وول ستريت: كيف استغلت إيران البنوك الدولية للحفاظ على اقتصادها؟

من خلال شبكة من الشركات الوكيلة وشركات الصرافة والوسطاء، تمتلك إيران حسابات بنكية تتعامل بشكل جماعي مع عشرات المليارات من الدولارات سنوياً في التجارة المحظورة بموجب العقوبات الأميركية، وفقاً لدبلوماسيين غربيين ومسؤولي استخبارات ووثائق شركات وكشوف مصرفية.

وول ستريت: كيف استغلت إيران البنوك الدولية للحفاظ على اقتصادها؟

ترجمات – السياق

كشف تقرير لصحيفة وول ستريت الأميركية، أن وثائق الشركات أظهرت أن البنوك الصينية والشرق أوسطية والغربية قدمت خدمات مصرفية لقطاعي الطاقة والصناعة الخاضعين للعقوبات في إيران، كجزء من جهود طهران لتوجيه رأس المال نحو اقتصادها المحاصر وتحدي الضغط الأميركي لتقييد برنامجها النووي.

وذكرت الصحيفة أنه من خلال شبكة من الشركات الوكيلة وشركات الصرافة والوسطاء، تمتلك إيران حسابات بنكية تتعامل بشكل جماعي مع عشرات المليارات من الدولارات سنوياً في التجارة المحظورة بموجب العقوبات الأميركية، وفقاً لدبلوماسيين غربيين ومسؤولي استخبارات ووثائق شركات وكشوف مصرفية.

ووفقًا لدبلوماسيين ومسؤولين إيرانيون كبار، أشارت الصحيفة، إلى أنه تم تصميم الشبكة وتنفيذها من قِبل القيادة السياسية الإيرانية، التي أدركت في وقت مبكر من عام 2011 أن البلاد بحاجة إلى إنشاء نظام للتمويل يتفادى العقوبات، لمقاومة الضغوط الدولية لكبح برنامجها النووي.

 

تفاصيل التجارة المحظورة

وعن تفاصيل التجارة المحظورة، تُظهر البيانات المصرفية ووثائق الشركات -التي راجعتها "وول ستريت جورنال"- أن بنكي إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد، وهما من أكبر البنوك في العالم من حيث الأصول، كانا من بين عدد كبير من المؤسسات التي قدمت خدمات للشركات، التي تعاملت مع التجارة المحظورة نيابةً عن كبار المصدرين الإيرانيين.

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن العقوبات الأمريكية المفروضة في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لإكراه إيران على صفقة نووية وأمنية، تمنع البنوك الدولية من إدارة حسابات الشركات الإيرانية.

وأمام ذلك -حسب الصحيفة- يخاطر المخالفون بمجموعة من العقوبات بموجب القوانين الأمريكية والمحلية واللوائح الدولية لمكافحة غسل الأموال، بما في ذلك غرامات بمليارات الدولارات وفقدان الوصول إلى الدولار وأهم الأسواق المالية في العالم، إذ تهدف هذه العقوبات -جزئيًا- إلى عزل إيران عن العملات الاحتياطية العالمية الحيوية للتجارة والاقتصاد المستقر.

ومع ذلك -تضيف الصحيفة- فإن المعاملات التي أجريت من خلال البنوك الدولية قدمت صمام تحرير حاسمًا من الضغط المالي الأمريكي، إذ وفرت لإيران الوقت لتعزيز برنامجها النووي حتى أثناء المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي فرض قيودًا على تطوير إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات.

كان ترامب أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وأعاد فرض العقوبات، على أمل دفع إيران إلى اتفاق أكثر صرامة، بينما أبقى الرئيس الحالي جو بايدن العقوبات سارية خلال المحادثات.

ويعود للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الفضل في وضع سياسات عام 2014، التي ساعدت في تسليح الاقتصاد الإيراني ضد حملات الضغط الخارجي.

 

تشديد الضغط

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن إدارة بايدن اتخذت –الخميس- خطوة نحو تشديد الضغط على إيران، من خلال فرض عقوبات على شركات عدة في الشرق الأوسط والصين، قالت وزارة الخزانة إنها شركات واجهة لعمالقة الطاقة المملوكة للدولة في طهران.

ووفقًا لوثائق ومسؤولين غربيين، فإن مكاتب الصرافة التي تسيطر عليها إيران خارج البلاد أنشأت شركات بالوكالة وحسابات مصرفية، تتمكن خلالها الشركات الإيرانية الخاضعة للعقوبات من بيع نفطها وبضائع أخرى إلى مشترين أجانب، مقابل الحصول على الدولار واليورو والعديد من العملات الأجنبية.

وحسب الصحيفة الأمريكية، "يلي ذلك، استخدام المستوردين الإيرانيين لهذه الأموال، لدفع ثمن السلع التي تحتاجها البلاد للحفاظ على الاقتصاد"، مشيرة إلى أن غرفة المقاصة الإلكترونية التي يديرها البنك المركزي الإيراني، تقوم بتسوية معاملات العملة هذه بين المُصدرين والمستوردين الإيرانيين.

ورغم كل ذلك -حسب الصحيفة- لا يمتلك مسؤولو المخابرات الغربية أي دليل على أن هذه البنوك متواطئة في السماح بالمعاملات الإيرانية الخاضعة للعقوبات، لكن كبار مسؤولي الامتثال في البنوك قالوا إن الشركات المسجلة خارج إيران، التي تحتفظ سرًا بحسابات مصرفية لشركات إيرانية، يمكن أن تتهرب من الضوابط التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال.

 

تحايل إيران

وترى "وول ستريت جورنال" أن قدرة إيران في التحايل على حصار الغرب لنظامها المالي، تُظهر حدود العقوبات المالية العالمية في وقت سعت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى استخدام قوتهما الاقتصادية لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا.

ونُقل عن وزير النقل الروسي فيتالي سافيليف -أواخر مارس- قوله: إن روسيا تسترشد بتجربة إيران، بشأن التحايل على العقوبات الغربية.

وكشفت الصحيفة الأمريكية -من خلال الوثائق التي حصلت عليها- عن معاملات لعشرات الشركات الإيرانية الوكيلة في 61 حسابًا بـ 28 بنكًا أجنبيًا في الصين وهونغ كونغ وسنغافورة وتركيا، يبلغ مجموعها مئات الملايين من الدولارات.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولي مخابرات غربية قولهم: هناك أدلة على عشرات المليارات من الدولارات من المعاملات المماثلة التي أجريت سرًا في جميع أنحاء النظام المالي العالمي، بينما حذر كبار المسؤولين الأمريكيين -مرارًا وتكرارًا في الأشهر الأخيرة- من أنه يجب على تركيا والصين وهونغ كونغ ودول أخرى، اتخاذ إجراءات صارمة ضد المعاملات الإيرانية الخاضعة للعقوبات أو المخاطرة بفرض عقوبات عليها.

وقال مسؤول امتثال كبير في بنك عالمي كبير للصحيفة: "إيران متطورة للغاية في البنية التحتية للتحايل على العقوبات".

 

اقتصاد المقاومة

وبينت "وول ستريت جورنال" أن ما سمته مفتاح "اقتصاد المقاومة"، جاء عبر إنشاء نظام مالي من شأنه أن يمكن التجارة الخارجية والتمويل الدولي من الاستمرار حتى لو تم فرض عقوبات على هذين القطاعين.

ووفقًا لمسؤولين إيرانيين كبار، ومواقع حكومية إيرانية، ومسؤولين غربيين، تتم إدارة الآلية وجهازها من قِبل الحرس الثوري، والبنك المركزي الإيراني، ومؤسسات حكومية.

ووفقًا لسجلات الشركات والمصارف، التي استعرضتها "وول ستريت جورنال" فقد احتفظ بنك إتش إس بي سي بحساب في هونغ كونغ لشركة تدعى (سكوفيلد إتش كيه)، تم تسجيلها عام 2019 في هونغ كونغ.

من جانبه، رفض ممثل لبعثة إيران لدى الأمم المتحدة مزاعم عن تورط "كيانات إيرانية" في غسل أموال، لكنه قال: "يجب التذكير بأن لإيران كل الحق -وفقًا للقانون الدولي- في كسر العقوبات غير القانونية والظالمة المفروضة على الشعب الإيراني".

وكشفت الصحيفة الأمريكية، أنه في يوليو 2020، وافقت سكوفيلد على بيع 198 طنًا متريًا من منتج بتروكيماوي مستخدم في تصنيع البلاستيك إلى مشتر هندي وافق على دفع 170 ألف دولار بحساب سكوفيلد في إتش إس بي سي.

من جانبها، وصفت وزارة الخزانة الأمريكية شركة الخليج العربي للبتروكيماويات ومقرها طهران، بأنها أكبر شركة بتروكيماويات إيرانية، وفرضت عقوبات على الشركة لدعمها المالي المزعوم للتكتل الهندسي التابع للحرس الثوري الإسلامي.

ووفقًا للمسؤولين الغربيين سالفي الذكر، فقد عملت سكوفيلد كوكيل للشركات الإيرانية، حيث تحتفظ بحسابات في بنوك أخرى، بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري الصيني.

ووفقًا لمسؤولي المخابرات الغربية ووثائق مصرفية، فقد احتفظ فرع هونغ كونغ لبنك ستاندرد تشارترد بحسابات بالدولار الأمريكي واليورو لشركتين في هونغ كونغ، تنفذان معاملات تجارية لشركة الناقلات الإيرانية الوطنية.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإنه من المتوقع أن تصل التجارة الدولية لإيران إلى مستوى قياسي بلغ 220 مليار دولار هذا العام، رغم أن معظمها محظور بسبب العقوبات الدولية، وهو ما يشير -وفقًا لمسؤولين غربيين حاليين وسابقين- إلى أن أنظمة الامتثال للبنوك تفشل في منع الجزء الأكبر من أنشطة إيران.

من جانبه، قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين –الخميس- بعد أن فرضت وزارة الخزانة عقوبات على أفراد وشركات زعمت أنهم واجهات لعملية تهريب نفط إيراني: "نعمل بقوة لمواجهة التهرب من العقوبات"، مضيفًا: "لن نتردد في استهداف أولئك الذين يقدمون دعمًا حاسمًا للحرس الثوري، أو حزب الله ويسهلون وصولهم إلى النظام المالي الدولي".