العاصفة اليقظة تثير أزمة في شبه الجزيرة الكورية... فهل اقتربت ساعة الصفر؟

بات التصعيد ينذر بعواقب وخيمة على استقرار شبه الجزيرة الكورية، خاصة بعد تمديد أمريكا وكوريا الجنوبية، مناوراتهما الجوية المشتركة

العاصفة اليقظة تثير أزمة في شبه الجزيرة الكورية... فهل اقتربت ساعة الصفر؟

السياق

إطلاق صواريخ بالستية ونيران مدفعية، نشر مقاتلات شبح وقاذفات استراتيجية، إرسال طائرات وتمديد مناورات، ملامح توترات تشهدها شبه الجزيرة الكورية لأول مرة منذ سنوات، وسط تصعيد من بيونغ يانغ، وتنديد من سول وواشنطن.

ذلك التصعيد، بات ينذر بعواقب وخيمة على استقرار شبه الجزيرة الكورية، خاصة بعد تمديد أمريكا وكوريا الجنوبية، مناوراتهما الجوية المشتركة التي تعد من بين الأكبر على الإطلاق، ونشر فيها الطرفان مئات الطائرات الحربية، في ما عدَّته كوريا الشمالية «خيارًا خطيرًا جداً وسيئًا».

فما أبرز التطورات؟

في أحدث عملية إطلاق صواريخ، ضمن عدد قياسي من عمليات الإطلاق نفّذتها بيونغ يانغ هذا الأسبوع، أعلن الجيش الكوري الجنوبي السبت، أن جارته الشمالية أطلقت أربعة صواريخ بالستية قصيرة المدى، في منطقة دونغريم بإقليم بيونغان، باتجاه البحر.

وقالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية في بيان إن «الجيش الكوري الجنوبي رصد إطلاق الصواريخ من تونغريم، في مقاطعة بيونغان الشمالية (غرب)، باتجاه بحر الغرب، الساعة 11.32 صباحًا حتى الساعة 11.59».

وأشارت إلى أن الصواريخ حلقت نحو 130 كيلومترًا على ارتفاع 20 كيلومترًا بسرعة قصوى 5 ماخ، مؤكدة أن سلطات الاستخبارات الكورية الجنوبية والأمريكية تجري تحليلًا مفصلًا للتحقق من تفاصيل الصواريخ، بينما يراقب الجيش تحركات كوريا الشمالية، وسط تعزيز وضع الاستعداد.

وتقول وكالة يونهاب، إن التصعيد الكوري الشمالي، يأتي احتجاجًا على التدريبات الجوية المشتركة بين سول وواشنطن «فيجيلانت ستورم» التي يتم تمديد فترتها يومًا واحدًا حتى اليوم.

وبعد رصد تحرك 180 طائرة حربية كورية شمالية، جرت تعبئتها في المجال الجوي لبيونغ يانغ، قالت رئاسة الأركان في سول، إنها نشرت بشكل سريع 80 مقاتلة عدد منها من طراز إف-35 إيه، بينما تحافظ الطائرات المشاركة في المناورات العسكرية مع الولايات المتحدة أيضًا على جهوزيتها.

وتعد المناورات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية من بين الأكبر على الإطلاق، وينشر فيها الطرفان مئات الطائرات الحربية، وتشير إلى حلقة جديدة من ارتفاع التوتر في شبه الجزيرة الكورية، بعد أن عدتها بيونغ يانغ «خيارًا خطيرًا جداً وسيئًا».

وبعد ساعات من المناورات، أطلقت كوريا الشمالية 80 قذيفة مدفعية من الساحل الشرقي للبلاد، سقطت في «المنطقة العازلة» البحرية، بحسب ما ذكر جيش سول.

وأكدت رئاسة الأركان في سول، أن إطلاق القذائف يشكل «انتهاكاً واضحاً لاتفاق 2018 بين الكوريتين الذي أنشأ المناطق العازلة للحد من التوتر».

ودفعت سلسلة عمليات الإطلاق تلك هذا الأسبوع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لتمديد مناورات «فيجيلنت ستورم»، ما أغضب بيونغ يانغ.

كيف ردت كوريا الشمالية؟

ووصفت بيونغ يانغ التدريبات التي سُميت «العاصفة اليقظة» بأنها «استفزازية وعدائية»، بينما هددت سيول وواشنطن بدفع أكبر ثمن في التاريخ.

وطالبت وزارة خارجية كوريا الشمالية الولايات المتحدة بوقف تدريباتها الجوية «المستفزة»، محذرة من أن «الاستفزازات المستمرة لابد وأن يتبعها رد فعل مستمر».

وبعد سويعات من تهديدها، أطلقت بيونغ يانغ نحو 30 صاروخًا بالستيًا 2 و3 من نوفمبر الجاري، بينها صاروخ سقط قرب المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية، للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953.

وتفصيلًا، أطلقت كوريا الشمالية ما لا يقل عن 23 صاروخًا في البحر الأربعاء، بما في ذلك الصاروخ الذي هبط على بعد أقل من 60 كيلومترًا قبالة سواحل كوريا الجنوبية، والخميس أطلقت صاروخًا بالستيًا عابرًا للقارات من طراز هواسونغ-17، إلا أن الصاروخ ذا المراحل الثلاث فشل في التحليق بشكل طبيعي وسقط في البحر الشرقي، بعد أن نجح في فصل الصاروخ في المرحلتين.

كيف ردت سول وواشنطن؟

ودانت الولايات المتحدة إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا بالستيًا عابرًا للقارات، وعدته «غير قانوني ومزعزعًا للاستقرار»، بينما تعهدت سيول وواشنطن باتخاذ مزيد من الخطوات لإظهار عزمهما وقدراتهما في مواجهة تهديدات الشمال المتزايدة.

ويرى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ذلك التصعيد الكوري الشمالي بأنه «اجتياح أرضي بحكم الواقع»، بينما رأت نائبة المتحدث باسم وزارة التوحيد في سول لي هيو جونغ -الجمعة- أن استفزازات بيونغ يانغ «خصوصاً خلال فترة الحداد الوطني لدينا، ضد الإنسانية»، في إشارة إلى التدافع الذي أودى بحياة 156 شخصًا في سيول خلال الاحتفال بهالوين.

وأضافت أن «الحكومة تدين بشدة كوريا الشمالية بسبب تهديداتها واستفزازاتها المستمرة، رداً على مناوراتنا السنوية والدفاعية، ما يزيد التوترات في جميع أنحاء شبه الجزيرة الكورية»، وعزت تصاعد التوترات إلى «التطور المتهور للأسلحة النووية والصاروخية» في بيونغ يانغ.

بينما قالت وكالة يونهاب للأنباء إن القوات الجوية الأمريكية تعتزم نشر قاذفات بي-1 بي الاستراتيجية –السبت- في المناورات العسكرية الجارية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

وقالت يونهاب إن هذه أول طائرات من هذا النوع يتم نشرها في تدريبات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية منذ عام 2017، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بأربعة من هذه المقاتلات في جزيرة جوام الأمريكية غربي المحيط الهادي منذ أواخر أكتوبر الماضي.

كانت كوريا الجنوبية قد طلبت من الولايات المتحدة تكثيف نشر «الأسلحة الاستراتيجية التي تشمل حاملات طائرات وغواصات نووية وقاذفات بعيدة المدى مثل بي-1 بي».

ولم تكتف كوريا الجنوبية بتدريبات «العاصفة اليقظة»، بل إن الجيش الكوري الجنوبي أعلن أنه سيجري تدريباته السنوية المسماة «تايجوك» الأسبوع المقبل، لتحسين الأداء في زمن الحرب، وإدارة الأزمات.

وتجرى هذا التدريبات بتقنية المحاكاة عبر الكمبيوتر، وتهدف إلى تعزيز القدرة على تنفيذ مهام عملية، تحسباً لتهديدات مختلفة مثل الأسلحة النووية والصواريخ الكورية الشمالية واستفزازاتها الأخيرة.

تفسير ردود أفعال كوريا الشمالية

وبحسب محللين، فإن كوريا الشمالية تنظر إلى المناورات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على أنها تدريبات لغزو أراضيها أو إطاحة نظامها.

وأكد المحللون، أن رد فعل بيونغ يانغ الغاضب جداً هذه المرة يعود إلى مشاركة طائرات شبح متطورة من طراز F-35A وF-35B في تدريبات «العاصفة اليقظة»، التي تُعد أداة مثالية لتنفيذ ضربات بهدف القضاء على قادة كوريا الشمالية.

وفي سبتمبر الماضي، أجرت كوريا الشمالية تعديلات على عقيدتها النووية تسمح لها بتنفيذ ضربات وقائية، حال بروز تهديد وجودي لنظام كيم جونغ أون.

وبحسب العقيدة الجديدة، فإنه حال تعرض «نظام القيادة والسيطرة النووي الكوري الشمالي لخطر هجوم قوات معادية، سيتم توجيه ضربة نووية بشكل تلقائي وفوري»، بينما تحذر سول وواشنطن من أن كوريا الشمالية على وشك إجراء تجربة نووية ستكون السابعة.

وقالت هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية، إن طائرات من كوريا الشمالية تم رصدها في مواقع عدة إلى الشمال من خط الترسيم العسكري بين الكوريتين.

تطويق كوريا الشمالية

وفي محاولة من أمريكا لحرمان بيونغ يانغ من داعميها، اتهمت الولايات المتحدة، الجمعة، روسيا والصين بتوفير «حماية شاملة» لكوريا الشمالية من أي إجراءات إضافية لمجلس الأمن الدولي.

وبينما قالت واشنطن إن موسكو وبكين بذلتا قصارى جهدهما لمنع محاسبة بيونجيانج على إطلاق لصواريخ بالستية مؤخرًا، خاطبت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد البلدين قائلة: «لا يمكنك التخلي عن مسؤوليات مجلس الأمن لأن كوريا الشمالية قد تبيع لك أسلحة تدعم حربك العدوانية في أوكرانيا، أو لأنك تعتقد أنها تشكل منطقة عازلة إقليمية جيدة أمام الولايات المتحدة».

وقال دبلوماسيون إنه من غير المرجح أن توافق روسيا والصين على أي إجراء للمجلس، إزاء إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ، بينما قال سفير الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون: «يتعين على المجلس أن يلعب دورًا بناءً بدلا من التركيز على ممارسة الضغوط. وفي ظل الظروف الحالية، يجب على المجلس أن يسعى بشكل خاص لتخفيف حدة المواجهة والحد من التوترات ودعم التسوية السياسية».

ويحظر مجلس الأمن -منذ فترة طويلة- على كوريا الشمالية إجراء تجارب نووية وإطلاق صواريخ بالستية، وشدد العقوبات على بيونغ يانغ، في محاولة لقطع التمويل عن تلك البرامج.

ولكن في السنوات الأخيرة انقسم المجلس المؤلف من 15 عضوًا بشأن كيفية التعامل مع كوريا الشمالية، ففي مايو الماضي، استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد محاولة تقودها الولايات المتحدة، لفرض مزيد من عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، بسبب إطلاقها مرة أخرى صواريخ بالستية.