كيف ترى المملكة العربية السعودية العالم؟

تستعد المملكة العربية السعودية، تحت إشراف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لاقتصاد سياسي عالمي يختلف بشكل ملحوظ عن ذلك الذي تتصوره إدارة بايدن

كيف ترى المملكة العربية السعودية العالم؟

ترجمات – السياق

تساءلت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، عن الطريقة التي ترى بها المملكة العربية السعودية، العالم، وما رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء بالمملكة، لحركة عدم الانحياز الجديدة؟

يذكر أنه في الحرب الباردة الأولى كان للحياد اسم، هو عدم الانحياز، لكن في الوقت الذي تبدو فيه الدول مدعوة مرة أخرى للانحياز -بين روسيا والغرب، وقريبًا جدًا بين الغرب والصين- فإن الضغط المتبادل بين هذه القوى العظمى، قد يؤدى مرة أخرى إلى عودة حركة عدم الانحياز، والمطالبة بتطبيق أكثر عالمية للقانون الدولي.

وأوضحت المجلة الأمريكية -في تحليل لـكارين إي يونغ، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط- أنه في الخامس من أكتوبر المنصرم، وافقت منظمة البلدان المصدرة للبترول والدول العشر الشريكة لها على خفض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميًا.

وبينت أن القرار كان متوقعًا وصادمًا في آن واحد، مشيرة إلى أنه كان متوقعًا لأن أوبك+، تحت قيادة المملكة العربية السعودية، كانت قد أرسلت إشارات لضرورة خفض إنتاج النفط، لكنه كان صادمًا لأن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة شريكان أمنيان مقربان، وقد وجَّه كبار المسؤولين الأمريكيين نداءات شخصية متكررة للسعوديين لمواصلة الإنتاج.

وحسب المجلة، كان العديد من هؤلاء المسؤولين يأملون أن تتعاون الحكومة السعودية، لا سيما في ضوء ارتفاع أسعار البنزين والضغوط التضخمية الأوسع.

ووفقًا لتقرير حديث نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن كبار مساعدي الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتقدوا أن واشنطن توصلت إلى اتفاق خاص مع السعودية لزيادة الإمدادات، لكن اكتشفوا في ما بعد أن الأمر ليس كذلك، ما أصاب البيت الأبيض بالدهشة.

 

استقلال مفاجئ

وحسب "فورين أفيرز" فإنه بمجرد إعلان خفض الإنتاج، واصل صانعو السياسة والمحللون الأمريكيون انتقاد الرياض، لاستقلالها المفاجئ عن القرار الأمريكي، فضلًا عن انتقادهم بايدن لفشله في عقد الصفقات.

وأشارت إلى أن بايدن، خلال حملته الانتخابية، انتقد كثيرًا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلا أنه عاد والتقاه بالرياض في يوليو الماضي، كمحاولة لثنيه عن قرار خفض الإنتاج، إلا أن ذلك لم يحدث.

وبالنسبة لبعض المحللين الأمريكيين -حسب المجلة الأمريكية- كان قرار المملكة العربية السعودية بخفض الإنتاج، بعد تحول بايدن، دليلًا على أن الرياض لن تكون شريكًا "مطيعًا" ، وأن زيارة الرئيس الأمريكي لمحمد بن سلمان كانت خطأ سياسيًا.

على النقيض من ذلك، رأى محللون آخرون أن تحرك الرياض كان في الواقع خطأ بايدن، مشيرين إلى أن قرار خفض الإنتاج كان نتيجة متوقعة لغطرسة الإدارة في مطالبة المملكة العربية السعودية بوضع المصالح الأمريكية فوق مصالحها.

وترى "فورين أفيرز"، أن المراقبين الأمريكيين محقون في أن واشنطن اتخذت قرارات مزعجة للسعوديين، لكنْ هناك أيضًا نقص في الفهم داخل واشنطن لكيفية صياغة المملكة العربية السعودية لسياستها الاقتصادية والخارجية.

ببساطة -تضيف المجلة- تستعد المملكة العربية السعودية، تحت إشراف الأمير محمد بن سلمان، لاقتصاد سياسي عالمي يختلف بشكل ملحوظ عن ذلك الذي تتصوره إدارة بايدن.

وأشارت إلى أنه خلال استراتيجية الأمن القومي الأمريكية -الصادرة حديثًا- ركز البيت الأبيض على كيفية الفوز بمنافسة مُدارة مع الصين، وحدد تفضيل تقسيم الشراكات الاقتصادية والسياسية إلى مسارين: أحدهما مع الديمقراطيات والآخر مع الديمقراطيات التي يتم تنفيذها من خلال إطار عمل المؤسسات الدولية،

ورأت المجلة، أنه رغم أن الديمقراطيين والجمهوريين أصبحوا أقل دعمًا للشراكة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد لا تكون سبب تصدع العلاقات، مشيرة إلى أن الرياض تتخذ نهجًا مختلفًا في سياستها الداخلية والخارجية، وهو ما قد يبعدها عن الولايات المتحدة.

 

تصورات بن سلمان

أمام هذا التحول، بينت "فورين أفيرز"، أن الأمير محمد بن سلمان يتصور بلاده كلاعب من الدرجة الاولى في نظام دولي متشعب شبيه بالنظام الذي كان قائمًا خلال الحرب الباردة.

وأشارت إلى أن ولي العهد السعودي يرى أن النظام الجيوسياسي الناشئ مرن، ويتألف من مجموعة من الأجزاء المتشابكة، ويعتقد أن الرياض لها الحق في العمل مع كوكبة متغيرة من الشركاء، لتحريك الأسواق وتشكيل النتائج السياسية.

كما يعتقد بن سلمان، أيضًا -وفقًا للمجلة- أن بلاده ستضطر إلى حماية اقتصادها بقوة، مع تذبذب متطلبات الطاقة والنفط في العالم، لكن إذا نجحت، لن يتمكن أحد من منعها من شق طريق مستقل وريادة نوع مختلف من التنمية الاقتصادية.

وأوضحت المجلة، أن هذه الرؤية "حلم حركة عدم الانحياز التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي".

ورأت أن بن سلمان قد يكون مُحقًا، خصوصًا أن العالم بدأ الدخول في فترة من انعدام الأمن في مجال الطاقة، ومن ثمّ سيتزايد الطلب على الهيدروكربونات 20 عامًا على الأقل، وهو وضع يمكن أن يمنح المملكة العربية السعودية مزيدًا من القوة.

ولفتت إلى أنه بعد أن أصبح النظام الدولي أكثر مرونة، يمكن لاقتصادات السوق الناشئة بشكل عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، تطوير دور أكثر جوهرية في الشؤون العالمية.

 

عالم مفتوح

من وجهة نظر الرياض -حسب "فورين أفيرز"-  فإن المستقبل سيكون للأسواق الناشئة، مشيرة إلى أنه من عام 2011 إلى 2021، شكلت هذه الاقتصادات 67 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل اليوم 49 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.

وبينت أنه على مدى السنوات الأربع المقبلة، من المتوقع أن تنمو الاقتصادات الناشئة بمعدل 3.9 في المئة سنويًا -أسرع من تلك الموجودة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 38 دولة- وتشكل حصة متزايدة من حجم التجارة العالمية.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن المملكة العربية السعودية تعد من أهم الأسواق الناشئة في العالم، لافتة إلى أن هذا البلد موطن لاقتصاد كبير مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن امتلاكه ما يكفي من النفط للتأثير في أسعار الطاقة العالمية.

كان بن سلمان قد أعلن رؤية 2030، التي تقدم مستقبلًا طموحًا تتوقف فيه الدولة عن الاعتماد على الوقود الكربوني، وتبني مُدنًا مستقبلية يمكنها تحمل مخاطر المناخ.

ورأت المجلة، أن هذه الخطة منحت السعوديين والمسؤولين الحكوميين ثقة جديدة، لافتة إلى أن الرياض -ودول الخليج الأخرى- ترى نفسها نماذج للنمو والتنمية، ومن ثمّ يشعرون بالحاجة إلى إعادة توجيه تحالفاتهم للتحضير لنظام عالمي أقل استقرارًا، وربما حتى حقبة ما بعد أمريكا.

ورأت أن قرار الرياض عام 2016 بتنسيق أوبك مع الدول غير الأعضاء في أوبك، وتشكيل أوبك+، يُمثل السياسة التي تريدها المملكة، إذ إن أوبك+ ليست ملزمة بأي أيديولوجية أو معاهدة دولية، وإنما هو تحالف من الدول التي ترغب في التعامل مع بعضها عندما يتناسب ذلك مع مصالحهم المشتركة، حتى لو كان تحقيق أهدافهم هذه سيضعهم في تحدٍّ كبير أمام الولايات المتحدة.

 

الشراكة الروسية السعودية

وبينت "فورين أفيرز" أن الشراكة الروسية السعودية، التي تم إطلاقها كجزء من أوبك+، ترمز بشكل خاص لوجهة نظر الرياض الجديدة للسياسة الخارجية.

وأشارت إلى أن اتجاه الولايات المتحدة عام 2010 إلى إنتاج كميات أكبر من النفط الصخري، أدى إلى إغراق الأسواق العالمية وتسبب في انخفاض الأسعار، ما شكّل تحديًا لدور المملكة العربية السعودية التقليدي كمصدر مهيمن للطاقة الفائضة في أسواق النفط، وقوّض قدرة الرياض على التحكم في الإمدادات العالمية.

لكن من خلال الشراكة مع روسيا، تمكنت المملكة العربية السعودية -حسب المجلة- من التحكم في أسعار النفط مجددًا، ما أضر بالشركات الأمريكية.

ومن ثمّ فإنه من منظور تجاري، فقد منح الغزو الروسي لأوكرانيا، السعوديين مزيدًا من الأسباب لمواصلة الشراكة مع موسكو، إذ ترى الرياض أن الإجراءات المنسقة للغرب للسيطرة على واردات الطاقة الروسية وقمعها، بما في ذلك تحديد سقف أسعار النفط الروسي -من خلال تحديد كارتل للمشترين- يهدد الاقتصاد السعودي.

فمن وجهة نظر المملكة العربية السعودية والأعضاء الآخرين في أوبك +، يمكن لهذا الكارتل -نهاية المطاف- تمييز النفط الخام حسب نقطة المنشأ، وطريقة الاستخراج، ودرجة كثافة الكربون، ومن ثم تسعيره وفقًا لذلك.

وحسب المجلة الأمريكية، فإن هذه الممارسة من شأنها أن تقوض بشكل خطير سيطرة السعوديين على سوق النفط العالمي.

أمام هذه المخاوف، فإن النظرة الجديدة للأمير محمد بن سلمان للعالم، تعني أن المملكة العربية السعودية يمكنها أن توازن شراكاتها التجارية - بما في ذلك مع روسيا، جنبًا إلى جنب مع احتياجاتها الأمنية- حيث تعتمد بشدة على الولايات المتحدة.

وأشارت المجلة، إلى أن عمليات التهديد التي خرجت من العديد من المسؤولين الأمريكيين، بشأن وقف بيع الأسلحة الأمريكية للرياض، لم تقلق بن سلمان، لأنه يعلم جيدًا أن واشنطن بحاجة ماسة إلى هذه الاتفاقات لتوفير آلاف الوظائف للمواطنين.

والأهم من ذلك، أن الخليج يعيد ضبط علاقته الأمنية مع واشنطن بالفعل، خصوصًا بعد إظهار الولايات المتحدة رغبتها -منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما وخلفه دونالد ترامب- في تراجع وجودها ودورها الأمني بالمنطقة.

وحسب المجلة الأمريكية، تعرف المملكة العربية السعودية أنه ليس لديها بديل واحد إذا قطعت الولايات المتحدة إمدادات الأسلحة عنها، خصوصًا أن روسيا غير قادرة على توفير ما تحتاجه الرياض، ولذلك فهي تحاول تسريع التحول الاقتصادي الذي يربط اقتصادها بشكل أوثق بالأسواق الرئيسة، وهو جهد أظهر بالفعل بعض النجاح على الأرض.

ورأت أن قرار أوبك+ بخفض الإنتاج يخدم الاقتصاد السعودي بشكل ملموس، إذ يوفر طاقة إنتاجية فائضة للمملكة العربية السعودية، تمنحها مجالًا لزيادة الإنتاج مؤقتًا، إذا شهد الاقتصاد العالمي انخفاضًا مفاجئًا من مصدر إمداد آخر، مثل روسيا.

الأهم من ذلك -حسب المجلة- كان الهدف من القرار المساعدة في منع التقلبات الشديدة في أسعار النفط، مشيرة إلى أنه رغم ارتفاع الطلب الحالي، تشعر الحكومة السعودية بالقلق من أن رغبة العالم في النفط يمكن أن تنخفض بشكل حاد، إذا انغمس الاقتصاد العالمي في ركود أعمق وأكثر انتشارًا، خصوصًا مع استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا لأمد غير معلوم.

وخلصت "فورين أفيرز" إلى القول: "سيظل النفط جزءًا من السياسة الخارجية لكلا البلدين -السعودية والولايات المتحدة- لكنهما بالتأكيد يتجهان في اتجاهات مختلفة، ومن ثمّ فقد تجد الرياض وواشنطن قريبًا أنهما متنافستان في كثير من الأحيان -في أسواق النفط ونماذج التنمية الاقتصادية- أكثر من كونهما شريكين".