هل تقضي انتخابات التجديد النصفي على آمال الفقراء الأمريكيين؟
وفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن الاقتصاد تعد القضية الأولى للناخبين، خصوصًا في ظل ارتفاع التضخم والركود المحتمل، الذي يلوح في الأفق.

ترجمات - السياق
رأت صحيفة غارديان البريطانية، أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المقررة هذا الشهر، ربما تكون لها مخاطر هائلة على الفقراء وذوي الدخل المنخفض، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تواجه أزمة مادية وأخلاقية، بينما ليس في جعبة الجمهوريون سوى الاستياء والحلول الزائفة.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن الاقتصاد القضية الأولى للناخبين، خصوصًا في ظل ارتفاع التضخم والركود المحتمل، الذي يلوح في الأفق.
ورأت الصحيفة، في تحليل للقس ويليام باربر، راعي كنيسة نورث كارولينا، زعيم الحقوق المدنية الوطنية، الناشط في مكافحة الفقر، وكارين دولان مديرة مشروع تجريم العِرق والفقر بمعهد دراسات السياسات، أن رفاهية الشعب الأمريكي معلقة على ورقة الاقتراع.
وحثت الصحيفة، ملايين الأمريكيين من الفقراء ومنخفضي الدخل على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، على أمل إطلاق العنان لسلطتهم السياسية الهائلة غير المستغلة، التي يمكن أن تكون حاسمة إذا صوتوا فقط.
وأشارت إلى أنه في خضم استمرار آثار جائحة كورونا، وتزايد التضخم، وتفاقم عدم الاستقرار المالي، تحتاج الولايات المتحدة إلى التزام قوي من جميع المرشحين لحياة أفضل للجميع (الأطفال والعائلات والكوكب كله).
ورأت الصحيفة، أنه خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2021، حصل الشعب الأمريكي بالفعل على بعض هذه الالتزامات، مشددة على ضرورة مواصلة ذلك من خلال الفائزين في الانتخابات الجديدة.
أصوات الفقراء
وذكرت "غارديان" -على لسان باربر ودولان- أن بعض أعضاء الكونغرس سمعوا أصوات الفقراء بالفعل خلال الانتخابات الماضية، مشيرة إلى أنهم قدموا استثمارات عدة -من الائتمان الضريبي إلى الرعاية الصحية إلى البنية التحتية- التي أدت في النهاية إلى انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية، مع انخفاض حالات فقر الأطفال إلى أدنى مستوى على الإطلاق.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه قبل الوباء، قدرت حملة الفقراء -التي يرأسها باربر- أن 140 مليونًا من الأمريكيين كانوا فقراء وضمن منخفضي الدخل، إلا أن خطة الإنقاذ الأمريكية والاستثمارات الأخرى خفضت هذا الرقم إلى 112 مليونًا العام الماضي، مشددة على أن ذلك "خطوة كبيرة إلى الأمام".
يذكر أن خطة الإنقاذ الأمريكية حزمة تدابير لتحفيز الاقتصاد بـ 1.9 تريليون دولار مقترحة من قِبل الرئيس جو بايدن، لتسريع عملية تعافي الولايات المتحدة من الآثار الاقتصادية والصحية الناجمة عن جائحة كورونا والركود الحالي.
ويمثل الجهد المبذول لسباق 2020 تتويجًا لسنوات من النضال من أجل التعبئة السياسية لـ 40 مليون أمريكي يعيشون يفقر في الولايات المتحدة و140 مليونًا من ذوي الدخل المنخفض.
وضمن هذا العدد الهائل من الناخبين، يميل الناس إلى التصويت بمعدل يقل بنحو 20% عن نظرائهم من مواطنيهم الأكثر ثراءً.
ولكن -حسب "غارديان"- فإنه حتى هذه المساعدات التي قدمتها خطة الإنقاذ الأمريكية، تركت ثلث الأمريكيين في ضائقة اقتصادية خطيرة، والأسوأ من ذلك أن هذه المساعدات كانت مؤقتة، إذ إنه مع انتهاء صلاحية هذه البرامج، واستمرار ارتفاع تكلفة المعيشة، عادت أعداد الفقراء إلى الارتفاع مرة أخرى.
كان القس باربر قال لصحيفة غارديان: إن الأمريكيين من ذوي الثروات المنخفضة إذا تم تحقيق إمكاناتهم السياسية، ستكون لذلك تداعيات كبيرة على طريقة حكم البلاد، مضيفًا: "يمتلك الفقراء وذوو الثراء المنخفض القدرة على تغيير السياسة العامة وطبيعة السياسة في أمريكا بشكل جذري، لأنهم إذا تحركوا، يمكنك تغيير الجنوب، وإذا غيرت الجنوب فإنك غيرت الأمة".
وأضاف باربر أن القضايا التي تم تهميشها داخل الكونغرس مثل أزمة الإسكان وحقوق المرأة ووحشية الشرطة وحقوق التصويت، ستتحرك جميعها في مركز الصدارة لو بدأ هذا الجيش الضخم من الناخبين في المسيرة.
خيار سياسي
أمام ذلك، يرى باربر ودولان، أن الفقر بات (خيارًا سياسيًا)، ومن ثمّ فإنه يسقط عندما تلتزم الحكومة بالحد منه، وبالمقابل يرتفع عندما يتلاشى هذا الالتزام، لذا فإن المخاطر بالنسبة للأسر الفقيرة وذات الدخل المنخفض في الولايات المتحدة هائلة خلال انتخابات التجديد النصفي الحالية.
وأشارا إلى أن الأمر لا يقتصر على الإنفاق الاجتماعي، إذ إن الكوارث المناخية أصبحت أكثر فتكًا وأكثر تكلفة، فضلًا عن أن الحروب وقضايا سلاسل التوريد، والتلاعب في الأسعار من قِبل الشركات الكبرى، تؤدي أيضًا إلى ارتفاع التضخم، وهو ما يؤثر في الفقراء بالتبعية، ولفتا إلى أن الأنظمة الديمقراطية التي تحتاجها الشعوب لحل هذه المشكلات هي نفسها مهددة.
وأضافا: "نحن بحاجة إلى المشرعين لدينا لإظهار القيادة الأخلاقية وأن يأخذوا هذه الأزمات على محمل الجد".
وأوضحا أن البرنامج الذي أطلقه الجمهوريين باسم "الالتزام تجاه أمريكا"، رغم إظهاره (القيادة الأخلاقية)، فإنه لا يقدم أي بدائل لمعالجة المشكلات الحقيقية التي يعانيها الفقراء في البلاد.
بل على العكس من ذلك -حسب الناشطين في مكافحة الفقر- يبدو أن هذه الأجندة -وثيقة الالتزام تجاه أمريكا- تهدد أكثر برامج مكافحة الفقر فعالية، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، من خلال إشارات غامضة نحو تخصيصها.
الرعاية الصحية
وشدد باربر ودولان، على الاهتمام أكثر بالرعاية الصحية العامة من قِبل المرشحين، وأشارا إلى أن الرعاية الصحية المخصخصة ساعدت شركات الأدوية والتأمين الكبرى في تحقيق أرباح ضخمة خلال أسوأ أزمة صحية عامة منذ قرن، في إشارة لأزمة كورونا.
وأوضحا، أن عمليات الاستحواذ الخاصة على دور رعاية المسنين زادت التكاليف والوفيات بين مرضى الرعاية الطبية الذين يستخدمون تلك المرافق، وأضافا: "ما نحتاجه الآن هو المزيد من الرعاية الصحية العامة، وليست المخصخصة".
في غضون ذلك -حسب الناشطين- يعد البرنامج الجمهوري بزيادة ميزانية البنتاغون الفاحشة والمتزايدة باستمرار.
وهو ما علق عليه الناشطان في مكافحة الفقر بالقول: "لقد أنفقنا بالفعل أكثر من 21 تريليون دولار على خلال العشرين عامًا الماضية على الحرب والشرطة والمراقبة وإنفاذ الحدود حتى مع فشل برامج الرعاية الصحية والبنية التحتية والاجتماعية لدينا في مواكبة الحاجة".
وأوضحا أن ما يسمى "الالتزام تجاه أمريكا" من شأنه أن يحول المزيد من التمويل عن الأطفال والأسر بينما يتجاهل أن التهديد الأكبر للوطن هو الإرهاب الداخلي.
وانتقد الناشطان، ما وعد به برنامج "الالتزام تجاه أمريكا" بالمزيد من التخفيضات الضريبية للشركات والأثرياء، وأشارا إلى أن التخفيضات الضريبية التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للأثرياء عام 2017 مازالت سارية المفعول.
وبينا، أن هذه التخفيضات تكلف البلاد أكثر من 2.2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، ولفتا إلى أنه إذا تم تمديدها، فإنها ستكلف البلاد نحو 5.5 تريليون دولار، وهو ما يضر بالبرامج الأخرى التي تدعم احتياجات الشعب الأمريكي الأساسية.
كانت دراسة نُشرت عام 2017، أظهرت أن مشروع إصلاح النظام الضريبي الأمريكي الذي كشفت عنه إدارة ترامب سيستفيد منه بدرجة أولى أغنى أغنياء البلاد، في حين سيدفع الكثيرون من المنتمين للطبقة الوسطى ضرائب أكبر بموجب المشروع.
وقال مركز سياسات الضرائب (تاكس بوليسي) غير الربحي: إن 12% من دافعي الضرائب سيخضعون عام 2018 لزيادة في اقتطاعاتهم الضريبية بنحو 1800 دولار في المتوسط، وتشمل النسبة نحو ثلث دافعي الضرائب الذين يتراوح دخلهم بين 150 ألف دولار وثلاثمئة ألف دولار.
وحسب الناشطين، بدلاً من هدفه المعلن، فإن البرنامج الجمهوري مجرد التزام بجشع الشركات والأرباح الخاصة، بعيدًا عن مصالح الفقراء.
وشدد باربر ودولان على أن هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها الشعب الأمريكي، تتطلب "التزامًا حقيقيًا تجاه أمريكا"، وذلك "نحو أمة تضمن رفاهية جميع الأطفال والعائلات، ومجتمع يتمتع فيه جميع العمال بكرامة وأجور معيشية وإجازة مدفوعة الأجر ورعاية صحية وحق تكوين نقابات".
وختم الناشطان في مكافحة الفقر تحليلهما بالقول: "مع استمرار معاناة ثلث الأمة، يجب أن نجتمع ونطالب بالتزام حقيقي برفاهية عائلاتنا الدؤوبة من جميع المرشحين، وليس سياسة الانتقام التي يخدمها أولئك الذين ليسوا مستعدين للقيادة الأخلاقية"، وأضافا: "لن نصمت بعد الآن على حقوقنا".