهاء الحرب في أوكرانيا... الغرب أم بوتين؟
الوحيد الذي يمكنه أن يوقف هذا الحرب، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حشد 190 ألف جندي من جيشه، لغزو جارته أوكرانيا في فبراير الماضي

ترجمات - السياق
بعد مرور مئة يوم على الحرب الروسية الأوكرانية، تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عمن يملك قرار إنهاء الحرب، هل الغرب أم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى أن قائمة من يملكون القدرة على وضع حد لهذه الحرب قصيرة للغاية.
وللإجابة عن السؤال، رأت الصحيفة -في تحليل لديفيد فون درييل- أن الوحيد الذي يمكنه أن يوقف هذا الرعب، على حد تعبيره، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حشد 190 ألف جندي من جيشه، لغزو جارته أوكرانيا في فبراير الماضي.
وقالت إن "دولًا عدة ناشدت بوتين ألا يشن هجومًا غير مبرر هو الأكبر من نوعه في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، لكنه تجاهل النصيحة وغزا أوكرانيا".
إيقاف الرعب
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه من الغريب أن قادة ومفكرين غربيين من مختلف الأطياف السياسية -بدءًا بوزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر- يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها يملكون القدرة على إنهاء هذه الحرب التي وصفتها بـ"المذبحة".
وذكرت الصحيفة أن هذه الأصوات -بمن فيها كيسنغر وبول- اشتكوا من أن المقاومة الأوكرانية، بدعم من دول الحلفاء في الغرب، تقف على نحو ما في وجه وقف إطلاق النار.
ورأت أن هذه الرؤية غير منطقية، لافتة إلى أنه منذ الأسبوع الأول لاندلاع الحرب، عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -مرارًا وتكرارًا- على الجانب الروسي شروطًا سخية لوقف إطلاق النار تضمن عودة السلم والاستقرار، وحتى بعد إلحاق الأوكرانيين، هزائم بالجيش الروسي أكثر من 3 أسابيع، كانت مطالب زيلينسكي تنحصر في أن تعود روسيا إلى موقفها قبل الغزو وتلتزم باحترام السيادة الأوكرانية، على أن تتخلى كييف -في المقابل- عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن هذه الأصوات -التي تطالب بوقف إطلاق النار من قِبل المقاومة الأوكرانية- إنما تبحث عن مخرج لبوتين، الذي تشن قواته حربًا طائشة وعشوائية على أهداف مدنية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وارتكبت فظائع بينها الاغتصاب والنهب والخطف والقتل.
وأشارت إلى أنه رغم ذلك، فإن الشروط التي قدمها زيلينسكي لإنهاء الحرب، تسمح لبوتين بالعودة إلى الوضع الذي كان قبل الغزو، من دون أن يخسر شيئًا سوى هيبة أمته، حسب وصف الصحيفة.
انتصار الفاشيين
ورأت "واشنطن بوست" أن السماح لبوتين بالخروج من الحرب بهذا القدر، يُعد الحد الأقصى الذي يمكن للعالم أن يسمح به، مشيرة إلى أن إعطاء (شبر إضافي) سيكون خيانة للمبدأ الأساسي الذي يقضي بعدم السماح للقادة الفاشيين بسرقة الأرض، باستخدام القوة العسكرية وفرض حصار على صادرات الغذاء، باستخدام السفن الحربية في القرن الـ21.
وشددت على أنه ليست هناك شكوك في أن كيسنغر وغيره ممن طالبوا الغرب بوقف الحرب، فعلوا ذلك مدفوعين برغبة جديرة بالثناء لإنهاء هذا العنف الرهيب، الذي قد يشهد مزيدًا من التصعيد في أسرع وقت ممكن، لكنهم بالغوا في تقدير قدرة الغرب على فرض شروط على الأوكرانيين.
ورأت أن من أهم الأسباب التي تجعل الضغط على الأوكرانيين ليس بالأمر السهل، ما فوجئ به العالم كله من وطنية شرسة لزيلينسكي وشعبه عندما بدأ الغزو، مضيفة: "هذه الوطنية لن تتبخر فقط لأن واشنطن أو برلين أو بروكسل هي التي أمرت بها".
ولتأكيد عدم قدرة الغرب على اتخاذ قرار وقف الحرب وحده، استشهدت الصحيفة بصمود المقاومة الأوكرانية، مشددة على أن المقاتلين في مدينة ميليتوبول -التي تقع تحت الاحتلال الروسي- بدأوا المقاومة بالفعل، ومن المرجح أنهم مسؤولون عن هجوم بسيارة مفخخة، استهدف مسؤولًا كبيرًا بالقوات الروسية في المدينة.
ونقلت الصحيفة عن إيفان فيودوروف، عمدة المدينة المخلوع، وعده بمزيد من العمليات المماثلة، متوعدًا بأن الأرض ستحترق في ميليتوبول، حتى ينسحب الجيش الروسي.
وأضافت، موجهة حديثها للغرب: هل تتذكرون الجدات الأوكرانيات اللاتي كن يصنعن زجاجات المولوتوف الحارقة خلال الأيام الأولى للحرب؟.. وأجابت: "هؤلاء الناس هم الذين سيقررون بأنفسهم متى يتوقفون عن القتال وليس غيرهم".
بوتين والسلام
ورأت "واشنطن بوست" أن بوتين لا يريد السلام ولا يرغب في إنهاء الحرب، مشيرة إلى أنه بذل جهودًا مضنية لتجنُّب السلام، وقد دفع -وما زال يدفع- ثمنًا باهظًا لمقاومة هذا السلام.
وبينت أنه حتى مع تلاشي قوته العسكرية وتراجع اقتصاده، فإن بوتين يرفض محادثات وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن عدد من الدبلوماسيين توسلوا إليه من أجل التفاوض، إلا أنه لم يتعامل مع الموضوع بجدية.
وذكرت أنه بدلاً من السماع للأصوات المطالبة بالسلام، انتقل بوتين من الخطة A الفاشلة (حرب خاطفة تهدف إلى إطاحة الحكومة في كييف وقهر الأمة)، إلى الخطة B الفاشلة أيضًا (وهي حركة كماشة فاشلة لتقطيع القوات الأوكرانية إلى نصفين وتأمين الجنوب والشرق لروسيا)، إلى فشل الخطة ج (القائمة على توحيد القوات شبه المتمردة بلا قيادة والتي يُقال إنها تحاول إضافة متواضعة إلى ممتلكات روسيا قبل الغزو).
وأشارت الصحيفة، إلى أن هذه الجهود الفاشلة كلفت بوتين ثمنًا باهظًا، إذ إنه بدلاً من التفاوض على وقف إطلاق النار ، فضّل رؤية مئات الدبابات الروسية مدمرة ، وإذلال سلاح الجو الروسي، وغرق بارجة أسطول البحرية الروسية في البحر الأسود، وقتل وجرح عشرات الآلاف من الجنود الروس، وتدمير معنويات قواته، بخلاف التدمير الاقتصادي الذي يضغط -بشكل لافت- على أنماط الحياة الروسية اليومية.
ولتأكيد وجهة نظرها، نقلت "واشنطن بوست" عن الأكاديمي تيموثي سنايدر أستاذ علم التاريخ بجامعة ييل، التي تعد من كبرى الجامعات الأمريكية، قوله في معرض رده على أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن إقناع بوتين بالسلام: "يبدو أن بعض المراقبين للحرب الروسية الأوكرانية، يعتقدون أن أكبر خطر لها أن أوكرانيا ستنتصر أو تفوز بسرعة كبيرة جدًا، وأن ذلك لن يكون مريحًا لبوتين"، مضيفًا: "هذه طريقة شديدة الانحراف لرؤية الأشياء، فالدمار وجرائم الإبادة الجماعية هذه هي التي يجب أن نقلق بشأنها، وليست صورة بوتين الذاتية".
وأمام هذا التصور، أكدت الصحيفة، أن بوتين سينهي الحرب فقط عندما يقرر أنه لا يملك خيارًا آخر غير ذلك، وعليه فإن على الأوكرانيين الاستمرار في القتال.