معهد أمريكي: العلاقات بين واشنطن والرياض شاملة لكنها في مرحلة من عدم اليقين
رغم التوترات الحالية في العلاقة بين السعودية والولايات، ستظل طويلة الأمد وواسعة النطاق، لكنها في الوقت الحالي تمر بحالة من عدم اليقين.

ترجمات-السياق
رصد معهد دول الخليج العربي في واشنطن العلاقات الأمريكية السعودية، قائلاً إنها -رغم التوترات الحالية- ستظل طويلة الأمد وواسعة النطاق، لكنها في الوقت الحالي تمر بحالة من عدم اليقين.
وأشار المعهد، في تقرير بموقعه الإلكتروني، إلى كلية الملك عبدالعزيز الحربية، التي قال إنها تمثل نمطاً جديداً في دول الخليج، إذ يركز التعليم والتدريب المُقدم فيها على التدريبات الاستراتيجية وتطوير المهارات القتالية للطلبة، ما يؤدي إلى تحويل مسار التدريبات التكتيكية، التي عادةً ما تقدمها الكليات العسكرية في منطقة الخليج، حيث تشبه العديد من هذه الكليات العسكرية الجديدة نظيراتها في الغرب، خاصة تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
وأضاف المعهد أنه من أجل تبني هذه المناهج الجديدة، فإن العديد من دول الشرق الأوسط، مثل الإمارات العربية المتحدة وتونس ولبنان والأردن، تعمل مع مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية(NESA)، وهي مؤسسة بارزة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، إذ تتمثل مهمة هذا المركز في تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأدنى وجنوب آسيا، لكن ينظر هذا البرنامج إلى ما هو أبعد من المعدات والمهارات التكتيكية المُستخدمة في الدفاع العسكري، مع منح الأولوية لتنمية الموارد البشرية.
ويقود (NESA) العديد من البرامج وورش العمل لتطوير تلك الموارد البشرية، ويقوم، بالتعاون مع الحكومات الأجنبية، بوضع مناهج للجامعات العسكرية والكليات الحربية تركز على تدريس المهارات الاستراتيجية والتشغيلية.
شراكات جديدة
ووفقاً للمعهد، فإن وزارة الدفاع السعودية تعمل مع (NESA) منذ عام 2012، في واشنطن والرياض، إذ إنه عام 2017، أطلقت الوزارة السعودية اتفاقية جديدة مع المركز للتعاون في وضع استراتيجيات لتعزيز المؤسسات العسكرية السعودية، كانت هذه الاتفاقية جزءًا من مبادرة المملكة الأوسع لتعزيز صناعة الدفاع المحلية، كما استضافت الوزارة معرض الدفاع العالمي في مارس الماضي، ووقعت عقوداً لتأمين أنواع من الذخيرة للجيش السعودي، ولزيادة الإنتاج المحلي، وأسست الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية للوصول إلى الهدف المتمثل في توطين أكثر من 50% من الإنفاق العسكري للمملكة.
وبينما تركزت الجهود السابقة على الاستثمار المالي في الجيش السعودي، فإن اتفاقية وزارة الدفاع السعودية مع (NESA) تعمل على تعزيز تدريب وتعليم العسكريين السعوديين، إذ نقل المعهد عن مصدر مطلع على المشروع، لم يكشف هويته، قوله: "يبدو أن الجيش السعودي يرغب في أن يرتقي مستواه إلى المستوى الذهبي وأن يحصل على الاعتماد الدولي".
ففي يناير 2020، وقَّع الجيش السعودي مذكرة تفاهم مع (NESA) للمساعدة في تطوير المؤسسات العسكرية المهنية السعودية، بما في ذلك البنية التحتية والمناهج الدراسية في الكليات الحربية والجامعات العسكرية.
وأضاف المعهد أن هدف المملكة في قطاع الدفاع يتمثل في إنشاء أربع مؤسسات عسكرية: كلية القيادة والأركان المشتركة، وكلية الحرب، ومعهد البحوث، ومركز تنمية القيادة، ناقلاً عن نائب مدير (NESA) ديفيد لام قوله: "المركز وافق على تقديم خطة لإنشاء هذه المؤسسات والتوصية بدورات يتم تدريسها في الكلية الحربية".
وأشار المعهد إلى أن هدف الطرفين إنشاء جامعة عسكرية سعودية مستقلة تماماً ومعتمدة دولياً، وبمجرد تحقيق ذلك، فإن المركز الأمريكي سيستمر في العمل "كمستشار موثوق به" للجيش السعودي، وتوفير الموارد وأشكال المساعدة الأخرى، مثل المساعدة في التدريب وإرسال معلمي الدورات، عند الضرورة.
وتابع: "في 8 فبراير الماضي، اجتمع مكتب التنفيذ الاستراتيجي، وهو فريق مكون من موظفين من (NESA) وكلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، لتزويد وزارة الدفاع السعودية بخطة شاملة لإنشاء جامعة الدفاع الوطني في المملكة (SANDU)، وبعد أسابيع قليلة، قدم مكتب التنفيذ الاستراتيجي التصميم النهائي للجامعة، الذي تضمن كلية القيادة والأركان المشتركة، والكلية الحربية، ومركز تنمية القيادة، ومركز الدراسات الاستراتيجية.
وفي مارس الماضي، استضاف (NESA) كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية في واشنطن، حتى يتمكن أعضاء الفريق من التعاون بحرية مع خبراء التعليم العسكري المحترفين في الولايات المتحدة في شؤون الاعتماد، والمرافق، والبحوث، والبرامج التعليمية، وإدارة الجامعات، إضافة إلى ذلك، فإن الجيش الأمريكي يعمل مع نظيره السعودي في تدريبات مختلفة، مثل اختبارات الاستعداد القتالي، وتدريبات القوات الجوية، والتدريبات البحرية، وهي الدورات التدريبية المشتركة التي غالباً ما تحضرها جيوش الدول المجاورة، مثل مصر والأردن وإسرائيل".
مستقبل العلاقات
ورغم توقيع وزارة الدفاع السعودية للاتفاقية مع (NESA) عام 2020، فإن الولايات المتحدة والمملكة شريكتان منذ فترة طويلة، ومع ذلك، فقد شهدت العلاقات توترات خلال السنوات الأخيرة، كما أدى ابتعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن عن العائلة المالكة السعودية إلى زيادة تعقيد العلاقة بين البلدين، ما أدى إلى جمود العلاقات الدبلوماسية بينهما، حسب المعهد.
ورأى المعهد أن التعاون العسكري الأمريكي الوثيق مع المملكة العربية السعودية، يثير تساؤلات بشأن المزيد من المشاركة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في وقت تواجه فيه الإدارة الأمريكية ضغوطاً سياسية داخلية لتجنب المزيد من الدخول في المنطقة، قائلاً إن استمرار التدخلات العسكرية الأمريكية قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من شعوب الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وتابع: "رغم هذه الرياح المعاكسة، فإنه يبدو أن الطرفين يركزان في الحفاظ على العلاقة، ففي مايو الماضي، التقى نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الذي أعاد تأكيد التزام بايدن بمساعدة المملكة في الدفاع عن أراضيها، وناقش الاثنان سبل تطوير وتعزيز التعاون المشترك ضمن الرؤية المشتركة للدولتين، وهو ما كان تذكيرًا بأنه رغم أي رياح معاكسة، فإنه لا يزال هناك اهتمام ثنائي قوي في مجالات الجهد الرئيسة، مثل التعاون الأمني والتدريبات، كما تم وضع خطط لعقد اجتماعات مستقبلية بين وفدين سعوديين رفيعي المستوى ونظرائهما الأمريكيين منتصف يونيو الجاري، وتعمل الإدارة الأمريكية أيضاً على تحديد موعد الاجتماع الأول بين الرئيس الأمريكي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وذكر المعهد أن هذه التحركات الدبلوماسية تأتي وسط استمرار المخاوف السعودية بشأن مدى التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، والرغبة في معالجة سوء التفاهم بين البلدين، في ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية والنيات الدبلوماسية لكل منهما، كما أنه رغم عمل وزارة الدفاع السعودية مع (NESA)، وهي كيان حكومي أمريكي، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان السعوديون ينظرون إلى هذه الاتفاقية على أنها علاقة بين الحكومتين، مثلما ينظر لها الجانب الأمريكي، أو أنهم يتصورون أنها مجرد علاقة تجارية، مثلما تم تنفيذ العديد من مشاريع التنمية في مختلف قطاعات الدولة.
وأوضح المعهد أن هذه المشكلات أدت إلى تعليق المشروع في الوقت الحالي، رغم الخطوات التي تم اتخاذها، إذ إنه مع وضع الخطط ورسم الخرائط، لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر لتنفيذ المشروع، حيث يسعى كل جانب إلى الحصول على توضيحات من الآخر بشأن رؤاهم طويلة المدى وأدوارهم ضمن هذه الشراكة العسكرية.
وأضاف: "يرى مؤيدو هذا المشروع أن استمراره مفيد للطرفين، بالنسبة للجانب الأمريكي، فإن تعزيز المؤسسات العسكرية السعودية سيساعد في تمكين شريك إقليمي من تأمين أراضيه والدفاع عنها، ما يؤدي إلى أن يتولى حلفاء الولايات المتحدة مسؤولية الدفاع الإقليمي، كما أن تعزيز التعاون العسكري مع المملكة سيساعد في تجنبها الاستمرار في إقامة علاقة أوثق مع روسيا، أما بالنسبة للسعوديين، فإن العمل مع (NESA) يمنح مؤسساتهم العسكرية الفرصة للحصول على الاعتماد الدولي، ورفع مكانتهم الدولية، وتسهيل تطوير صناعة الدفاع المحلية الخاصة بهم، بما يتماشى مع رؤية 2030".
ونهاية التقرير، رأى المعهد أن الوضع الحالي لمشروع (NESA-SANDU) بين المركز الأمريكي ووزارة الدفاع السعودية صورة مصغرة للوضع الحالي للعلاقات الأمريكية السعودية، لأن التصورات المتناقضة لدور البلدين في المشروع والرؤى طويلة المدى الخاصة به، فضلاً عن التصورات المتعلقة بالتوقف الذي أعقب ذلك، رمز لسوء التفاهم الناتج عن الحالة الشائكة للعلاقات الأمريكية السعودية على مستوى القيادة، ورغم التوترات الحالية ورغم أي شكوك في هذه المرحلة، فإن هذه العلاقة ستظل طويلة الأمد وواسعة النطاق، مضيفاً أن درجة وسرعة التقدم في هذا المشروع ستكون مؤشرًا مفيدًا لمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية.