هل تستمر الهيمنة الاقتصادية الأمريكية عالميًا بعد أوكرانيا؟

قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إن الحرب في أوكرانيا منحت واشنطن فرصة لتعزيز وتوسيع قيادتها العالمية لبقية هذا القرن، لكنها تساءلت: هل الأمن القومي والنظام السياسي للولايات المتحدة على مستوى التحدي؟!

هل تستمر الهيمنة الاقتصادية الأمريكية عالميًا بعد أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

مع مرور قرابة 5 أشهر على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي لم تضع أوزارها، مخلفة وراءها أزمة نزوح هي الأكبر والأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، أثيرت تساؤلات عن كيف أثرت الأزمة الأوكرانية في العالم سياسيًا واقتصاديًا، إضافة إلى شكل العالم بعدها.

فما بعد الأزمة التي لم تجد طريقها للسلام، لن يكون كما قبلها، نظرًا لما تسببت فيه من تغييرات كبيرة على شكل التحالفات الحالية والمستقبلية، بينها إعادة إحياة حلف الناتو، الذي أعلن وفاته سريريًا، والتفكير في هيمنة الدولار الأمريكي على الأسواق العالمية، إضافة إلى محاولات إعادة العالم لنموذج أحادي القطب.

تلك التغييرات سلَّطت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية الضوء عليها، مشككة في إمكانية استمرار الهيمنة الاقتصادية الأمريكية عالميًا بعد انتهاء حرب أوكرانيا.

 

الخيارات مفتوحة

وقال نيكولاس ك. جفوسديف، الأستاذ بكلية الحرب البحرية، في تحليل بالمجلة الأمريكية، إنه عندما يفكر شركاء الولايات المتحدة القدامى -مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل- في زيادة استخدام عملة الرنمينبي الصينية، فإن ذلك يشير إلى أنه حتى الأصدقاء سيرغبون في إبقاء جميع الخيارات مفتوحة.

وأوضح جفوسديف أن العملية العسكرية الروسية كانت صاعقة عملاقة من الكهرباء، لإعادة شحن تحالف شمال الأطلسي (الناتو) الذي أُعلن موته دماغيًا قبل بضع سنوات فقط من قِبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتنشيط مجموعة السبع التي تحولت إلى كتلة الديمقراطيات العشر الرائدة، خاصة بعد أن اجتمع الشركاء الآسيويون والأوروبيون للولايات المتحدة في فرض عقوبات صارمة على الكرملين.

لكن هذه اللحظة الجديدة من العلاج بالصدمات الكهربائية لن تدوم، بحسب نيكولاس الذي قال إنه يجب ألا يكون تركيز الجهود الأمريكية في تصحيح أخطاء التسعينيات من القرن الماضي فقط، بل يجب أن يكون محورًا للعالم الناشئ، منتصف القرن الحادي والعشرين.

 

نقاط الضعف

وبحسب التحليل الذي نشرته «ناشيونال إنترست»، فإن العملية العسكرية الروسية، التي تلت جائحة كورونا، دفعت الغرب إلى مواجهة نقاط ضعفه، المتمثلة في الاعتماد المفرط على سلاسل التوريد للمواد الخام الأكثر أهمية والمكونات النهائية التي تمر عبر الصين وروسيا.

وقال الأستاذ بكلية الحرب البحرية، إن وباء كورونا والعملية العسكرية الروسية لأوكرانيا في فبراير الماضي، تسببا في إعادة تفكير بشأن التحالفات الاقتصادية والأمن القومي، إذ أدى تفشى وباء كورونا إلى نقص رقائق الكمبيوتر والسيارات، وبضائع أخرى مهمة عالميًا.

تلك الأزمة دفعت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القول: الولايات المتحدة تسعى لإعادة العالم إلى نموذج أحادي القطب، بينما توقفت أوروبا تقريبًا عن الدفاع عن استقلالها أمام واشنطن، لافتًا إلى أن تطورات الأحداث الأخيرة في أوكرانيا تحظى بأهمية قصوى، لكونها معركة من أجل مستقبل النظام العالمي.

إلا أن الرئيس بوتين خرج في أكثر من مناسبة متحدثًا عن أن عهد أحادية القطبية انتهى، قائلاً: «أمريكا ظنت نفسها رسول الرب على الأرض، عند إعلانها الانتصار في الحرب الباردة، ويبدو أن النخب الغربية تتمسك بأشباح الماضي، وتعتقد أن هيمنتها الاقتصادية عامل استقرار للعالم».

وأشار جفوسديف إلى أن هناك فرصة سانحة تتيح للجمهور في أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا إعادة توجيه الروابط الاقتصادية بعيدًا عن موسكو وبكين، والاستثمار في تقنيات الجيل التالي، لاسيما الطاقة والأدوية، وإنتاج الغذاء وتصنيعه.

 

توازن سلمي

إلا أنه لتحقيق التوازن السلمي أمام صعود الصين، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تشكيل مجتمع ديمقراطي لا يقوم فقط على القيم المشتركة والجغرافيا السياسية، لكن على فوائد واضحة وملموسة لأعضائه، بحسب نيكولاس ك. جفوسديف الأستاذ بكلية الحرب البحرية.

وأكد أنه على الولايات المتحدة فِعل ذلك، قبل أن تعود العادات القديمة مرة أخرى، سواء بالعودة إلى الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية منخفضة التكلفة أم تكاليف إعادة توجيه سلاسل التوريد خارج مركز التصنيع الصيني، مشيرًا إلى أن الأزمة الأوكرانية أظهرت الحافز لاتخاذ إجراءات فورية، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية استمرار الصراع وارتفاع التكاليف على المدى الطويل.

من جهة أخرى أشار التحليل الذي نشرته المجلة الأمريكية، إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قد تكون علامة بارزة لأدوات الردع المالية الأمريكية، مؤكدًا أنه على عكس الاتحاد السوفييتي، تم دمج روسيا في النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة -بما في ذلك جني فوائد الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الفعلية، وقوة النظام المالي الأمريكي- وهو ما أسهم في دعم الفكرة القائلة إن القوة المالية الأمريكية كافية -جنبًا إلى جنب مع تسليح كييف- لإجبار روسيا على التراجع في أوكرانيا.

ورغم أنه قال إن القوى المالية الأمريكية ستجبر روسيا على دفع أول ثمن باهظ، فإنه قال إن النتيجة النهائية أن الصين وبعض القوى الوسطى، التي لم تلتزم بمجتمع ديمقراطي تقوده أمريكا، قد تبدأ التحوط من رهاناتها، عبر الاستمرار في استخدام الدولار الأمريكي لتكلفته المنخفضة، مع إنشاء آليات بديلة للمحور حسب الحاجة، في إشارة إلى الالتفاف على العقوبات الأمريكية ضد موسكو، وشراء النفط والمعدات الروسية.

وعن إمكانية حدوث هذا السيناريو، قال نيكولاس ك. جفوسديف الأستاذ بكلية الحرب البحرية، إن ما يؤكد ذلك، تفكير شركاء الولايات المتحدة القدامى -مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل- في زيادة استخدام العملة الصينية (الرنمينبي)، ما يشير إلى أنه حتى الأصدقاء سيرغبون في إبقاء جميع الخيارات مفتوحة.

ورأت "ناشوينال إنترست" أن أزمة أوكرانيا أظهرت أن الإجماع القوي ضد العملية الروسية في أوكرانيا -هذا الإجماع الذي يميز أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا- لا يمتد إلى أجزاء أخرى مهمة من العالم، مؤكدة أن البيئة الراهنة ستحتاج فيها الولايات المتحدة إلى التحرك للأمام، عبر أجندة قوية لاستعادة الشراكات السابقة، مع مجتمع أكثر إحكامًا وتماسكًا لن يمارس فقط قوة ردع ضد الصين وأي مستوى من القوة التي تحتفظ بها روسيا، لكن يعمل على جذب المحايدين بين القوى الوسطى، للتوافق بشكل أوثق مع الولايات المتحدة أكثر من بكين.

وشددت "ناشيونال إنترست" على أن ذلك يتطلب عملاً مستدامًا عبر إدارات عدة، وإجماعًا مستقرًا من الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- على أن ذلك يصب في المصالح الوطنية للولايات المتحدة.

وبينما قالت إن الحرب في أوكرانيا منحت واشنطن فرصة لتعزيز وتوسيع قيادتها العالمية لبقية هذا القرن، تساءلت: هل الأمن القومي والنظام السياسي للولايات المتحدة على مستوى التحدي؟!