ما الرسائل التي حملتها صواريخ الصين الباليستية إلى اليابان وأمريكا؟
إذا اعتقد أي شخص في اليابان أنه يمكنه تجنُّب التورُّط في نزاع بمضيق تايوان، فقد أظهر الصينيون أن الأمر ليس كذلك

السياق
رسائل صينية أطلقتها بكين مع التدريبات العسكرية التي تجريها في محيط مياه تايوان، أثارت مخاوف حادة في الدوائر السياسية والأمنية من طوكيو إلى واشنطن.
ورغم أن التدريبات العسكرية في تلك المنطقة ليست الأولى، إذ سبقت كوريا الشمالية بكين بإطلاقها على مدى سنوات صواريخ في مياه اليابان، من دون حوادث كبيرة، فإن الأمر مختلف مع الصين التي تزداد «قوة وعدوانية على نحو متزايد»، بحسب «نيويورك تايمز».
وقال محللون إن إطلاق بكين خمسة صواريخ على المياه، التي تعد جزءًا من المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، شرقي تايوان، أرسل تحذيرًا إلى الولايات المتحدة واليابان، حال إقدامهما على مساعدة تايوان إذا نشب صراع هناك.
وقال توماس ج. رئيس مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية في واشنطن، في تصريحات لـ«نيويورك تايمز»، إن ذلك يذكر اليابانيين بأن الوجود العسكري الأمريكي في أوكيناوا يجعل اليابان هدفًا.
وقال دانييل شنايدر، الخبير في العلاقات الخارجية لليابان بجامعة ستانفورد، إن الصينيين يريدون إثبات أن لديهم القدرة في فرض حصار على تايوان، ويحاولون إيصال رسالة واضحة جدًا إلى أولئك الذين سيأتون لمساعدة تايوان -كالولايات المتحدة واليابان– بأنه يمكن استهدافهم أيضًا.
وأضاف شنايدر، في تصريحات لـ«نيويورك تايمز»: «إذا اعتقد أي شخص في اليابان أنه يمكنه تجنُّب التورُّط في نزاع بمضيق تايوان، فقد أظهر الصينيون أن الأمر ليس كذلك».
صواريخ صينية
وحددت اليابان مسارات تسعة صواريخ صينية، بينها خمسة قالت طوكيو إنها سقطت في منطقتها الاقتصادية الخالصة، مشيرة إلى أن مسارات الصواريخ الأخرى غير معروفة.
ورجح محللون أن تُغيِّـر التدريبات العسكرية الصينية في المياه المحيطة بتايوان الوضع الراهن في المنطقة تمامًا، كما قضت التدريبات عامي 1995 و1996 على خط الوسط بمضيق تايوان.
وقال تيتسو كوتاني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ميكاي وكبير زملاء معهد اليابان للشؤون الدولية: «سيستمر هذا التمرين ثلاثة أيام فقط، لكن هذا النوع من التمارين المكثفة من المحتمل أن يصبح روتينيًا خلال السنوات المقبلة».
ووصلت إلى اليابان ليلة الخميس، رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، التي أشعلت زيارتها لتايوان -هذا الأسبوع- التوترات الإقليمية، ومن المتوقع أن تلتقي كبار السياسيين اليابانيين الجمعة، ابتداءً من تناول الإفطار مع رئيس الوزراء فوميو كيشيدا.
وجادل بعض المحللين بأنه إذا كانت نية بكين ترهيب اليابان، فقد يكون لإطلاق الصواريخ تأثير معاكس على قادة اليابان.
الإنفاق الدفاعي
وقال يوكي تاتسومي مدير برنامج اليابان في مركز ستيمسون وهو مركز أبحاث في واشنطن: «رؤية شيء كهذا يتكشف وهبوط صواريخ صينية في المنطقة الاقتصادية اليابانية، قد يسرع الحجة الداعية إلى زيادة أسرع في الإنفاق الدفاعي».
وتراقب اليابان -منذ سنوات بحذر- القوة المتزايدة لجارتها، وبدأت التخطيط لتحمُّل المزيد من المسؤولية عن دفاعها، والعمل بشكل وثيق مع حلفائها لمواجهة الصين والاعتماد بشكل أقل على واشنطن.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن هذا التطور اكتسب من توجهها السلمي ما بعد الحرب زخمًا جديدًا مع العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا، وبعد ذلك أوصى الديمقراطيون الليبراليون الحاكمون بمضاعفة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن السياسيين الأكثر تشددًا دفعوا اليابان لتطوير قدرة "الضربة الأولى" باستخدام الصواريخ المسلحة تقليديًا، بل اقترحوا أن بإمكانها يومًا ما استضافة أسلحة نووية أمريكية كرادع، مؤكدة أن هذا الحديث كان غير وارد قبل عقد من الزمن.
وتقع تايوان، على بعد 68 ميلاً فقط من قاعدة عسكرية يابانية في جزيرة يوناغوني، بمحافظة أوكيناوا، في قلب المخاوف الأمنية لطوكيو، وهي من أكبر الشركاء التجاريين لليابان، ومصدر رئيس لرقائق الكمبيوتر المتقدمة، كما أنها تقع فوق مضيق ضيق، يتم من خلاله شحن جميع موارد الطاقة اليابانية تقريبًا.
ويخشى صانعو السياسة أن تجذب أي مواجهة عسكرية بشأن الجزيرة اليابان، التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية في أوكيناوا القريبة ولديها نزاع إقليمي مثير للجدل مع بكين بشأن جزر سينكاكو.
وفي أحدث بيان لها، حذرت وزارة الدفاع اليابانية من أن البلاد يجب أن يكون لديها «شعور بالأزمة» بشأن إمكانية المواجهة بين الولايات المتحدة والصين.
واستعدادًا لهذا الحدث، عزز المخططون العسكريون التنسيق مع القوات الأمريكية، ونقلوا المزيد من القوات وبطاريات الصواريخ إلى جزر جنوبي اليابان، التي يمكن أن تكون في الخطوط الأمامية للاشتباك.
وفي ديسمبر الماضي، حذر شينزو آبي، رئيس الوزراء السابق، الذي اغتيل الشهر الماضي، خلال تصريحات لمنظمة السياسة التايوانية، من أن «أزمة تايوان ستكون أزمة يابانية، وبعبارة أخرى فإن هناك أزمة للتحالف بين الولايات المتحدة واليابان».
وفي مقال رأي بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، دعا شينزو آبي الولايات المتحدة لتوضيح سياسة «الغموض الاستراتيجي» تجاه الجزيرة، بحجة أنها «تعزز عدم الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».
تزايد المخاوف
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الجمهور الياباني أبدى اهتمامًا كبيرًا بمسألة أمن تايوان في السنوات الأخيرة، فالمخاوف تزايدت بشأن سلاسل التوريد والنشاط العسكري الإقليمي للصين ومعاملتها للأويغور وعدائها "للحكم الديمقراطي" في هونغ كونغ، مشيرة إلى أنه منذ بداية جائحة كورونا تحول الرأي العام -بشكل حاسم- ضد الصين، في حين نما الدعم لتايوان على قدم وساق.
وبعد وقت قصير من هبوط الصواريخ الصينية، أصدرت طوكيو احتجاجًا رسميًا إلى الصين، ودعتها إلى وقف التدريبات العسكرية على الفور بالقرب من تايوان.
وفي حديثه للصحفيين، وصف وزير الدفاع الياباني نوبو كيشي، الحادث بأنه «قضية خطيرة تتعلق بأمننا القومي وسلامة الشعب».
في المقابل قالت هوا تشون ينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية للصحفيين، إن بكين لم تعترف بالمنطقة الاقتصادية لليابان، حيث سقطت الصواريخ.
كما ألغت الصين اجتماعًا بين وزير خارجيتها وانغ يي ونظيره الياباني يوشيماسا هاياشي، بعد أن أصدرت مجموعة الدول الصناعية السبع بيانا أعربت فيه عن قلقها بشأن «أفعال التهديد» التي تتخذها بكين حول تايوان.
روتين مألوف
حادثة الصاروخ هي في بعض النواحي روتين مألوف لليابان، التي شهدت هبوط 10 صواريخ بالستية كورية شمالية في منطقتها الاقتصادية منذ عام 2016، بحسب يوكي تاتسومي مدير برنامج اليابان في مركز ستيمسون وهو مركز أبحاث في واشنطن، الذي قال إنه من المرجح أن يكون رد اليابان على بكين بقواعد اللعبة نفسها كما في بيونغ يانغ.
وأضاف: «اليابان بالتأكيد لا تريد أن تلقي الصين باللوم عليها بسبب المبالغة في رد الفعل، لذلك لن يتصدوا بأي شيء مادي، لكن مراقبتهم ستكثف»، مشيرًا إلى أنه على المدى الطويل، ينبغي للصين أن تتوقع من اليابان أن تصلب نفسها عسكريًا.
وقال: «لن يؤدي ذلك إلى إبطاء نقاش اليابان بشأن زيادة إنفاقها الدفاعي. إذا كان هناك أي شيء، فمن المحتمل أن يؤدي إلى تسريع وتيرة المحادثات بين الولايات المتحدة واليابان».