تظاهرات ليبيا تتحول إلى عصيان مدني... الجيش يتدخل وتحذيرات غربية أممية
الاحتجاجات الغاضبة في ليبيا، التي بدأت أول أمس الجمعة، استمرت حتى السبت، إلا أنها شهدت تحولا كبيرًا بعد أن أقدم بعض المتظاهرين على إغلاق مبنى المجلس البلدي لمدينة مصراتة غربي البلاد بالسواتر الترابية.

السياق
تطورات متسارعة على طريق الأزمة الليبية الحافل بالأشواك، كشفت تحديات جوهرية تواجه البلد الإفريقي، مع بقاء جميع السيناريوهات مفتوحة.
ليبيا -التي لم تجد منذ قرابة 12 عامًا طريقًا للسلام- تحوَّلت الأحداث فيها خلال اليومين الماضيين، مع اندلاع احتجاجات غاضبة يوم الجمعة، استمرت وتيرتها حتى مساء السبت، إلا أنها أخذت منحى مختلفًا بعد أن تحولت إلى أعمال عنف ضد المؤسسات الحكومية، لتصل إلى ذروتها بإعلان العصيان المدني في جميع أرجاء البلد الإفريقي.
فالحراك الذي يطلق على نفسه «حراك بالتريس»، الذي أعلن الجمعة انطلاق الاحتجاجات في جميع أرجاء ليبيا، وجدت دعوته استجابة كبيرة وشبه منظمة من الشباب، إلا أنه بعد تأخر تنفيذ المطالب التي نادى بها، دخل في موجة تصعيد، معلنًا بدء عصيان مدني في العاصمة الليبية طرابلس.
ويطالب "حراك بالتريس" بالإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، وتفويض المجلس الرئاسي لإعلان حالة الطوارئ، وحل الأجسام السياسية، التي تعرقل الوصول إلى الانتخابات.
وتحت شعار «يسقط العملاء يسقط الخونة تسقط القوات الأجنبية»، أعلن الحراك، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، تجهيز الخيام في ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس، لبدء العصيان المدني.
وتعهد "حراك بالتريس" بمواصلة التظاهر السلمي حتى آخر رمق إلى حين تحقيق الأهداف، مشيرًا إلى أنه «سيحتل الشوارع والميادين حتى يعلنوا استقالتهم أمام العلن»، في إشارة إلى الأجسام السياسية الحالية (مجلسي النواب والدولة، وحكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا).
كيف كانت تظاهرات السبت؟
الاحتجاجات الغاضبة في ليبيا، التي بدأت أول أمس الجمعة، استمرت حتى السبت، إلا أنها شهدت تحولا كبيرًا بعد أن أقدم بعض المتظاهرين على إغلاق مبنى المجلس البلدي لمدينة مصراتة غربي البلاد بالسواتر الترابية.
وفي السياق نفسه، أقدم محتجون على حرق مقر المجلس البلدي لمدينة ترهونة غربي البلاد، في واقعة أدانتها بلدية ترهونة، مشيرة إلى أنها «صُدمت» بخبر التكسير والحرق والسرقة والاعتداء على ديوان المجلس.
في الغرب -أيضًا- شهدت مدينة القره بوللي احتجاجات غاضبة، أحرق خلالها المتظاهرون مبنى البلدية، التي هرولت إلى الإسراع لتأييد مطالب المحتجين، رغم أنها تابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة الرافضة تسليم السلطة.
العاصمة الليبية طرابلس لم تكن بعيدة عن تلك الاحتجاجات، بل كانت وقودًا لها، فبعد أن انطلقت منها يوم الجمعة، واصل المتظاهرون فيها السبت، الخروج إلى الساحات والميادين، ضد تردي الأوضاع المعيشية، بل إنهم أغلقوا العديد من الطرق بينها جزيرة إسبان بتاجوراء.
وما إن أعلن المحتجون مواصلتهم للتظاهرات، رفضًا لحكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية، حتى خرجت المليشيات التابعة للأخير عن صمتها، محاولة إرهابهم عبر إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، والقبض على آخرين.
وبينما لم تسجل المراكز الطبية القريبة من التجمعات، أية إصابات، إلا أن بعض المناطق شهدت حالات كر وفر بين المتظاهرين والمليشيات المسلحة، بحسب شهود عيان تحدثوا إلى «السياق».
كيف تفاعلت الأطراف الليبية؟
تصاعد الأحداث في ليبيا، تفاعلت معه القيادة العامة للقوات المسلحة، معلنة تأييدها للحراك الشعبي ومطالب المواطنين الداعية إلى التغيير، في ظل تفاقم الأزمة الحالية وانغلاق الأفق وتدني المستوى الخدمي والمعيشي للمواطن.
وقال الجيش الليبي، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن «القوات المسلحة لن تخذل الشعب، ولن تتركه عرضة للابتزاز والعبث، وإنها عند وعدها له بحمايته متى اختار خارطته للخلاص والعبور نحو مستقبل يسوده الاستقرار والسلام والرخاء».
وبينما دعا إلى عدم المساس بالمرافق العامة والخاصة، أكد أنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لصيانة استقلال القرار الليبي، إذا حاول أي طرف الانفراد به، تماشيًا مع أي إرادة خارجية تسعى لفرض مشاريعها وقرارها على الليبيين.
ومن الجيش الليبي إلى المجلس الرئاسي، حاول الأخير الدخول على خط الأزمة، في لقاء مع السفير الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، لمناقشة تطورات الأوضاع السياسية والأمنية.
وقال المجلس الرئاسي، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن المنفي ناقش مع نورلاند التطورات الأخيرة في ليبيا، مؤكدًا التزام الجميع بالمحافظة على الأمن، وعدم تعريض حياة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة للضرر، مع تأكيد حق المتظاهرين السلميين في التعبير عن آرائهم، والاستماع إلى مطالبهم في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإنهاء المراحل الانتقالية.
وأكد المنفي والسفير الأمريكي أهمية التهدئة في هذه المرحلة، والوصول إلى إجراء الانتخابات في أقرب الآجال، لتجاوز حالة الانسداد السياسي الراهنة، بحسب البيان الذي لم يتطرق إلى الخطوات اللازمة لتلك التهدئة، أو أفق الوصول إلى حل سياسي.
أمريكا تتدخل
السفير الأمريكي، عرض رؤية اللقاء وتفاصيله، عبر «تويتر»، قائًلا: "من الواضح أنه لا يوجد كيان سياسي واحد يتمتع بالسيطرة المشروعة في جميع أنحاء البلاد"، مشيرًا إلى أن أي جهد لفرض حل أحادي الجانب سيؤدي إلى العنف.
وأكد الدبلوماسي الأمريكي، أن الحوار والتسوية بين الفاعلين الرئيسين هي التي تحدّد معالم الطريق للانتخابات والاستقرار السياسي، داعيًا القادة السياسيين الليبيين وداعميهم الأجانب إلى اغتنام الفرصة لاستعادة ثقة مواطنيهم بمستقبل البلاد.
وعبَّـر عن قلق الولايات المتحدة العميق من الجمود السياسي والاقتصادي والمالي، الذي أدى إلى الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد.
تحذير أممي
من القلق الأمريكي إلى القلق الأممي، كانت ليبيا حاضرة في المشهد، ببيان منسوب إلى المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، ناشد المتظاهرين تجنُّب العنف، مطالبًا القوات الأمنية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
ودعا الأمين العام الأطراف الفاعلة إلى النأي عن أي أفعال من شأنها أن تزعزع الاستقرار، حاثًا الأطراف الليبية على الوقوف جنباً إلى جنب لتجاوز الانسداد السياسي، الأمر الذي يزيد تفاقم الانقسام ويؤثر سلباً في اقتصاد البلاد.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة والمستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا ستيفاني وليامز موجودون للمساعي الحميدة والوساطة بين الأطراف، لإيجاد مخرج للانسداد السياسي، عبر تنظيم الانتخابات بإطار دستوري، في أقرب فرصة ممكنة.