قبضة حديدية وحظر إعلامي.. هل تنجح إستراتيجية الصومال الجديدة في تحييد حركة الشباب؟

إيمان الشعراوي، مدير وحدة الدراسات الإفريقية بمركز المستقبل الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، قالت في تصريحات لـ السياق، إن قرار الحكومة الصومالية بشأن حظر نشر أخبار حركة الشباب، سيكون له دور في مواجهة استقطاب وتجنيد الحركة لعناصر جديدة.

قبضة حديدية وحظر إعلامي.. هل تنجح إستراتيجية الصومال الجديدة في تحييد حركة الشباب؟

السياق (خاص)

مقتل عشرات الإرهابيين، تعيين العميد ليبان علي يرو رئيسًا للمحكمة العليا للقوات المسلحة، فرض حظر نشر على أخبار حركة الشباب الإرهابية بوسائل الإعلام والمنصات الرقمية المحلية المختلفة.. ملامح إستراتيجية جديدة بدأت تتبلور في الصومال الجريح من «الإرهاب».

وأعلن الجيش الصومالي، الأربعاء، مقتل 74 «إرهابيًا» من حركة الشباب، في إطار حملته الهادفة لتحييد خطر الحركة الإرهابية، التي باتت تهدّد مستقبل البلد الإفريقي الغارق في حرب أهلية منذ عام 1991، عندما أطاح أمراء الحرب بدكتاتور ثم انقلبوا على بعضهم.

حملة الجيش الصومالي تزامنت مع قرار للحكومة المركزية في مقديشو، بحظر نحو 40 منصة رقمية على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، تابعة لحركة الشباب الإرهابية، تبث من خلالها الشائعات، وتشن حربًا نفسية ضد القوات المسلحة في الصومال.

خطوات تزامنت وتكاملت لتعلن ولادة إستراتيجية جديدة في الصومال، بات يتبعها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس وزرائه حمزة عبدي بري، لتحييد خطر حركة الشباب الإرهابية، إلا أنها أثارت تساؤلات حول جدوى الخطوة، ومدى تأثيرها على عناصر الحركة.

 

معلومات استخباراتية

وإلى ذلك، قال الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية عاصم الصبري، في تصريحات لـ«السياق»، إن تلك الإستراتيجية تكشف عن أن الحكومة الصومالية حصلت على معلومات استخباراتية حول إمكانية نقل القيادة العامة لتنظيم القاعدة من أفغانستان إلى الصومال، مع تمكين أبو عبيدة زعيم حركة الشباب من تولي منصب زعيم تنظيم القاعدة.

ذلك التوقع استند الصبري في استنتاجه إلى إجراءات الحكومة الصومالية الأخيرة، من حظر منصات الحركة داخل البلاد، وتقييد بعض الحريات على وسائل الإعلام والصحفيين الصوماليين، والتي تهدف إلى منع حركة الشباب من استغلال الإعلام المرئي أو الرقمي لصالح الدعاية للحركة المتطرفة.

وأوضح أن قرار الحكومة قوبل بتهديد ووعيد من حركة الشباب لوسائل الإعلام، إلا أنه اعتبره أمرًا معتادًا من الحركات «الإرهابية»، التي ترفض كافة الأفكار التي تختلف معها.

ورغم ذلك، إلا أنه شكّك في أن تثمر هذه الإستراتيجية في القضاء على حركة الشباب الإرهابية بالسلاح فقط، منوهًا بأن الحرب على الإرهاب والفكر المتطرف، يجب أن يوازيه إصلاحات حقيقية في التعليم والصحة والقصاء.

 

سلاح الإعلام

الباحث الصومالي في شؤون القرن الإفريقي نعمان حسن، وافق الصبري في رؤيته، قائلًا، إن قرار الحكومة بفرض حظر على حركة الشباب ليس مقصورًا فقط على نشر أخبارها، لكن يشمل تجميد كل الأصول ومصادر تمويل العمليات الإرهابية التي يقومون بها وتجفيف مواقعها.

وأوضح الباحث الصومالي أن حركة الشباب كانت تعتمد في قوتها على الإعلام والسلاح، مشيرًا إلى أن نشر الأخبار حول قوتها، وتهديدها بقتل المعارضين، يتسبب في الخوف منهم وإعطائهم قوة وهمية، ما يجعل من خطوة حظر نشر أخبارهم مهمة في القضاء عليها.

إلا أنه لم يتوقع التخلص من حركة الشباب بسهولة أو في المستقبل القريب؛ لأنها «أكبر» من الدولة الفيدرالية الصومالية التي لا يتعدى عمرها 15 عامًا، فيما وجدت حركة شباب وغيرها من الحركات الإرهابية ملاذًا آمنًا في الصومال قبل ذلك.

وفيما قال إن حركة الشباب تعدّ نموذجًا لدولة داخل الدولة كونها لديها جيش وأسلحة ومناطق نفوذ واسعة وغيرها، شدد على أن الصومال لا يملك الآن القدرة الكافية للتخلص من الحركة.

 وأكد أن إستراتيجية الحكومة يمكن أن تقلل الضرر الذي تلحقه تلك الحركات الإرهابية بالشعب الصومالي وتعمل على إبعادهم عن مناطق النفوذ الصومالية وتجميد ثرواتهم ومصادر تمويلهم.

 

مواجهة التجنيد

إيمان الشعراوي، مدير وحدة الدراسات الإفريقية بمركز المستقبل الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، قالت في تصريحات لـ«السياق»، إن قرار الحكومة الصومالية بشأن حظر نشر أخبار حركة الشباب، سيكون له دور في مواجهة استقطاب وتجنيد الحركة لعناصر جديدة.

وأوضحت الشعراوي، أن تقنيات الإرهاب في عصر التكنولوجيا الرقمية اختلفت كثيرًا عن السابق، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل، ما يتطلب تعاملًا مختلفًا مع هذه التحديات.

وأضافت مدير وحدة الدراسات الإفريقية، أن دولة الصومال لها طبيعة خاصة؛ لأنها على مدى أكثر من عقدين تحولت إلى مركز للعديد من الأزمات المختلفة، وأصبحت ساحة للتنافس من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق المصالح الخاصة على حساب الشعب الصومالي.

ورغم إشادتها بالإستراتيجية الصومالية الجديدة لمكافحة الارهاب، إلا أنها قالت إنَّ أي إستراتيجية لمكافحة الإرهاب يجب أن تتعامل مع الواقع الصومالي بصورة أكثر اعتبارًا، وعدم تركيز سياسات مكافحة الإرهاب على الأداة العسكرية والأمنية فقط، وإهمال الأدوات الأخرى مثل العوامل الثقافية وتطوير المؤسسات التعليمية وتحسين المستوى الاقتصادي، والاهتمام بنشر الفكر الصحيح عن الإسلام.

وعن مستقبل الإستراتيجية الصومالية الجديدة لمكافحة الإرهاب، قالت الشعراوي، إنها لكي تؤتي ثمارها يجب أن يكون هناك دعم من الحكومة المركزية للولايات الصومالية التي تعاني من سيطرة حركة الشباب، ما سيسهل عمل الجيش في مواجهة الإرهاب، خاصة أن هذه الخطوة أثبتت نجاحها في عدد من الولايات والمناطق الصومالية ومنها: هيران وكرنوي ودويو.

وشددت على ضرورة التكاتف الإفريقي لدعم الصومال لمواجهة حركة الشباب، لأنَّ مواجهة الإرهاب لن يكون إلا بأيد إفريقية خالصة، مؤكدة أنَّ هناك عددًا كبيرًا من الدول الإفريقية أعلنت دعمها للصومال في مواجهة الإرهاب وعلى رأسها مصر.

 

حرب فكرية

الباحث الصومالي في شؤون القرن الإفريقي والذي يعمل أيضًا ضمن فريق الأمم المتحدة بمقديشو عبدالسلام بهدون إبراهيم، كان له رأي مخالف بعض الشيء، فقال في تصريحات لـ«السياق»، إنه لا يوجد حتى الآن إستراتيجية حكومية محددة الملامح لمواجهة حركة الشباب الإرهابية.

وأوضح الباحث الصومالي، أنَّ الخطوات الحكومية ما هي إلا رد فعل تجاه الأحداث الأمنية الأخيرة، والتي لا تؤدي إلى إضعاف حركة الشباب، التي تحتاج إلى خطة أمنية محكمة من قبل خبراء عسكريين صوماليين، وشن حرب عسكرية ذات أبعاد إستراتيجية لهزيمتها.

وأشار إلى أن الحركة التي ينتشر عناصرها في الأرياف والقرى، تحتاج إلى تكتيكات عسكرية جديدة أكثر نجاعة من الحرب المعلنة إعلاميًا فقط، مؤكدًا أن ما وصفه بـ«الحرب الفوضوية» الجارية الآن ضد حركة الشباب، تتسبب في نزوح الأسر والسكان نحو المدن الكبيرة، دون نتائج إيجابية ضد عناصر الحركة.

وحذر من أن الحكومات السابقة لم تفلح في هزيمة حركة الشباب عسكريًّا، رغم انخراط بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) في مواجهتها، بالإضافة إلى تقديم الدعم الغربي ولا سيما الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا ولوجستيًا.

وشدد على أن ما وصفه بـ«ضعف» كفاءة وتدريب القوات الصومالية، يظل عائقًا أمام الدولة في طريقها نحو تحقيق انتصار حاسم على عناصر حركة الشباب في المناطق التي تسيطر عليها.

 

خطط عاجلة

من جهة أخرى، قال الدكتور إيهاب شوقي الخبير في الشؤون الإفريقية في تصريحات لـ«السياق»، إن حالة الهدوء السياسي التي أعقبت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ساهمت في إعادة تقييم الوضع الراهن، وطرحت خططًا عاجلة لمواجهة الإرهاب.

وتوقع الخبير في الشؤون الإفريقية، أن يواجه الصومال جملة من الصعاب التي تتطلب ضرورة إعادة مرونة تكتيكية وتعاونًا أكبر مع الشركاء الدوليين والإقليمين لحل الأزمة الصومالية بشكل عام.