هل تتحول التدريبات العسكرية الصينية إلى حصار دائم على تايوان؟

الصين لديها القدرة على تطويق تايوان بشكل فعال إذا اختارت، لذلك فإن القدرة نفسها ليست مفاجأة.

هل تتحول التدريبات العسكرية الصينية إلى حصار دائم على تايوان؟

ترجمات – السياق

انتهت زيارة نانسي بيلوسي إلى تايبيه، لتبدأ المناطق المحيطة بتايوان باستقبال وابل من الصواريخ الباليستية الصينية في أكثر من اتجاه حدودي ولا أحد يعلم إلى أي يمدى سيقف وينكسر رد الفعل الصيني وبدأت بكين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في ستة مواقع تحيط بالجزيرة، ما يمكن أن يؤدي إلى أكبر أزمة في مضيق تايوان منذ عام 1996، عندما أمر الرئيس بيل كلينتون حاملات الطائرات الأمريكية بالذهاب إلى المنطقة.

تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «الغموض الاستراتيجي» المتعمد في سياسة واشنطن تجاه الصين على مدى سنوات، جعل من غير الواضح كيف سترد الولايات المتحدة على «غزو» برمائي صيني واسع النطاق.

لكن السؤال الصعب بالقدر نفسه -وربما الأصعب في أذهان العديد من كبار مسؤولي البيت الأبيض والدفاع- هو كيفية الرد على الضغط البطيء للجزيرة، بعد أن قطعت القوات الصينية الكثير من الوصول إليها، ماديًا أو رقميًا، بحسب «نيويورك تايمز».

مواجهة عسكرية

هذه الأسئلة قد يتم اختبارها قريبًا لأول مرة منذ ربع قرن، بعد إعلان الصين عن تدريباتها بالذخيرة الحية، بينما يقول مسؤولو الإدارة الأمريكية إنه بناءً على تقييماتهم، فإن قطع الوصول إلى تايوان غير مرجح -إلى حد كبير- لأنه سيضر بالاقتصاد الصيني في وقت يشهد تباطؤًا اقتصاديًا حادًا.

ويوم الجمعة، حذرت مجموعة الدول الصناعية السبع، قلب التحالف الغربي، الصين من الرد على زيارة بيلوسي، في إشارة إلى أن الصين ستتم إدانتها على نطاق واسع.

لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم قلقون من أن أحداث الأيام القليلة المقبلة قد تؤدي إلى مواجهة غير مقصودة بين القوات الصينية وقوات تايوان، خاصة إذا أطلق الجيش الصيني صاروخًا فوق الجزيرة، أو إذا أدى التوغل في المجال الجوي المتنازع عليه إلى صراع في الجو، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إنه حدث شيء مشابه قبل 20 عامًا، عندما اصطدمت طائرة عسكرية صينية بطائرة أمريكية لجمع المعلومات الاستخبارية.

ومع بدء التدريبات العسكرية في وقت مبكر من الأربعاء، كان مسؤولو البيت الأبيض والبنتاغون يراقبون الوضع، في محاولة لمعرفة ما إذا كانت الصين ترسل قوات إلى كل منطقة بالقرب من ساحل تايوان الذي أعلنت إغلاقها، لكن تقييمهم كان أن استراتيجية الصين هي التخويف والإكراه، من دون إثارة صراع مباشر.

سيناريو خطير

ورغم ذلك فإن الخبراء الخارجيين كانوا أكثر قلقًا من أن التمرين يمكن أن يتصاعد، بينما قالت بوني لين، التي أدارت مكتب تايوان في البنتاغون وشغلت مناصب دفاعية أخرى قبل الانتقال إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، حيث ترأس مجلس الإدارة، إن هذا أحد السيناريوهات التي يصعب التعامل معها.

وتساءلت «نيويورك تايمز»: متى يتضح أن التدريبات العسكرية الصينية أصبحت حصارًا لتايوان؟ ومن يجب أن يكون أول من يستجيب؟ القوات التايوانية أم الولايات المتحدة؟ مشيرة إلى أن الإجابة عن تلك الأسئلة غير واضحة.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التمرين الذي تحول إلى حصار واحد من السيناريوهات التي يتم فيها «اللعب بالحرب» في واشنطن بانتظام، مشيرة إلى أنه رغم أن المسؤولين الأمريكيين يحاولون رسم الخيارات قبل الأزمة، فإنه لا شيء يضاهي المواجهة الواقعية.

ويقول مساعدو الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن عليه أن يحاول السير في الخط الدقيق بين تجنُّب الانصياع للصين وتجنُّب التصعيد، بينما بات الأمر الأكثر تعقيدًا يتمثل في كيفية مساعدة تايوان بأن تصبح دولة يتم الدفاع عنها جيدًا لدرجة لا تسمح للصين بغزوها.

ورغم الحديث عن مبيعات طائرات «إف 16» إلى تايوان، فإنه من المفترض أن يصل أسطولها إلى 200 طائرة مقاتلة عام 2026، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن هناك قلقًا متزايدًا من أن تايوان تشتري نوعًا خاطئًا من المعدات للدفاع عن نفسها، وأنها بحاجة إلى تعلُّم بعض الدروس من أوكرانيا.

خنق تايوان

قبل عامين، حذر المسؤول الدفاعي الكبير ديفيد ف.هيلفي، من أنه مع ازدياد قدرة الصين على خنق الجزيرة، يمكن لتايوان نفسها، «من خلال الاستثمار الذكي، إرسال إشارة واضحة إلى بكين بأن مجتمع تايوان وقواتها المسلحة ملتزمان بالدفاع عنها»، لكنه حذر من أن المبالغ التي التزمت بها حكومة تايوان، للحصول على تكنولوجيا دفاعية جديدة، لم تكن كافية للدفاع المرن.

كانت النتيجة قرع طبول ثابت من واشنطن تحث قيادة تايوان على استثمار أقل في مقاتلات «إف 16» باهظة الثمن وأكثر في ما سماها هيلفي «أعدادًا كبيرة من الأشياء الصغيرة»، وهي الصيغة التي ساعدت أوكرانيا في مقاومة القوات الروسية.

وتشمل تلك القائمة صواريخ كروز المتنقلة للدفاع الساحلي، والألغام البحرية، ومراكب الهجوم السريع الصغيرة والمدفعية المتنقلة.

وأعرب رئيس تايوان تساي إنغ ون عن دعمه لما تسمى «الاستراتيجية غير المتكافئة»، وتحرك في السنوات الأخيرة لزيادة ميزانية الدفاع وشراء العديد من الأسلحة الصغيرة والمتحركة، التي أوصى بها المسؤولون الأمريكيون، مثل صواريخ هاربون.

سيناريوهات مختلفة

لكن تلك الاستراتيجية واجهت مقاومة -في بعض الأحيان- من بعض المسؤولين العسكريين التايوانيين، الذين يجادلون بأن بعض أنظمة الأسلحة التقليدية لا تزال ضرورية للتحضير لسيناريوهات مختلفة. كما جادلوا بأنه بلا ضمان أمني صريح من الولايات المتحدة، سيكون من الخطورة أن تتخلى تايوان عن أسلحتها الفتاكة.

ولقد تغيرت وجهة النظر هذه إلى حد ما في الأشهر الأخيرة، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى هزة عسكرية وعامة في تايوان، ما أدى إلى تبني أكبر لاستراتيجية «النيص»، التي تتيح لتايوان الدفاع عن نفسها.

لكن هذه الحرب أدت أيضًا إلى استنفاد المخزونات وتوتر الطاقة الإنتاجية بين متعاقدي الدفاع الأمريكيين والحلفاء، ما يعني أن تايوان قد تحتاج إلى الانتظار سنوات، في تأخير سيمنح الصين فرصة، بحسب «نيويورك تايمز».

وتبلغ ميزانية الدفاع التايوانية قرابة 17 مليار دولار سنويًا، رغم أنها التزمت بإنفاق 8 مليارات دولار إضافية على التسلح، خلال السنوات المقبلة، بينما خصص الكونجرس مؤخرًا 52 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا -التي ليست لديها تدفقات إيرادات لتايوان لدفع تكاليف دفاعها- وتنفق الصين ما يقارب 230 مليار دولار سنويًا.

ويقول البعض أيضًا إن ما تحتاجه تايوان من الولايات المتحدة ليس فقط مبيعات الأسلحة، بل أشكالًا أخرى من الدعم، بدءًا من التكنولوجيا العسكرية إلى التبادلات العملياتية والتدريب.

دعم متعدد الأوجه

بينما يُسمح أحيانًا للجيش التايواني بالمشاركة في ندوات الدفاع، فإنه نادرًا ما تتم دعوته للانضمام إلى التدريبات العسكرية الكبيرة متعددة الجنسيات، لأن أغلبية الدول لا تعترف بها رسميًا كدولة. وبينما عززت واشنطن تدريب القوات التايوانية في الجزيرة، لا يزال يُنظر إلى الخدمة العسكرية الإلزامية للجزيرة وبرنامج الاحتياط على أنهما غير دقيقين بما فيه الكفاية.

وقال أو سي فو، زميل باحث في معهد الدفاع الوطني وأبحاث الأمن "مؤسسة فكرية تابعة لوزارة الدفاع التايوانية" إنه يمكن للولايات المتحدة أن تساعدنا في تعلُّم كيفية التدريب بشكل أكثر كفاءة وتعبئة قوات الاحتياط بسرعة أكبر، مشيرًا إلى أنه يمكنهم أيضًا تقديم المزيد من المساعدة في ما يتعلق بنقل التكنولوجيا، لدعم برامج تطوير الأسلحة المحلية الخاصة بنا.

وبطبيعة الحال، فإن الدفاع ضد «الغزو» لا يشبه الدفاع ضد الحصار، بل إن تنفيذ الحصار أصعب، بحسب إريك سايرز، كبير مستشاري القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، الزميل في معهد أمريكان إنتربرايز، الذي قال: «التهديد بالحصار والشروع فعليًا فيه مختلفان تمامًا».

وقال سايرز إن الصين لديها القدرة على تطويق تايوان بشكل فعال إذا اختارت، لذلك فإن القدرة نفسها ليست مفاجأة.

ورغم التهديدات التي وجهتها بكين في الأسابيع الأخيرة، فإن الأمر سيظل صعبًا للغاية على جيش التحرير الشعبى الصينى، بحسب سايرز الذي قال إن الحفاظ على الحصار البحري -فترات طويلة- مكلف وسيضر الاقتصاد الصيني بقدر ما سيضر اقتصاد تايبيه.

خيارات الصين

وبدلاً من إعلان حصار عسكري، قد يعلنون عن مناورة عسكرية موسعة حول تايوان تغلق أو تعطل طرق الشحن 30 أو 60 أو 90 يومًا، بحسب «نيويورك تايمز» التي قالت إن القيام بأمر مثل هذا، يعتبر من أشكال الحرب القانونية لتبرير حصار غير مباشر لمدة يمكن لبكين التلاعب بها.

ويقول آخرون إن الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل المزيد لتعزيز أمن تايوان، من خلال مساعدتها في الاندماج بشكل أفضل بالنظام الاقتصادي العالمي، بينما يجادل المسؤولون والمحللون التايوانيون بأن تعزيز الروابط التجارية، وربما تمرير اتفاقية التجارة الثنائية، يمكن أن يساعد الجزيرة في تقليل اعتمادها على الصين، أكبر شريك تجاري لها حاليًا، إلا أن بكين ستعد ذلك -بلا شك- عملاً عدوانيًا.

وظهرت المخاطر الجيوسياسية لاعتماد تايوان على السوق الصينية هذا الأسبوع، بعد ساعات فقط من وصول بيلوسي إلى تايوان، حيث تحركت بكين لتعليق صادرات الرمال الطبيعية إلى الجزيرة -وهو أمر أساسي للبناء- وحظرت الواردات من تايوان من أنواع معينة، من الفاكهة والأسماك.

الأمن الاقتصادي

وقال فينسينت تشاو، المدير السياسي السابق في مكتب الممثل الاقتصادي والثقافي في تايبيه في واشنطن، إن الأمن الاقتصادي مهم جدًا لبقاء تايوان كدولة ديمقراطية.

وقال مارك ستوكس، المدير التنفيذي لمعهد المشروع 2049، وهو مجموعة أبحاث دفاعية في أرلينغتون بولاية فرجينيا، إن تنويع الدعم الأمريكي لتايوان من مبيعات الأسلحة أمر بالغ الأهمية، ليس فقط للدفاع بشكل أفضل ضد الصين، لكن أيضًا لرفع الروح المعنوية لشريك ديمقراطي زميل.

وقال ستوكس: «ينبغي ألا نحشر الأسلحة في حلقهم ونسلبهم من وكالتهم من حيث تحديد متطلباتهم الدفاعية (...) أكثر ما تحتاجه تايوان من الولايات المتحدة، هو أن تعامل بقدر الإمكان في ظل القيود كشريك عادي يحترم».