العراق.. هل الحل في إجراء انتخابات جديدة؟
توقع التحليل أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الاستقطاب في العراق، حيث سيقرر الفاعلون السياسيون ما إذا كانت الانتخابات الجديدة ستحسن موقفهم أم تضر به.

ترجمات - السياق
أزمة طاحنة تشهدها العراق، حرب كلامية بين الفصائل السياسية المختلفة والمتناحرة، واحتجاجات وصلت حد اقتحام مبنى البرلمان في المنطقة الخضراء، كما شهدت اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، وسط دعوات بالجلوس على طاولة الحوار. إلى ذلك سلَّطت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الضوء على الاحتجاجات التي يشهدها البلد الآسيوي منذ الأسبوع الماضي، قائلة إن المشاهد التي خرجت من بغداد، حيث اقتحم المتظاهرون مبنى البرلمان، تكشف الخلل السياسي الحاد في البلاد.
وأشارت المجلة، في تحليل للكاتبة البريطانية من أصل عراقي مينا العريبي، رئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشيونال"، إلى أن المتظاهرين رددوا هتافات تندد بالفساد الذي أبقى أحد أكبر منتجي النفط في العالم على قائمة أكثر دول العالم فساداً، ويعاني انقطاع التيار الكهربائي والبطالة الجماعية ونقص الخدمات الأساسية.
وأضاف التحليل: رغم الشكل العام للمظاهرات فإنها لم تكن حدثاً شعبياً، إذ كان تجمع المتظاهرين مجرد استجابة لنداء رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وتطورت عملية اقتحام البرلمان إلى اعتصام في محيطه، لضمان عدم عقد أي جلسات تشريعية.
وتابعت: "السبب المباشر لهذه الاحتجاجات هو الخلاف المستمر على مَنْ يشكل الحكومة العراقية، ورغم فوز كتلة الصدر بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في انتخابات أكتوبر الماضي، فإنه مُنع من تشكيل حكومة بسبب المناورات السياسية من خصومه، بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ومن هذه المناورات إقناع عدد كافٍ من أعضاء البرلمان المنتخبين حديثاً بعدم حضور الجلسات البرلمانية، حتى لا يكتمل النصاب القانوني للتصويت على الحكومة الجديدة، وبسبب شعوره بالإحباط من هذه التحركات، أعلن الصدر أن نوابه سيستقيلون، وهو ما نفذوه بالفعل، وأنه لن يشرف على تشكيل حكومة جديدة، رغم أنه حق دستوري لكتلته".
ووفقاً للتحليل، فقد حاول الصدر تشكيل حكومة ائتلافية ضيقة تسيطر على أغلبية ضئيلة من المقاعد، وهو ما يمثل خروجاً عن تقليد تشكيل تحالف وحدة وطنية يضم أغلبية الأطراف المتنافسة، ولقيت عملية تشكيل الحكومة الائتلافية الضيقة معارضة شديدة من المالكي وآخرين، لأنه يعني أنهم سيُتركون خارج شبكات المحسوبية ومليارات الدولارات التي تخضع لسيطرة الحكومة.
ورأى التحليل أن التظاهرات الأخيرة تبدو أيضاً كقتال بين القادة الشيعة الرئيسين في العراق على مَنْ سيظهر كوسيط السلطة النهائي في البلاد، والمسؤول عن الطبقة السياسية الشيعية غير المتجانسة، لافتاً إلى أنه في حال كانت هذه الطبقة تنظر إلى قبضة زعيم حزب الله حسن نصر الله الحديدية على السياسات الشيعية اللبنانية كنموذج، فإن الأمر غير مناسب لأن العراق لديه الكثير من الفاعلين السياسيين الذين لن يقبلوا أن يخضعوا لزعيم واحد.
وتوقع التحليل أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الاستقطاب في العراق، حيث سيقرر الفاعلون السياسيون ما إذا كانت الانتخابات الجديدة ستحسن موقفهم أم تضر به.
وأضاف: "تبدو المواجهة الأخيرة هذه خطيرة، لأن جميع الأطراف مدججة بالسلاح، وهناك احتمال كبير لوقوع مواجهات عنيفة، ورغم صدور العديد من الدعوات للتهدئة والحوار الوطني من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والأمم المتحدة وعدد من الحكومات الأجنبية، فإنها من غير المرجح أن تسفر عن نتائج جادة، فالخلاف بين المتظاهرين الموجودين في الشوارع ليس على اتجاه البلاد الذي يمكن التفاوض عليه، لكنه على مَنْ يتولى مسؤولية العراق، ولذا فإن الصراع لعبة محصلتها صفر".
في غضون ذلك، من المرجح أن تستمر حكومة الكاظمي بدورها في تصريف الأعمال، لكنها ستكون مقيدة إلى حد كبير، إذ إنه لم يتم إقرار أي ميزانية لعام 2022، ورغم الإيرادات الحكومية المرتفعة من النفط بسبب ارتفاع الأسعار، فإن القليل فقط من هذه الأموال يتدفق لصالح العراقيين، حسب التحليل.
ورأت العريبي أن النظام السياسي في العراق يبدو محطماً، مشيرة إلى أن استمراره كل هذا الوقت مثير للدهشة.
وذكر التحليل أنه من المرجح أن تؤدي الانتخابات الجديدة إلى الوضع الحالي نفسه، ما لم تظهر كتلة أو كتلتان سياسيتان بأغلبية واضحة للسيطرة على البرلمان.
ويزعم السياسيون العراقيون أن هذا الخلل ناتج عن النظام البرلماني، لكن بالنظر إلى التاريخ فإنه قد تم انتهاك الدستور مراراً وتكراراً، وتم تسييس القضاء، وتغلغل الفساد في جميع مستويات الحكومة، حسب التحليل.
وتابع: "لقد استفاد الصدر من الإحباط الذي أصاب الطبقة السياسية في العراق، وهو ما أدى إلى فوز كتلته في انتخابات العام الماضي على أساس برنامج الإصلاح الشامل للنظام السياسي، لكن من غير الواضح كيف سيحدث هذا الإصلاح، لكن الأمر الواضح أن الكيانات السياسية المستفيدة من الخلل الحالي، من غير المرجح أن ترغب في إصلاحه. في هذا الصدد ألمح الصدر إلى احتمال تدخل الأمم المتحدة، لحل هذه الأزمة لكن يبدو أن ذلك غير مرجح في ضوء انقسام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والضعف العام للمنظمة".
ونهاية التحليل، قالت العريبي: "رغم أن الإصلاح الشامل للنظام السياسي سيفيد العراق، فإنه يبدو غير مرجح أن يحدث ذلك. فيما ستسعى الأحزاب السياسية إلى كسب النفوذ حيثما أمكنها ذلك، في الفترة التي تسبق أي انتخابات محتملة، ومع استمرار الجمود شبه المؤكد، فإن هناك مخاوف متزايدة في بغداد من أن يسعى الخصوم إلى القضاء على بعضهم".