مخاوف من عودة شبح الحرب في ليبيا... هل غابت الحلول السلمية؟

قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، للسياق، إن هناك مؤشرات واقعية تدعو للقول إن اندلاع الحرب وارد، أهمها تمسك حكومة عبدالحميد الدبيبة بالاستمرار ورفض الانتخابات، إضافة إلى الصفقات العسكرية التي تحاول الحصول عليها من تركيا.

مخاوف من عودة شبح الحرب في ليبيا... هل غابت الحلول السلمية؟

السياق (خاص)

حالة من الانسداد السياسي، شقت طريقها إلى ليبيا قبل أشهر، إلا أنها تتفاقم يومًا تلو الآخر مع استمرار أزمة الحكومتين من دون حل، وسط تخوفات من تحول تلك الأزمة إلى شبح حرب.

تلك التخوفات تؤرق الليبيين، خاصة بعد أسبوع من التصريحات العسكرية المتبادلة بين شرقي البلاد وغربيها، ما دق جرس إنذار ومخاوف من شبح عودة الحرب والاقتتال، بين أبناء الوطن الواحد، ونكأ جراح عشرية من الصراعات لم تندمل.

 

فما الجديد؟

استعراض القوة العسكرية وإطلاق التهديدات، عادا من جديد إلى الساحة الليبية، الأسبوع الماضي، في حدثين، أحدهما شرقي البلاد والآخر غربيها، ما أرسى انقسامًا يحاول الليبيون تجاوزه، وكشف عن انسداد واضح في المسار السياسي، بتمسك كل الأطراف بمواقفها.

ففي كلمة ألقاها قبل أيام بمناسبة زيارته لمدينة الجفرة، وجَّه القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، تهديدات واضحة إلى تركيا، محذرًا مما وصفها بـ«حرب فاصلة لتحرير البلاد من الوجود العسكري لتركيا والمرتزقة الموالين لها».

وفي إشارة إلى تركيا قال حفتر، إن «الداعي للحرب هو الذي أنزل عساكره ومرتزقته طمعاً في ثرواتنا، وعقد صفقات العار مع من باعوا شرفهم»، في إشارة إلى حكومتي فايز السراج السابقة وتصريف الأعمال برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

وقال المشير خليفة حفتر: «إذا فشلت كل المساعي السلمية لخروج المحتلين، فليس أمامنا إلا أن نخوض معركة تحرير فاصلة من دون تردد، مهما كلفت من ثمن ووقت، وبكل ما أوتينا من قوة وإرادة»، مؤكدًا أن «الليبيين ليسوا دعاة حرب، بل دعاة سلام وتعاون بين الشعوب بعلاقات الاحترام».

القائد العام للجيش الليبي، قال إن بلاده «لن تسمح بأن تصبح ليبيا مرتعاً للقوى الاستعمارية الساعية لعلاج أزماتها المتفاقمة من ثروات الليبيين»، مشيرًا إلى أن «كل المسارات السابقة وصلت بنا إلى طريق مسدود، ولم يعد بوسعنا إلا الاعتماد على أنفسنا لتقرير مصيرنا بإرادتنا الحرة».

واتهم حفتر أطرافًا لم يحددها، بالسعي لإدارة الأزمة من دون حلها، وإطالة عمرها بحجج واهية ومبادرات مشبوهة، مشيرًا إلى أنه سيتم وضع النقاط على الحروف، واتخاذ القرار الحاسم بإرادة شعبية خالصة لتحديد المسار نحو استعادة الدولة، وبناء مؤسساتها.

تلك التصريحات الآتية من الجبهة الشرقية، قوبلت بتحركات من المعسكر الغربي، بالتزامن مع حفل أقامته السفارة التركية في ليبيا بأحد فنادق العاصمة طرابلس، بمناسبة الذكرى الـ99 لإعلان تأسيس الجمهورية التركية.

وبمشاركة الجنرال عثمان إيتاجي قائد القوات التركية في المنطقة الغربية، وخالد المشري رئيس ما يعرف بـ«الأعلى للدولة»، وحكومة تصريف الأعمال، وقيادات عسكرية من المنطقة الغربية، جرى الاحتفال، الذي وُصف بـ«تحدٍّ» واضح لكلمة حفتر، والتهديدات التي أطلقها.

 

مؤشرات واقعية

وفي محاولة من الولايات المتحدة لنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها، أبدت القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى يائيل لامبرت، خلال لقاء مع وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش بالجزائر، رفض بلادها للحل العسكري في ليبيا وعودتها لمربع الانقسام والحرب.

إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هناك مؤشرات واقعية تدعو للقول إن اندلاع الحرب وارد، أهمها تمسك حكومة عبدالحميد الدبيبة بالاستمرار ورفض الانتخابات، إضافة إلى الصفقات العسكرية التي تحاول الحصول عليها من تركيا.

وأوضح المحلل الليبي، أن من بعض المؤشرات -كذلك- التهديد التركي المستمر، مشيرًا إلى أن أنقرة لديها قوات بطرابلس تسيطر على قاعدة الوطية الجوية، إضافة إلى أن لديها بوارج حربية تجوب السواحل اللييية.

وأشار إلى أن هذه العوامل تدفع بقوة إلى نشوب الحرب، بعد فشل محاولات الحوار والمصالحة، مؤكدًا أن الأطراف المتحكمة في الغرب اللييي وتسيطر علي العاصمة ومؤسسات الدولة المالية، تريد إقصاء الجيش اللييي وإنهاءه، ما يفرض على الأخير الدفاع عن نفسه وعن سيادة البلاد المخترقة.

 

حرب جديدة

«ورغم أن الأغلبية العظمي من الشعب الليبي لا تريد هذه الحرب، لأنهم عانوا الكثير ولم يعد باستطاعتهم تحمل تبعات حرب جديدة، فإنه إذا فرضت هذه الحرب على الجيش فلا مفر من خوضها»، بحسب المحلل الليبي.

وعن الدور الأممي، قال المحلل السياسي الليبي، إن هناك دولًا ستتدخل لدعم الأطراف إذا ما وقعت هذه الحرب، مشيرًا إلى أن الصراع في ليبيا على الثروات، في ظل غياب الأمم المتحدة «التي لا تريد أي حل بل تريد إدارة الأزمة».

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاستعراض العسكري الذي أجرته القوات المسلحة، رسالة طمأنة للشعب الليبي بجاهزية الجيش لأي مبادرة يقودها الشارع من أجل إنهاء الأزمة الليبية.

إلا أنه في المقابل هناك دول إقليمية مثل تركيا لديها أطماع في مصادر الطاقة الليبية، فتقوم بتعبئة شاملة للمليشيات المسلحة غربي ليبيا، وإرسال مرتزقة وسلاح لها، بهدف اليسطره على الموانئ النفطيه وإخراج القوات المسلحة من منطقه فزان جنوبي البلاد.

وأشار إلى أن الدور التركي يهدف لزعزعة الاستقرار وخرق وقف إطلاق النار وإرباك المشهد في ليبيا، لاسيما أن المجتمع الدولي مشغول بالصراع الروسي الأوكراني، إلا أنه قال إنه مع ذلك فإن هناك فرصة للحلول السلمية، لإنهاء الانقسام والتشظي السياسي في ليبيا.

وأوضح أن تلك الحلول، منوطة بها الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الآليات التي يستخدمها المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باثيلي، إضافة للدعم الدولي هي التي ستحدد قدرته على نزع فتيل الأزمة.

وأشار إلى أن أهم العقبات التي ستقف في وجهه، الملف الأمني والسلاح المنتشر والملشيات والوجود الأجنبي على الأراضي الليبية، مطالبًا إياه بالعمل مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة ومنح الأولوية للملف الأمني قبل السياسي لحل الأزمة، والعمل على إنجاح المسار الدستوري ومنح الشعب فرصة لإيجاد حل للأزمه الليبية، لأن النخب السياسية أثبتت فشلها في إنهاء الانقسام والتشظي السياسي.

 

رسائل مباشرة

الأمر نفسه أشار إليه المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، الذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إن استعراض القوة العسكرية من جانب المشير خليفة حفتر سواء في سبها عاصمة الجنوب الليبي أم بقاعدة الجفرة في هون وسط ليبيا، رسائل مباشرة للدول المتدخلة في ليبيا، وعلى وجه الخصوص التي مازالت تحتفظ بأعداد كبيرة من المرتزقة السوريين وتحتل قواعد عسكرية غربي البلاد، بأنها لن تهنأ بهذا الاحتلال، وأن معركة تحرير التراب الليبي آتية.

«أما عن أتباع تركيا وعملائها من قبل حكومة الدبيبة والمليشات الليبية المأجورة، فهي لم تمثل يومًا تحديًا للجيش»، بحسب المحلل الليبي، الذي قال إنها «بيادق تابعة للاحتلال التركي، وباتت تحت السيطرة المباشرة للأتراك، الذين يوجهونها حسب مصالحهم، مقابل الدفاع عنهم واحتفاظهم بالسيطرة على مؤسسات الدولة في طرابلس، والاستمرار في نهب ما تبقى من خزائن ليبيا».

وأوضح المحلل الليبي، أن تصريحات المشير حفتر تعبر عن نفاد صبر الليبيين عن الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد وتحوله إلى نهب وسلب منظم لموارد البلاد بشكل غير مسبوق، وكذلك فشل البطانة السياسية الحاكمة في إخراج البلاد من أزماتها، وإمعانها في بيع سيادة البلاد لبعض القوى الأجنبية مقابل حمايتها في الاستحواذ على ثروات البلاد.

وأشار إلى أنه ليس من المستبعد أن تعود ليبيا إلى مربع الحرب، لكنها ستكون هذه المرة مركزة على طرد «المحتل الأجنبي الذي توجد قواته العسكرية شمالي غرب البلاد».

صدام عسكري

في السياق نفسه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، إن حالة الانسداد السياسي التي تعانيها ليبيا واضحة للعيان وتزداد حدتها يوما تلو الآخر.

ورغم ذلك، فإن المحلل الليبي استبعد أن يؤدي ذلك إلى صدام عسكري، مشيرًا إلى أن حالة عدم الثقة ستظل موجودة، خاصة مع تحركات حكومة عبدالحميد الدبيبة وصفقاته العسكرية مع تركيا، التي سببت حالة من عدم الاستقرار مع التخوفات من خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ظل صامدًا طوال الفترة الماضية.

وعن الحلول الممكنة، قال الأوجلي، إنها لن تكون متاحة إلا بعد تدخل دولي قوي يفرض على الأطراف الداخلية التوافق على صيغة نهائية للحل، مشيرًا إلى أن خلافًا حاليًا بين الدول المتداخلة في ليبيا، يحول دون إتمام هذه الخطوة.