ما أسباب التوتر بين باكستان وطالبان؟
اعتبر أسفنديار مير، الباحث في جامعة ستانفورد، أن استراتيجية باكستان لدعم صعود طالبان في كابل كانت مقامرة، مضيفًا: تعتقد باكستان أن بإمكانها قطع العلاقات بين طالبان الأفغانية والباكستانية وإدارة العلاقات بشكل مستقل.

ترجمات – السياق
سلَّطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على أسباب توتر العلاقات بين باكستان وطالبان، بعد أسابيع من سقوط العاصمة الأفغانية كابل، بيد مسلَّحي الحركة المتطرفين.
وأشارت الصحيفة -في تقرير- إلى أن مقاتلي طالبان يرتدون أحذية رياضية وعمامات بيضاء عليها آيات قرآنية، يقومون بدوريات في معبر توركام في ممر خيبر الجبلي بين أفغانستان وباكستان، إذ يقفز المقاتلون، المسلَّحون بالبنادق والسياط، من شاحنات صغيرة لتفريق مَنْ يحاولون عبور الحدود إلى الجانب الآخر، ويأمرونهم بالبقاء في الدور بعيدًا عن البوابة التي يناشدون الحرس السماح بدخولها.
وذكر التقرير أن أعلام طالبان البيضاء، تحدِّد الجانب الأفغاني من المعبر الاستراتيجي، منذ اليوم الأول لسقوط كابل بيد مسلحي الحركة، بينما على الجانب الآخر، كان الباكستانيون يتنبأون بما حدث، من سقوط العاصمة الأفغانية، وإعادة سيطرة طالبان على المعابر الحدودية.
لكن الهدوء النسبي على المعبر، يخفي مخاوف إسلام أباد من أن يؤدي استيلاء طالبان على السُّلطة، إلى تدفق سيل من اللاجئين ويشجِّع الجماعات المتطرفة في المنطقة، بما في ذلك تلك التي تستهدف باكستان.
مخاوف أمنية
ونقل التقرير، عن ساجد مجيد وهو عميد في الجيش الباكستاني، قوله: "المخاوف موجودة، والوضع الأمني غير مستقر، لكننا جلبنا المزيد من التعزيزات العسكرية".
وكانت الأمم المتحدة، حذَّرت من أن أفغانستان تواجه "كارثة إنسانية تلوح في الأفق"، مشيرة إلى أن نِصف مليون أفغاني، قد يفرون من البلاد خلال 12 شهرًا.
وسبق أن استقبلت باكستان مئات اللاجئين، خلال الصراع الأمريكي في أفغانستان، وطلبت مساعدة نقدية من جميع أنحاء العالم لاستضافة المزيد.
ويرى المحللون، أن إكمال إسلام أباد بناء السياج الحديدي على حدودها مع أفغانستان، بطول 2600 كيلومتر، يعكس التوترات في علاقتها مع طالبان.
ومنذ وصولها إلى السُّلطة، رفضت شجب "طالبان باكستان" التي أعلنت مسؤوليتها عن مقتل 4 جنود، في هجوم انتحاري بكويتا هذا الأسبوع، ورفضت بناء السياج الذي يقسم البلدين على طول الخط المتنازع عليه، الذي رسمه الاحتلال البريطاني "خط دوراند".
وأوضحت الصحيفة، أن باكستان التي تتهمها الولايات المتحدة وآخرون بتمويل ودعم طالبان، أصرت مرارًا وتكرارًا على أن نفوذها على الحركة محدود.
وفي جولة نظمتها إسلام أباد للصحفيين، شملت معبر توركام، زعم المسؤولون الباكستانيون أنهم لا علاقة ولا معرفة لديهم بخطة الخروج الأمريكية، التي تم الاتفاق عليها مع طالبان، وقالوا إن الحوار الأمريكي المباشر مع الحركة أثَّر في دورهم ونفوذهم عليها.
داعش خراسان
ونقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤول عسكري باكستاني كبير طلب عدم نشر اسمه، قوله: "نواجه تحديًا كبيرًا... لأن طالبان لم يصدروا أي بيان يتعلَّق بحركة طالبان باكستان، وهي مصدر قلق كبير لحكومة إسلام آباد".
وأضاف المسؤول، أن داعش خراسان -وهي جماعة منشقة عن القاعدة نمت لتصبح منافسة لطالبان- ليست قوة متماسكة، ولا يزيد عدد مقاتليها على 2000 مقاتل، لكن "إذا تركوا من دون مراقبة، فإن كثيرين سينضمون إليهم".
وبدلًا من شجب طالبان باكستان، أفرجت الحركة عن مئات المعتقلين من أفرادها في السجون الأفغانية وهي في طريقها إلى كابل. وتعهد زعيم طالبان باكستان، نور ولي محسود، المدرج على قائمة العقوبات في الأمم المتحدة لعلاقته بالقاعدة، بمهاجمة باكستان.
مقامرة باكستانية
من جانبه، اعتبر أسفنديار مير، الباحث في جامعة ستانفورد، أن استراتيجية باكستان لدعم صعود طالبان في كابل كانت مقامرة، مضيفًا: "تعتقد باكستان أن بإمكانها قطع العلاقات بين طالبان الأفغانية والباكستانية وإدارة العلاقات بشكل مستقل".
وأوضح مير، أن العلاقة بين حكومة باكستان وطالبان أفغانستان قد تستمر، ومن جانب آخر قد تستمر أيضًا العلاقة بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان، قائلًا: "ينبغي ألا نلغي احتمال أن تتمكن باكستان من إدارة هذه الرقصة المحرجة، لكن على الأرجح سيكون هناك رد فِعل سلبي، ستقاوم طالبان باكستان وسيزداد العنف".
من العوامل التي تزيد التوتر أيضًا، بين الحكومة الباكستانية وطالبان أفغانستان، ملف اللاجئين، إذ تشير الصحيفة إلى أن سعي اللاجئين اليائسين إلى الهروب من طالبان والاقتصاد المتباطئ، تعقيد آخر لباكستان.
وقال عبدالسيد، الباحث الأمني في شؤون الجماعات المتطرفة في أفغانستان وباكستان ومقره السويد: "العاملون الحكوميون والمعلمون، لا يحصلون على رواتبهم، وليس لديهم خيار سوى الفرار إلى باكستان"، مضيفًا: "إذا ظل الوضع في أفغانستان مثل الحقبة التي حكمت فيها طالبان، أفغانستان قبل 11 سبتمبر من دون تجارة، وانقطعت البلاد عن المحيط الإقليمي والعالم، سيهرب الناس".
ففي تورخام، رفضت باكستان اللاجئين، بدعوى ندرة الوثائق والقيود الوبائية، ما أجبر البعض على القيام برحلة 800 كيلومتر جنوبي غرب إلى معبر شامان سبين بولداك، في محاولة للخروج من أفغانستان هربًا من طالبان.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى ما حدث مع هؤلاء اللاجئين، ومنهم، أفغانية تدعى بيبي عائشة نورستاني، وهي ممرضة تبلغ من العمر 27 عامًا عملت مع منظمة دعم غربية، هربت من كابل بعد أن استجوبها 4 مقاتلين من طالبان في منزلها.
وقالت نورستاني: إن بوابة تورخام مغلقة، ما اضطرنا إلى الذهاب إلى شامان سبين بولداك، في محاولة للخروج من البلاد، مشيرة إلى أن بقاءها في كابل خطر كبير على حياتها.
وكانت نورستاني مع حفنة من اللاجئين، يقفون في الهواء الطلق في مكان عمل تابع للأمم المتحدة، في إحدى ضواحي إسلام أباد الهادئة، وكان بين هذه المجموعة براءت علي ، الذي هرب مع أسرته من كابل، حيث كان يدير شركة شاحنات أبرمت عقودًا مع قوات "الناتو".
وقال علي: "كنت أشعر بالخوف بشكل خاص، لأن شاحنتي كانت مستأجرة لمشروع الناتو، وكانت هناك شائعات بأن طالبان ستسرق بناتنا... ومن ثم لا أحد يستطيع توقُّع ما قد يحدث".