بعد عام من الكوارث الطبيعية... تحديات وآمال أمام قمة المناخ في مصر
وسط تحديات كبيرة وآمال عريضة، ومع تعالي الأصوات الداعية للدول الغنية، بتعويض الدول الأفقر والأكثر عرضة لتبعات تغير المناخ، تُعقد القمة على مدى 13 يومًا، يحضرها ممثلو نحو 200 دولة.

السياق
بعد عام قاسٍ شهد كوارث مرتبطة بتقلبات الطقس، جعلت الحاجة ماسة إلى إجراءات ملموسة، انطلقت -الأحد- قمة المناخ كوب 27 التي يستضيفها منتجع شرم الشيخ السياحي بمصر.
ووسط تحديات كبيرة وآمال عريضة، ومع تعالي الأصوات الداعية للدول الغنية، بتعويض الدول الأفقر والأكثر عرضة لتبعات تغير المناخ، تُعقد القمة على مدى 13 يومًا، يحضرها ممثلو نحو 200 دولة، بينما يجتمع رؤساء البلدان المشاركة الاثنين والثلاثاء.
وفي بداية مبشرة لقمة المناخ، وافق المندوبون المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) على مناقشة ما إذا كان يتعين على الدول الغنية تعويض الدول الفقيرة الأكثر عرضة للتضرر من تغير المناخ، خلال القمة المنعقدة في شرم الشيخ بمصر، إضافة إلى إدراج تمويل الأضرار الناجمة عن تغير المناخ رسميًا على جدول أعمال مؤتمر كوب 27.
وتقول وكالة رويترز، إن من المتوقع أن يتعلق معظم التوتر المحيط بـ(كوب27) بالخسائر والأضرار وصناديق التعويضات التي تقدمها الدول الغنية للدول المنخفضة الدخل والمعرضة لأكبر مخاطر التغير المناخي، التي لم يكن لها يد في الانبعاثات الضارة التي أدت لارتفاع درجة حرارة الأرض.
وبينما تبدأ الوفود عملية تفاوض على مدى أسبوعين، بالموافقة على جدول أعمال المؤتمر خلال جلسة افتتاحية، من المتوقع أن يدفع دبلوماسيون من أكثر من 130 دولة صوب تأسيس آليات لتسهيل التمويل، مخصصة فقط للخسائر والأضرار في "كوب27".
ولم توافق الدول المرتفعة الدخل في "كوب26" العام الماضي في جلاسجو على مقترح بتأسيس كيان تمويل للخسائر والأضرار، وأيدت -بدلًا من ذلك- إجراء حوار جديد على مدى ثلاث سنوات لمناقشات التمويل.
وزير النمو الاقتصادي في جاميكا ماثيو سامودا قال في تصريحات لوكالة رويترز: «هناك مرونة في مواقف الكثير من الدول التي لم تكن قبل عام أو اثنين على استعداد لتأييد ذلك»، بينما قال سليم الحق مدير المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية: «نعلم أن الأوروبيين يساندوننا... الآن نريد أن نعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة هي التي ستعترض على الأمر أم لا».
كلمات افتتاحية
وفي كلمته الافتتاحية، قال ألوك شارما رئيس مؤتمر الأطراف بشأن المناخ في نسخته الـ26: «أتفهم ما واجهه الزعماء في جميع أنحاء العالم هذا العام من أولويات، يجب أن نكون واضحين، لأن التقاعس عن العمل يمكنه فقط إرجاء كارثة المناخ».
وأضاف شارما: «كم يحتاج العالم وقادة العالم من نداءات للاستيقاظ بالفعل».
وبعد أن انتخب رئيسًا لمؤتمر تغير المناخ بالتزكية، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن هناك اهتماما وإسهامًا من المجتمع المدني ونشطائه بمواجهة تغير المناخ، إضافة إلى تزايد دور المرأة والمدن والحكومات، ما يؤكد أن الفرصة سانحة لوقف هذا الخطر الذي يهدد حياة الملايين في مختلف بقاع الأرض.
شكري، قال في كلمته بالجلسة الإجرائية لمؤتمر المناخ «كوب 27»: «غدًا شرم الشيخ تشهد مشاركة الرؤساء والقادة في قمة المناخ والتعهدات بمواجهة تغير المناخ، من أجل مستقبل من دون خطر وجودي»، مضيفًا أنه بعد خطوات من اجتماع القادة والرؤساء سيبدأ المشاركون أسبوعين من المفاوضات والمشاورات المهمة الحيوية «التي يجب أن نجتهد لتكون ميسرة ومنتجة».
سامح شكري ناشد الوفود الحاضرين قائلًا: إن ما نحن بصده ليس عملًا تفاوضيًا... الخسارة علينا جميعًا وليس هناك فريق يحقق مكاسب على حساب آخر»، مضيفًا أن الحفاظ على الواقع يلتزم من الجميع العمل ولا مجال للأعذار لمستقبل الأجيال القادمة، مختتمًا كلمته بقوله: «حان الوقت من أجل البشرية ومن أجل كوكبنا».
من جانبه، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عبر «تويتر»: أتطلع بكل فخر واعتزاز وتشرف بالمسؤولیة، لافتتاح فعالیات الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقیة الأمم المتحدة بمدینة شرم الشیخ.
وأضاف الرئيس المصري، أن الدورة الحالیة من قمة المناخ تأتي في توقیت وصفه بـ«الحساس للغایة، یتعرض فیھا عالمنا لأخطار وجودیة وتحدیات غیر مسبوقة، تؤثر في بقاء كوكبنا ذاته وقدرتنا على المعیشة علیه».
وأشار إلى أن ھذه الأخطار وتلك التحدیات تستلزم تحركاً سريعاً من كل الدول لوضع خارطة طریق للإنقاذ، تحمي العالم من تأثیرات التغیرات المناخية، مؤكدًا أن بلاده تتطلع لخروج المؤتمر من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفیذ بإجراءات ملموسة على الأرض، تبني على ما سبق، لاسیما مخرجات قمة جلاسكو واتفاق باریس.
الوفاء بالوعود
يأتي ذلك، بينما يعتزم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك دعوة زعماء العالم المجتمعين في قمة كوب 27 إلى عدم التراجع عن وعد حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
وقبيل توجهه إلى مصر للمشاركة في "كوب 27"، قال سوناك في بيان نشره مكتبه السبت: «عندما اجتمع العالم في جلاسكو العام الماضي، اتفقت الدول على خريطة طريق تاريخية لمعالجة الاحترار المناخي الكارثي(...) من المهم أكثر من أي وقت مضى الوفاء بهذا الوعد».
وأشار المسؤول البريطاني الذي استضافت بلاده النسخة السابقة من مؤتمر تغير المناخ، إلى أن «مكافحة تغير المناخ ليست مجرد أمر صحيح أخلاقيًا، بل أمر أساسي لازدهارنا وأمننا في المستقبل»، مؤكدًا أن العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، كشفت ضرورة الحاجة إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ما المأمول؟
تقول «فرانس 24»، إنه ينبغي خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45% بحلول عام 2030 في محاولة لحصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية، وهو أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ طموحًا.
إلا أن التعهدات الحالية للدول الموقعة على الاتفاق، حال احترامها، ستؤدي إلى ارتفاع يراوح بين 5% و10% ما يضع العالم على مسار يفضي إلى ارتفاع الحرارة 2.4 درجة مئوية نهاية القرن الحالي.
إلا أن هذا الأمر بعيد جدًا عن الهدف الرئيس لاتفاق باريس، مقارنة بالحقبة التي بدأ فيها الانسان يستخدم -على نطاق واسع- مصادر الطاقة الأحفورية من فحم ونفط وغاز، المسؤولة عن الاحترار، بينما يتجه العالم إلى زيادة قدرها 2.8 درجة مئوية في الحرارة وهو مستوى كارثي.
من جانبه، قال ألدن ميير من مركز الابحاث «إي3جي» المتابع لمفاوضات المناخ منذ فترة طويلة: «سبق أن عرفنا مراحل مشحونة جدًا» مثل انسحاب الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب من اتفاق باريس للمناخ، مضيفًا: «لكن لم يسبق لي أن رأيت شيئًا من هذا القبيل... إنها العاصفة المثلى».
وقال وائل أبو المجد الممثل الخاص للرئاسة المصرية في "كوب27": «يتفق الجميع على القول بوجوب إيجاد سبيل لحل ذلك، لكن تكمن الصعوبة في التفاصيل».
بينما قال منير أكرم سفير باكستان لدى الأمم المتحدة ورئيس مجموعة الـ77 + الصين، وهي كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 130 دولة نامية، إن «التوصل إلى اتفاق على آلية الخسائر والأضرار سيكون مقياس نجاح كوب27 أو فشله»، مؤكدًا أن «الإرادة تصنع المعجزات».
ويغيب عن القمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، في حين يحضر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مؤتمر شرم الشيخ بمحطة سريعة في 11 نوفمبر الجاري، بينما يشهد التعاون بين أكبر دولتين ملوثتين في العالم توترًا شديدًا.
ما مكاسب مصر؟
تأمل مصر، من خلال استضافة مؤتمر كوب27، الحصول على دفعة من التمويل الأخضر في وقت يعاني فيه اقتصادها، وسيسلط المؤتمر أضواء الإعلام العالمي على مصر بشكل لم يسبق له مثيل.
وسعى الرئيس عبدالفتاح السيسي تدريجيا لإعادة مصر إلى الساحة العالمية، ووعد بعصر جديد يركز على التنمية في البلاد، رغم استمرار العوامل الاقتصادية غير المواتية التي أدت إلى تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار نحو 35% منذ مارس الماضي.
وقالت حفصة حلاوة، وهي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن السلطات تريد أن تظهر أن مصر ليست دولة بعيدة عن مجريات الأمور، وأن مصر لديها القدرة، والنفوذ الدبلوماسي والتأثير، والوجود الأمني لتكون دولة محورية.
وتقول وكالة رويترز، إن وزارة الخارجية المصرية، التي تضم مجموعة من المفاوضين المحنكين، والتي يقول دبلوماسيون أجانب إنها تتمتع بقدرات أفضل بكثير مقارنة بوزارات أخرى تعمل في مجال المناخ، ترأس الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وتأمل وزارة الخارجية المصرية، الاستفادة من هذه الخبرات في المساعدة بتحقيق تقدم في مفاوضات المناخ، رغم أن الأوضاع لا تبشر بتعهدات من الدول الكبرى أو الحصول على تمويل كبير.
وقال وائل أبو المجد الممثل الخاص لرئاسة "كوب27": «نأمل أن تكون هذه لحظة فاصلة»، مشيرًا إلى أن الأبحاث العلمية تظهر أن العالم يتحرك ببطء في جميع جوانب مكافحة تغير المناخ.
وتضغط مصر من أجل تحول «عادل» في مجال الطاقة يسمح للدول الفقيرة بالتطور الاقتصادي، وتعزيز التمويل الرخيص لمواجهة آثار تغير المناخ، وتلبية مطالب الدول المعرضة للتأثر بالتغيرات المناخية بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة التي يسببها المناخ.
الأطراف الرئيسة في محادثات "كوب 27"
الصين
شهدت الصين، أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، أكثر فصول الصيف سخونة على الإطلاق هذا العام، بينما قال الرئيس شي جين بينغ في أكتوبر الماضي، إن الصين ستواصل دعم «الاستخدام النظيف والفعال للفحم».
وتقول وكالة رويترز، إن مراقبين يتوقعون أن تقدم الصين القليل من التعهدات الجديدة في "كوب27"، إذ يقول المسؤولون إن القمة التي تستمر أسبوعين يجب أن تركز على تأمين تمويل المناخ للدول النامية.
أمريكا
الولايات المتحدة تعد ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم بعد الصين، وتشارك في محادثات المناخ بعد الموافقة على تشريع محلي من شأنه أن يدر تريليونات الدولارات من الاستثمار في الطاقة النظيفة والنقل.
وبحسب «رويترز»، من المتوقع أن تضاعف بنود قانون الحد من التضخم، الذي وقعه الرئيس جو بايدن في أغسطس، كمية الطاقة النظيفة في شبكة الكهرباء بثلاثة أضعاف وتقليل انبعاثات الكربون بمليار طن سنويا بحلول نهاية هذا العقد.
الاتحاد الأوروبي
دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، تشكل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منها، قرابة 8% من الإجمالي العالمي، وتتجه نحو الانخفاض منذ سنوات.
وأدرج التكتل أهدافًا في القانون لخفض صافي الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 من مستويات عام 1990، وخفضها إلى الصفر بحلول عام 2050، لكنه لا يزال يتفاوض بشأن سياسة تنفيذ هذه الأهداف.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي دفع الجهات الرئيسة للانبعاثات لرفع أهدافها، بينما من المتوقع أيضًا أن يواجه ضغوطًا في "كوب27" لتخفيف مقاومته طويلة الأمد للتعويض عن الخسائر والأضرار.
بريطانيا
عام 2019، تعهدت بريطانيا بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، والتزمت العام الماضي بتخفيض بنسبة 78 بالمئة بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 1990.
لكنها أعلنت في أكتوبر الماضي عن جولة جديدة من تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال، وأصرت على أنها لن تتدخل في طموحاتها المناخية، بعد أن واجهت شهورًا من الاضطرابات السياسية وأزمة طاقة، يمكن أن تقوِّض أهداف المناخ في البلاد.
البلدان الأساسية
البرازيل وجنوب إفريقيا والهند والصين، تشكل هذه الكتلة من البلدان المكتظة بالسكان سريعة النمو ذات الاقتصادات شديدة التلوث، بينما طالبت كل منها الدول الغنية بمزيد من التمويل المتعلق بالمناخ، وبالإنصاف من خلال مفهوم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة».
وبينما قاومت الهند التخلي عن الفحم، وناورت مع الصين في "كوب26" العام الماضي لمنع التزامات أقوى بالانسحاب منه، من المتوقع أن تقود البرازيل المفاوضات التي تتناول بالتفصيل قواعد أسواق ائتمان الكربون، حيث تسعى إلى تحويل غاباتها الشاسعة إلى نقود.
وتسابق جنوب إفريقيا الزمن لإبرام صفقة جانبية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى لتزويدها بـ 8.5 مليار دولار للانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
كتل أخرى
تكتل 77 + الصين، يضم 77 دولة نامية والصين، ويتمسك بمفهوم أن الدول المختلفة لديها مسؤوليات مختلفة. وفي "كوب27" ستقود باكستان، التي عانت فيضانات كارثية هذا العام، المجموعة التي يتحد أعضاؤها في المطالبة بصندوق مخصص للتعويضات من الدول الغنية.
مجموعة المظلة
يشمل هذا التحالف من الدول المتقدمة من خارج الاتحاد الأوروبي أستراليا واليابان وروسيا والولايات المتحدة.
مجموعة إفريقيا
سيدفع أعضاء الأمم المتحدة في إفريقيا من أجل تمويل إضافي للمناخ، بينما يناقشون حاجة الاقتصادات المتوسعة إلى الوقود الأحفوري لزيادة قدرة الكهرباء.
وتحرص دول إفريقية عدة، بما في ذلك الدولة المضيفة، على تطوير احتياطاتها من الغاز الطبيعي، كوقود انتقالي ووسيلة للاستفادة من طلب أوروبا على الغاز ليحل محل الواردات الروسية.
منتدى البلدان الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ
تمثل هذه المجموعة 58 دولة الأكثر تعرضًا لخطر التأثيرات المناخية، بما في ذلك بنجلاديش وجزر المالديف، وتتجه إلى "كوب27" بمطلب أساسي: صندوق مخصص تساعد الدول الغنية الملوثة من خلاله الفئات الضعيفة في تحمل تكاليف "الخسائر والأضرار".
تحالف الدول الجزرية الصغيرة
يمثل التحالف، المعروف باسمه المختصر (أوسيس)، البلدان المعرضة بشكل غير متناسب لتأثيرات المناخ، لاسيما ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل.
تحالف مستقل لأمريكا اللاتينية
يتفق هذا التحالف مع البلدان النامية الأخرى، في المطالبة بمزيد من الطموح المناخي والمزيد من التمويل من الدول الغنية.
مجموعة الدول الأقل تطورًا
تضم 46 دولة معرضة لتغير المناخ، رغم مساهمتها القليلة في ذلك، وبصرف النظر عن المطالبة بمعالجة الخسائر والأضرار، تريد أقل البلدان نموًا من الدول الغنية، تقديم ضعف مبلغ تمويل التكيف وتسهيل الحصول عليه.