2021.. عام ضعف وانحسار تنظيم الإخوان في العالم العربي
من مصر والجزائر مرورًا بالمغرب وتونس إلى اليمن وتركيا، لقي تنظيم الإخوان الإرهابي ضربات موجعة عام 2021، جعلته يعاني الانحسار، وفقدان الكثير من حواضنه الشعبية، حتى بات محاصرًا في معظم بلدان العالم العربي، لا يكاد يخرج من ضربة حتى يجد الأخرى بشكل أكثر إيلامًا.

السياق
سياساته العدوانية انقلبت عليه، فكان 2021 عام الضعف والانحسار لتنظيم الإخوان الإرهابي، الذي وجد نفسه ملفوظًا في معظم بلدان العالم العربي، وخاسرًا الكثير مما سعى خلال الـ 50 عامًا الماضية إلى اكتسابه.
فمن مصر والجزائر مرورًا بالمغرب وتونس إلى اليمن وتركيا، لقي تنظيم الإخوان الإرهابي ضربات موجعة عام 2021، جعلته يعاني الانحسار، وفقدان الكثير من حواضنه الشعبية، حتى بات محاصرًا في معظم بلدان العالم العربي، لا يكاد يخرج من ضربة حتى يجد الأخرى بشكل أكثر إيلامًا.
إخوان مصر
في مصر، كانت بداية النهاية لتنظيم الإخوان عام 2013، حينما أزاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التنظيم من حكم بلاده، إلا أن عام 2021، كان الأكثر صعوبة في تاريخ تنظيم الإخوان.
ورغم فقدان تنظيم الإخوان حاضنته الشعبية في مصر، فإن أكثر ما مثَّل ضربة قاضية للتنظيم عام 2021، صراع قمة الهرم على السلطة والمال، وتفكك صفوف التنظيم الإرهابي إلى جماعات عدة.
فالحرب التي اشتعلت في قمة هرم الإخوان، بين معسكري تركيا وبريطانيا، أدت بالتنظيم إلى الانقسام لجبهتين، الأولى جبهة الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين في تركيا، أما الجبهة الأخرى فانطلقت من لندن بزعامة القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم إبراهيم منير.
وبحسب مراقبين، فإن تنظيم الإخوان الإرهابي، فقد عام 2021 الدعم الخارجي الذي أثر فيه كثيرًا وأدى إلى إضعافه، بعد أن تراجعت الأموال التي كان يتلقاها التنظيم الإرهابي من الخارج.
وأكد المراقبون، أن الخلافات بين جبهتي منير وحسين ستتعمق، ما يفقد التنظيم الرابطة التي تجمع أوصاله.
لم يكن تراجع إخوان مصر على المستوى السياسي فقط، بل إن أذرعه الإعلامية التي تبث من تركيا، تعرضت هي الأخرى لزلزال كبير، بعد أن قررت أنقرة وقف أي برامج تحريضية تبث من أراضيها، في إطار التقارب مع القاهرة.
وبينما قررت تركيا وقف بث قناة «الشرق» و«مكملين»، لجأ أذرع الإخوان الإعلامية، معتز مطر ومحمد ناصر وغيرهما إلى منصات التواصل الاجتماعي، لبث برامجهم التي أوقفت على فضائيات الإخوان، إلا أن أنقرة كانت لهم بالمرصاد، فقررت منع ما ينشر من أراضيها، وأخطرت تلك الأذرع بأنهم غير مرغوب فيهم داخل البلاد.
إخوان ليبيا
من مصر إلى ليبيا، كان التنظيم على موعد مع خسائر فادحة، فرغم أنه نجح في فبراير 2021، في الدفع بعدد كبير من أعضائه أو مؤيديه لملتقى الحوار السياسي الليبي، فإنه كان على موعد مع فشل خطواته.
فلم ينجح الملتقى، في الهدف الذي أنشئ على أساسه، بالاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وكانت الخلافات سيدة الموقف، ما حدا بالمبعوث الأممي السابق إلى ليبيا يان كوبيتش إلى تعليق جلساته، واللجوء إلى البرلمان الليبي، الذي أصدر القوانين الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، في ضربة قاصمة لتنظيم الإخوان، الذي فشل في تمرير سمومه.
لم تكن تلك خسارته الوحيدة، بل إن التنظيم فشل في الفوز بانتخابات المجالس البلدية التي عُقدت مطلع عام 2021، ومُنيت قوائمه بخسائر فادحة، جعلته يخسر الكثير من المقاعد التي كانت بحوزته.
خسائر فادحة
ومُنيت قوائم التنظيم، في معاقله ببلديات حي الأندلس وسواني بن آدم في طرابلس الكبرى، وقصر الأخيار وزليتن، بخسارة فادحة، كما مُنيت قوائم الإخوان في انتخابات بلديتي تاجوراء وصبراتة، التي اقتلعت التنظيم الإرهابي من معاقله غربي ليبيا.
وفي محاولة من التنظيم للمراوغة والهروب من الخسائر المتكررة، ادعى حل جماعة إخوان ليبيا، في مايو الماضي، والتحول إلى جمعية سماها «الإحياء والتجديد».
وفي خطوة أخرى ضمن خطوط خسائر إخوان ليبيا، كان حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا، على موعد مع انتخاب قيادي جديد في يونيو 2021، إلا أنه سرعان ما اتهم سلفه محمد صوان بالفساد السياسي والإداري والمالي.
وبعد أيام من اختيار قائد الإخوان الجديد، سرعان ما دبت الانشقاقات في صفوف التنظيم، ما أدى إلى استقالة قياداته، الذين أسسوا حزبًا موازيًا في أغسطس 2021.
ومع إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، مواعيد الانتخابات التي كان مقررًا لها 24 ديسمبر 2021، لجأ تنظيم الإخوان إلى سياسة تهديد المفوضية ورئيسها عماد السايح، بل أغلق العديد من مكاتب المفوضية، وأعلن رفضه إجراء الانتخابات.
ولوَّح التنظيم الإرهابي باللجوء إلى العنف، حال انتخاب الليبيين القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر رئيسًا لليبيا، قائلًا على لسان رئيس ما يعرف بـالمجلس الأعلى للدولة خالد المشري: «حفتر لن يكون رئيسًا لليبيا ولو على جثث آلاف الليبيين».
ورغم إرجاء الانتخابات إلى حين، فإن التنظيم بدأ ينسج خيوطه، محاولًا الانقلاب على خارطة الطريق في ليبيا، فنادى بالاستفتاء على الدستور أولًا ثم الانتخابات البرلمانية تليها الرئاسية، في محاولة لإعادة تنظيم صفوفه، إلا أن خططه معروفة لدى الليبيين، الذين انتفضوا إلى الشوارع مطالبين بإجراء الانتخابات أولًا.
إخوان تونس
ومن ليبيا إلى الجارة تونس، كان تنظيم الإخوان على موعد مع خسارة فادحة، بعد أن أقصته قرارات الرئيس التونسي قيس في 25 يوليو الماضي، من المشهد، إثر تجميده عمل البرلمان الذي يهيمن عليه الإخوان، وتعليق حصانة نوابه.
وبعد أن اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد قراراته الاستثنائية، انتفض التونسيون إلى الشوارع تأييدًا لها، مطالبين بإزاحة تنظيم الإخوان من المشهد، بعد أن أنهك فساده المالي والإداري البلد الإفريقي.
وبينما أعلنت تونس إزاحة الإخوان من المشهد، حاول التنظيم حشد التونسيين أملًا في استعادة الحكم، إلا أن المواطنين كانوا لتلك المحاولات بالمرصاد، فلم ينخدعوا، وقرروا الوقوف إلى جانب الرئيس التونسي قيس سعيد في قراراته.
فبعد أن كتبت تونس، نهاية عصر الإخوان، أغلقت جميع المنافذ لعودتهم، وانطلقت حركة تصحيح، بإقصاء وتنظيف تلك الجماعة من المؤسسات والوزارات السيادية.
ومثل 25 يوليو 2021، بداية النهاية لتنظيم الإخوان، التي أدت إلى انشقاق أعضائه واتساع جبهات التناحر في صفوفه، وتخلي 131 قياديًا من الإخوان عن زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي.
إخوان الجزائر
ومن تونس إلى الجزائر، لم يختلف المشهد كثيرًا، فالتنظيم مُني بخسارة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في يونيو الماضي، ليصلوا إلى المركز الثالث، فمن أصل 407 مقاعد نيابية، حصلت 3 تيارات إخوانية على 114 مقعدًا نيابيًا، بـ 22% من مقاعد البرلمان الجزائري.
وتعرَّض حزب جبهة العدالة والتنمية، الذي يقوده الإخواني عبدالله جاب الله، لأكبر هزيمة في تاريخه، بحصوله على مقعدين فقط من أصل 10 مقاعد نيابية، اعتاد الحصول عليها في البرلمانات السابقة، ما يؤكد سقوط تنظيم الإخوان المدوي.
ذلك السقوط، كان بداية اندثار تدريجي له في الساحة السياسية، ترجم بشكل صريح، في نتائج أول انتخابات بلدية وولائية (مجالس المحافظات) تجرى في الجزائر بعد الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد في فبراير 2019، شهدت تراجعًا كبيرًا لتنظيم الإخوان.
فالانتخابات التي أجريت في نوفمبر 2021، التي جاءت قبل عام من انتهاء ولاية المجالس المحلية الحالية، شهدت هزيمة قاسية لتنظيم الإخوان، بينما أحدثت القوائم المستقلة مفاجأة كبيرة في الاستحقاق الدستوري.
وبحسب نتائج الانتخابات، فإن حزب جبهة التحرير الوطني حافظ على الصدارة، بفوزه بأغلبية مقاعد المجالس البلدية والولائية، بينما برزت القوائم المستقلة كلاعب أساسي، سيتولى تسيير المجالس التي فاز بها طوال خمس سنوات.
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية حينها، إن حزب جبهة التحرير الوطني حصد 5972 مقعدًا في 124 بلدية عبر 42 ولاية، و471 مقعدًا في المجالس الولائية، مشيرة إلى أنه بينما شهدت القوائم المستقلة المرشحة لهذه الاستحقاقات تراجعًا، مقارنة بتشريعيات 12 يونيو الماضي، إلا أن نتائج الصندوق أنصفت تلك القوائم.
من جانبه، قال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، إن حزب جبهة المستقبل حصل على المركز الرابع، بفوزه بـ3262 مقعدًا في المجالس البلدية، ثم حركة البناء الوطني الإخوانية التي تراجعت إلى المركز الخامس وحصدت 1884 مقعدًا، وما تسمى «حركة مجتمع السلم» الإخوانية التي حلت سادسًا بحصولها على 1820 مقعدًا، تليها جبهة القوى الاشتراكية التي حصلت على 898 مقعدًا، مع تسجيل أغلبية مطلقة في 47 بلدية عبر 7 ولايات.
أسباب الهزيمة
هزيمة «الإخوان» التي تأتي بعد أشهر من خسارتهم في الانتخابات التشريعية، فسَّرها مراقبون بأنها بسبب انتهاء العمل بنظام المحاصصة السري، الذي يعد التنظيم أحد أكثر المستفيدين منه، إضافة إلى هروب الإخوان إلى قوائم أخرى، ووقف السلطات الجزائرية منح الدعم المالي للأحزاب والتيارات في الانتخابات.
أسباب أدت إلى فشل جديد لتنظيم الإخوان، يكاد يقضي عليه في المغرب العربي، إلا أن هناك أسبابًا أخرى أدت إلى الهزيمة الثقيلة، بينها وجود بدائل محلية استطاعت إقناع الناخبين في الانتخابات المحلية، وبدء انحسار نفوذ التنظيم الدولي.
إلى المغرب، الذي لم يكن المشهد فيه بعيدًا عما جرى في العالم العربي، بل إنه لحق بقطار لافظي الإخوان، فكانت الانتخابات التشريعية والمحلية، ضربة مدوية للتنظيم، وفرحة عارمة للمغاربة الذين أقصوا الإخوان، في أعقاب ولايتين متتاليتين من تولي حزب العدالة والتنمية الإخواني الشأن الحُكومي.
فبسبب سياساته الإقصائية طوال عشر سنوات، كان يتزعم فيها المشهد السياسي، وضع المغاربة نهاية لهيمنة الإخوان على المشهد عبر صناديق الاقتراع، ليجد التنظيم نفسه محاصرًا في بلد كان يتسيد فيه دوائر الحكم.
وفي انحدار يعد الأسوأ للحزب في تاريخه، حل «العدالة والتنمية» في المركز الثامن في الانتخابات النيابية التي أجريت في سبتمبر الماضي، بعد أن كان متصدرًا المركز الأول في انتخابات 2016، في واقعة وُصفت بـ«الكارثة السياسية» للحزب.
الحزب الذي كان يشغل 125 مقعدًا نيابيًا، لا تتجاوز مقاعده في المجلس 13 مقعدًا، بحسب بيانات لوزارة الداخلية المغربية، قالت فيها إن حزب التجمع الوطني للأحرار حل في المرتبة الأولى بـ102 مقعد، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة 86 مقعدًا، وحزب الاستقلال بـ81 مقعدًا، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ35 مقعدًا، وحزب الحركة الشعبية بـ29 مقعدًا، وحزب التقدم والاشتراكية بـ21 مقعدًا، وحزب الاتحاد الدستوري بـ18 مقعدًا، وحزب العدالة والتنمية بـ13 مقعدًا، بينما حصلت الأحزاب السياسية الأخرى على 10 مقاعد.
إلا أن خسارة الحزب لم تكن في الانتخابات النيابية فقط، بل وصلت إلى أعضاء المجالس الجماعية ومجالس الجهات، التي تصدَّرها أيضًا حزب التجمع الوطني للأحرار، وجاء في الترتيب الثامن منها حزب العدالة والتنمية.
ليلة قاسية
إلا أن ليلة إعلان نتائج الانتخابات كانت قاسية على الحزب، بعد توالي الخسارات، التي جاءت أولاها من مدينة طنجة، وتلتها الدار البيضاء ومكناس، إلا أن الانكسار الأسوأ، جاء بعد خسارة الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني في الرباط.
الخسارة المدوية، دفعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إلى تقديم استقالتها الجماعية، داعية إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب.
وقالت أمانة حزب العدالة والتنمية، في بيان، إن «قرار الاستقالة يأتي في إطار تحمُّلها مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة»، مشيرة إلى أنها ستستمر «في تدبير شؤون الحزب طبقًا لمقتضيات المادة 102 من النظام الداخلي للحزب».
ردود فِعل عنيفة من المنتمين للحزب على الخسارة القاسية، أبرزها على لسان الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران، الذي قال عبر «فيسبوك»: «لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة، إلا أن يتحمَّل الأمين العام مسؤوليته ويقدِّم استقالته من رئاسة الحزب، التي سيكون نائبه ملزمًا بتحملها، إلى أن يعقد المؤتمر في أقرب الآجال الممكنة، في أفق مواصلة الحزب تحمُّل مسؤوليته في خدمة الوطن من موقعه الجديد».
عقاب قاسٍ
البرلمانية عن الحزب أمينة ماء العينين، قالت هي الأخرى عبر «فيسبوك»: على الحزب أن يعترف بهزيمته وأن يتدارس أسبابها، داعية إلى استقالة العثماني.
وأضافت ماء العينين: «لقد عاقب المغاربة الحزب، هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها بشجاعة، في بداية للتصالح معهم (..) لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلبية القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه».
وعن أسباب الخسارة، قالت ماء العنينين: «الحقيقة أن حزبنا كان طوال الفترة السابقة حزبًا كبيرًا بقيادة صغيرة»، مشيرة إلى أن من أسباب الهزيمة «صم الآذان عن صوت النقد الصادق».
وهكذا كان 2021، عام رحيل الإخوان من المشهد السياسي في البلدان العربية، التي سئمت شعوبها السياسات الإخوانية، فقررت معاقبتهم عبر صناديق الاقتراع، إلا أن العقاب كان قاسيًا، بحجم الإفساد الذي مارسه التنظيم، في الحياة السياسية والاقتصادية لتلك الشعوب.