ليبيا بين مساري حفتر والمبعوث الأممي.. تحديات وألغام ومخاوف من مستقبل غامض
قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ السياق، إنَّ الاستعراض العسكري الكبير والمهيب الذي نظمه الجيش الوطني الليبي في عاصمة الجنوب الليبي، سبها وعلى بعد 1700 كم من مقر قيادته في الرجمة، حمل رسائل كثيرة في توقيته ومكانه الجغرافي.

السياق
فيما تحاول ليبيا الخروج من عنق الزجاجة، الذي مكثت فيه طويلًا والذي يهدِّد وحدتها بعد تفاقم أزمة الحكومتين، بات البلد الإفريقي على أعتاب مرحلة جديدة، يغلِّفها المجهول.
تلك المرحلة والتي قد يكون عنوانها الانتفاضة الشعبية استجابة لنداءات القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، أو سلوك الطريق الدبلوماسي، إذا ما نجح المبعوث الأممي الجديد عبدالله باثيل في تحريك المياه الراكدة.
فما أبرز التطورات؟
البداية من النداء الذي تكرَّر كثيرًا في الآونة الأخيرة، والذي أطلقه القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، داعيًا الليبيين إلى الانتفاض، منتقدًا السياسيين الذين وصفهم بأنهم «أهدروا الوقت والأموال، دون أن ينفذوا أي مشاريع تنموية في البلاد».
وفي كلمته، للمشاركين في العرض العسكري بمدينة سبها جنوبي ليبيا، قال المشير حفتر: «لا مسار يؤدي إلى النجاح إلا المسار الذي اختاره الشعب، وجاهزون لحماية الشعب في انتفاضته وما على الشعب إلا أن يتصدر المشهد».
وأكد المشير حفتر، أن «الزمرة المتصارعة على السلطة أهدرت وقتًا ثمينًا وأخفقت في تحقيق الوفاق وفاقمت الأزمة»، مشيرًا إلى أن الأموال المنفقة خلال 10 سنوات كانت كفيلة بإحداث التنمية والتطور لكنها أُهْدِرت في منظومة الفساد.
ومن المسار الذي اختاره حفتر لليبيين لسلوكه، إلى مسار آخر بدأ يتشكل على الأرض، يقوده المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا السنغالي عبدالله باثيل، بلقاءات منفصلة مع القوى السياسية الفاعلة على الأرض في المنطقتين الغربية والشرقية.
مسار المبعوث الأممي
وبحسب بيانات منفصلة للبعثة الأممية اطلعت «السياق» على نسخة منه، فإن باثيل التقى اليوم الأربعاء، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، وناقشا العملية الانتخابية بما في ذلك سبل تعزيز الجهود لإجراء الانتخابات، فيما أكد باتيلي التزام الأمم المتحدة المستمر بتقديم كل الدعم الفني اللازم للمفوضية.
ومن المسار الانتخابي إلى المسار الأمني، كان المبعوث الأممي على موعد مع لقاء رئيس الأركان العامة للجيش الليبي في المنطقة الغربية، الفريق أول محمد الحداد في طرابلس، لمناقشة الوضع الأمني العام والتقدم في المسار العسكري والأمني، مؤكدًا ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية، وداعيًا إلى استئناف الحوار بين رئيسي هيئة الأركان العامة.
وإلى أزمة الحكومتين، والتي حاول المبعوث الأممي الدخول على خطها بلقاء الطرف المتعنِّت في تسليم السلطة عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، مؤكدًا أنه تبادل معه وجهات النظر حول الأوضاع الراهنة في ليبيا.
وفي محاولة لحلحلة أزمة الحكومتين والمسار الانتخابي، التقى باثيل، رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح في مدينة القبة شرقي ليبيا، لمناقشة خيارات معالجة الوضع السياسي في البلاد، فيما أكَّد المبعوث الأممي أهمية إرساء مسار توافقي للسلام والاستقرار بقيادة ليبية.
مسار ثوري
تلك التطورات، تباينت حولها آراء المراقبين والذين أكدوا أن مسارًا ثوريًا بدأت ملامحه تتشكل في ليبيا، ضد الأوضاع التي آلت إليها ليبيا، وما أسفرت عنه من أزمات اقتصادية وسياسية.
وإلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إنَّ الاستعراض العسكري الكبير والمهيب الذي نظمه الجيش الوطني الليبي في عاصمة الجنوب الليبي، سبها وعلى بعد 1700 كم من مقر قيادته في الرجمة، حمل رسائل كثيرة في توقيته ومكانه الجغرافي.
وأوضح المحلل الليبي، أنَّ اختيار مكان العرض العسكري في جنوب غرب ليبيا وسبها تحديدًا، حمل رسالةً مباشرةً إلى بعض دول الجوار الغربي التي لا «يحترم حكامها» سيادة ليبيا ويقدمون الدعم للمليشيات والتنظيمات الإرهابية من وراء ستار؛ لإبقاء ليبيا في أتون الفوضى التي تخدم أجندتها هذه الدولة، مشيرًا إلى أنَّ الجنوب الليبي عصب اهتمامات الجيش بعد أن أهملته حكومات طرابلس منذ 2011.
سر التوقيت
أما توقيت العرض وكلمة حفتر، فأكد المحلل الليبي، أنها جاءت لتؤكد فشل الطبقة السياسية والمتناحرين على السلطة وتبيان ذلك للشعب الليبي الذي يتوجب عليه التحرك ضد ما وصفه «استبداد وطغيان» حكومات المليشيات ونهبها الممنهج لثروات البلاد واستجلاب الاستعمار العسكري الأجنبي للدفاع عن بقائها في السلطة.
وأشار إلى أنَّ حث حفتر الشعب الليبي بأن يثور على هؤلاء السياسيين، تضمن تأكيدًا لهم بأنهم لن يكونوا وحيدين في مواجهة «بطش المليشيات، بل سيجدون الجيش الوطني متلاحمًا معهم لحمايتهم».
وأكد المحلل الليبي، أنَّ «حديث المشير خليفة حفتر يمكن فهم أن تجدد الحرب بات خيارًا حتميًا مع تعنت بعض الدول وتدخلها وهيمنتها على ليبيا، وعدم فعالية بعثة الأمم المتحدة في إخراج البلاد من واقع الفوضى».
الأمر نفسه أشار إليه المحلل الليبي أيوب الأوجلي والذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إن «انتفاضة الشارع ستأتي في وقت غير متوقع، ولن تكون استجابة لنداء بقدر ما ستكون انفجارًا على سوء الأوضاع المعيشية، وسيطرة ثلة فاسدة على مفاصل الدولة».
وأشار إلى أنه «إذا ما خرج الشعب للشارع فإنه لن يعود إلا بعد إسقاط الأجسام السياسية كافة التي عاثت فسادًا في الدولة وتركت هموم المواطن وانشغلت في البحث عن مصالحها».
وحول حراك المبعوث الأممي، قال المحلل الليبي: إن حلحلة الأزمة ليست بيد باتيلي، مشيرًا إلى أنَّ البعثة الأممية في ليبيا باتوا سماسرة صفقات سياسية فاشلة في الواقع، بسبب الانقسام الدولي الحاصل على الملف الليبي، مما أدخل ليبيا وجعلها جزءًا من الحرب الدولية».
وأكَّد المحلل الليبي الأوجلي، أن باتيلي سيبدأ في طرح مبادرات وأفكار لتقريب وجهات النظر، لكن الهدف النهائي سيكون الحفاظ على الوضع الليبي في حالة الانقسام.
وحول لقاءاته الأخيرة، أكد المحلل الليبي، أنها لقاءات نمطية متوقعة لن تفضي إلى أي تقدم، مشيرًا إلى أن البعثة الأممية إذا كانت تريد الخروج بحل للأزمة الليبية يجب عليها العودة لخارطة طريق ملتقى الحوار وتطبيق مخرجات مؤتمري برلين؛ فحل الأزمة الليبية موجود بين ثنايا هذه المخرجات التي اتفق عليها المجتمع الدولي وارتضاها الفرقاء الليبيون.
تحديات وألغام
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، إن المبعوث الأممي أمام الكثير من التحديات؛ أبرزها:
أولًا: معالجة الشروخ والألغام التي تركها أسلافه من المبعوثين الذين جدروا الانقسام بين الأطراف المحلية، وكانوا سببًا في شيطنة الجيش الليبي.
ثانيًا: الاهتمام باللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 + 5) والتي تهدف إلى معالجة توحيد المؤسسة العسكرية وترحيل المرتزقة والوجود الأجنبي على الأراضي الليبية.
ثالثًا: دعم التوصل إلى قاعدة دستورية بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، ودعم المفوضية العليا للانتخابات وإبعادها عن التجاذبات السياسية أو الهيمنة الغربية.
ثالثًا: محاربة الفساد والفاسدين بإعداد قوائم عن جرائم النهب وإحالتها لمجلس الأمن الدولي، ومناشدة الدول لإرجاع الأموال المنهوبة.
رابعًا: دعم مجلس النواب والدولة في اختيار حكومة تكنوقراط للإشراف على الانتخابات وإبعاد المحاصصة الجهوية أو القبلية عن هذه الحكومة التي يحدد عمرها بـ6 أشهر غير قابلة للتمديد.
خامسًا: إبعاد كل الشخصيات الفاشلة والسابقة التي تولت مناصب منذ عام 2011، فلا جدوى من لقاءات المبعوث الأممي الجديد بالدبيبة ولا المنفي ولا السايح.
سادسًا: الدفع بعناصر شابة من التكنوقراط لتولي حكومة مصغرة جديدة تتولى تسيير الدولة وتنظيم الانتخابات في خلال الستة أشهر من عمرها.