تحالف بين الإمارات والهند وإسرائيل... ما شكل النظام الجديد العابر للإقليم؟
تعمل أبوظبي وتل أبيب معًا، على بناء نظام إقليمي رقمي جديد، ستشترك فيه الدولتان بشكل وثيق، أكثر من أي وقت مضى، في تطوير التقنيات الناشئة والقدرات السيبرانية.

ترجمات - السياق
كشف معهد الشرق الأوسط، عن تحالف استراتيجي بين الإمارات وإسرائيل والهند، في تصاعد قادر على تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة.
وقال معهد الشرق الأوسط -في تقرير عبر موقعه الإلكتروني- إن الديناميكيات المتعدِّدة الأطراف بين الهند وإسرائيل والإمارات، أخذت تتشكَّـل على مدى السنوات الماضية، لكنها تسارعت بوتيرة أعلى عام 2020 مع توقيع الاتفاق الإبراهيمي، ومع انتهاج تركيا سياسة أكثر عدوانية، واتساع الهوة بين باكستان والإمارات.
احتمال قائم
محمد سليمان، الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط، كاتب التقرير، قال: رغم أن القوى الثلاث مازالت لم تتبنَّ التجمع ككتلة جيوسياسية رسمية، فإن الحوار الاستراتيجي الهندي "الإبراهيمي" احتمال قائم للغاية.
ودلل سليمان على فرضيته، قائلًا: على سبيل المثال، دعت اليونان إلى حوار ثلاثي مع الهند والإمارات، متوقِّـعًا اتساع هذا الحوار ليشمل إسرائيل في المستقبل، بالنظر إلى دورها الأساس في دعم الموقف اليوناني شرقي المتوسط.
وأضاف أن الجغرافيا السياسية، قد تكون السبب الرئيس لمثل هذا الاتفاق غير المسبوق، العابر للإقليم، فلا ينبغي الاستهانة بالجغرافيا الاقتصادية أيضًا.
وأكد سليمان أن هناك تحديًا آخر، بالنسبة للتحالف الهندي الإماراتي الإسرائيلي، هو المكان الذي تقف فيه السعودية، في ما يتعلَّق بالكتلة الجيوسياسية الناشئة، حيث عزَّزت الرياض علاقاتها بالطرفين، وقد تنظر إلى هذا التجمع كفرصة استراتيجية، على المدى الطويل.
حل استراتيجي
وأشار الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط، إلى أن صعود التحالف غربي آسيا، يمكن أن يوفِّر لواشنطن حلًا استراتيجيًا للتحدي الملح للوجود الأمريكي في المنطقة، وكيفية تحقيق الكثير من الأهداف بموارد أقل، مع ربط هذه الكتلة الناشئة، بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، وتقديم السند الأمريكي لتلك المنظومة الآسيوية.
أسباب نشأة التحالف
وقال سليمان: إن الهند وإسرائيل والإمارات، ظلت تتمتع بعلاقات سطحية في مجال المعاملات، غير أن اتفاق السلام، العام الماضي، بين إسرائيل ودول عربية عدة –على رأسها الإمارات– مع محاولة تركيا العودة كزعيمة، والتباعد المتزايد بين الإمارات وباكستان، أوجدت تحالفًا غير مسبوق، ولعله غير متوقَّع بين الهند ودول الاتفاق الإبراهيمي.
وأشار إلى أن هذا الاتفاق متعدِّد الأطراف، قد يملأ الفجوة التي تُخلِّفها أمريكا في الشرق الأوسط، إذ لديه القدرة على تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة.
وأكد أنه في النظام العالمي، الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، كانت الهند وإسرائيل والإمارات، عالقة في مسار علاقات معقَّدة للغاية بسبب التاريخ والدين، وهما مبدآن راسخان وأساسيان لمراكز القوة الثلاثة.
إلا أنه منتصف القرن الماضي، ونتيجة لتقسيم الهند البريطانية وتأسيس دولة باكستان، سعت الهند إلى جذب الدول الإسلامية، فأيدت نيودلهي حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ووقفت إلى جانب الدول العربية في صراعها مع إسرائيل.
شراكة وثيقة
وأكد معهد الشرق الأوسط، أنه على مدى عقود، حافظت الإمارات وباكستان على شراكة وثيقة وقوية للغاية، إذ تستضيف أبوظبي عددًا كبيرًا من الباكستانيين المغتربين، الذين يرسلون تحويلات كبيرة إلى باكستان، إضافة إلى تقديم المساعدات المالية والقروض، مشيرًا إلى أنه في نظير سخائها، تمتَّعت الإمارات بعلاقات استراتيجية مع القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، وحصلت على دعم وتدريب عسكري وأمني شديد الأهمية من باكستان.
من جانبها، كانت لإسرائيل قدرة محدودة، على تحقيق توافق مع أعضاء حركة عدم الانحياز، بما في ذلك الهند ودول أخرى من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بسبب القضية الفلسطينية والصراع الأوسع مع الدول العربية، إضافة إلى مشاعر العداء ضد أمريكا في دول العالم النامي.
علاقات غير رسمية
وقال معهد الشرق الأوسط، إنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، نجحت إسرائيل في إقامة علاقات دبلوماسية مع الهند عام 1992، وأقامت علاقات غير رسمية مع دول خليجية عدة في التسعينات، مشيرًا إلى أنه على مدى العقدين التاليين، نمت المعاملات بين الهند وإسرائيل والإمارات ببطء.
فالهند أرادت الوصول إلى سوق العمل والنفط الإماراتي، بينما أدركت الإمارات مكانة الهند كقوة عالمية ناشئة، بحسب التقرير، الذي أكد أنه في عصر تنافس القوى العظمى، أخذت نيودلهي مكانة مركزية لطموحات أبوظبي للحصول على الاستقلال الاستراتيجي.
قناة رئيسية
وعلى جبهة أخرى، أرادت إسرائيل تحقيق تقدُّم مع جيرانها في المنطقة، ورأت الإمارات فيها قناة رئيسة لتوصيلها بواشنطن، إلا أنه رغم إدانة الهند للأعمال الإسرائيلية في الضفة العربية وقطاع غزة، فإن البلدين تجمعهما مخاوف أمنية واستراتيجية مشتركة.
المخاوف المشتركة في تل أبيب وأبوظبي –من الحركات الإسلامية إلى السياسة الخارجية التوسعية لطهران وأنقرة– أوجدت حافزًا للمضي قدمًا بخطوة غير مسبوقة، باتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين خليجيتين.
ورعت إدارة ترامب الاتفاق الإبراهيمي، بين إسرائيل والبحرين والإمارات.
الاتفاق الإبراهيمي
ومنذ توقيع الاتفاق الإبراهيمي، تعهَّد القادة الإسرائيليون والإماراتيون بمزيد من التعاون الدفاعي، بما في ذلك الدعم الإسرائيلي لبيع الولايات المتحدة لطائرات إف-35 إلى الإمارات.
علاوة على ذلك، زادت التجارة بين إسرائيل والإمارات بشكل كبير، وزار أكثر من 200 ألف إسرائيلي دولة الإمارات في هذه الفترة القصيرة.
ومن الإعلانات البارزة، كان ذلك الإعلان عن الصندوق الإبراهيمي للإمارات بـ 3 مليارات دولار، الذي يركز على الاستثمار في مجالات التعاون ذات الأولوي،ة مثل التجارة والتكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة.
وتعمل أبوظبي وتل أبيب معًا، على بناء نظام إقليمي رقمي جديد، ستشترك فيه الدولتان بشكل وثيق، أكثر من أي وقت مضى، في تطوير التقنيات الناشئة والقدرات السيبرانية.
تغيُّـرات كبيرة
وأشار إلى أن التوافق بين إسرائيل والإمارات، شرقي المتوسط والشرق الأوسط، كان يحدث بالتوازي مع التغيرات الكبيرة في الديناميات الإقليمية، بما في ذلك العلاقات المتنامية بين الخليج والهند، تحت قيادة ناريندرا مودي، وإعادة التوافق بين باكستان وتركيا.
وأوضح معهد الشرق الأوسط، أن إسلام أباد ابتعدت عن الرياض وأبوظبي، بسبب تحالفها الأوسع مع أنقرة، مشيرًا إلى أن أهم علامة على وجود تحالف جيواستراتيجي بين تركيا وباكستان، مفاوضات أنقرة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بشأن دور تركي محتمل في تشغيل وتأمين مطار كابل الدولي، بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، إذ يرتبط نجاح مهمة أنقرة في كابل بضرورة دعم إسلام أباد وتعاونها، نظرًا لنفوذ باكستان في أفغانستان، ما قد يخفِّف معارضة طالبان للخطة.
العلاقات بين الهند وتركيا، تتسم بالبرودة وعدم الثقة المتبادلة، منذ قيام العلاقات الثنائية بينهما عام 1949، فخلال الحرب الباردة، كانت نيودلهي وأنقرة على خلاف جيوسياسي، حيث كانت الهند إحدى زعامات حركة عدم الانحياز، التي تميل نحو المعسكر السوفييتي، بينما تولَّت تركيا حراسة البوابة الشرقية ضد الاتحاد السوفييتي.
وبعد نهاية الحرب الباردة، كان هناك جهد حقيقي لكسر الجليد بين نيودلهي وأنقرة، ما أدى إلى زيادة كبيرة في التجارة الثنائية والاستثمارات، والزيارات المتبادلة رفيعة المستوى من قادة البلدين.
ومع ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية المتنامية، لا يمكنها سد الفجوة بين المصالح الاستراتيجية الهندية والتركية، أو التغلُّب على صعود زعامتين لبلدين، لديهما توجُّهات أيديولوجية متناقضة، وهما رئيس الوزراء مودي والرئيس أردوغان.
وبحسب معهد الشرق الأوسط، فإن صورة الرئيس التركي أردوغان تتعارض -بصفته نصيرًا للإسلام السياسي العالمي- مع التوجُّه القومي الهندوسي لرئيس الوزراء الهندي مودي.
توتر العلاقات
ومما لا يثير الدهشة، أن تركيا كثَّفت دعمها لباكستان في قضية كشمير، منذ صعود أردوغان إلى السلطة، وأثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، انتقد أردوغان الهند لإلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير.
في المقابل، ألغى مودي رحلة مجدولة إلى تركيا، علاوة على ذلك، وبخلاف مجرد قضية كشمير، تنظر باكستان أيضًا إلى تركياـ باعتبارها شريكًا أمنيًا وموردًا للأسلحة يمكن الثقة به، خاصة بعد التدخل التركي في ليبيا وأذربيجان، وتصاعد شهرة الطائرات التركية المُسيَّـرة.
وقال التقرير، إنه في شرق المتوسط، تدعم الهند موقف اليونان ضد دبلوماسية القوارب البحرية التركية، كما كثَّـفت نيودلهي وأثينا التنسيق والتعاون العسكري.
ويقول معهد الشرق الأوسط، إنه كلما وسَّعت أنقرة وإسلام أباد شراكتهما الاستراتيجية، أصبحت تركيا المنافس الجيوسياسي للهند، أكثر من كونها شريكًا اقتصاديًا.
الهند بين إسرائيل والخليج
في ختام الحرب الباردة، سعت نيودلهي إلى علاقات ثنائية مع تل أبيب، لكنها ظلت حريصة على عدم تخريب علاقاتها بالدول العربية، وفي الآونة الأخيرة، استطاعت المودة الشخصية بين مودي وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، تحويل العلاقات الهندية الإسرائيلية إلى تحالف.
تحالف الهند وإسرائيل، تزامن مع علاقة أقوى بين الهند والخليج، حيث بدأت نيودلهي وأبوظبي التوافق أكثر في الشؤون الجيوسياسية، بما يتجاوز الركائز الثلاث التقليدية لعلاقتهما، وهي النفط والتحويلات والمغتربون.
تحالف عميق
ومن الدبلوماسية إلى الشؤون العسكرية، استطاعت نيودلهي وأبوظبي ترسيخ تحالف عميق واستراتيجي بينهما، حتى أن الإمارات دعت الهند إلى اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في أبوظبي لأول مرة عام 2019.
وفي العام نفسه، منحت الإمارات مودي أيضًا «وسام زايد»، وهو أعلى وسام مدني في دولة الإمارات.
وفي ديسمبر الماضي، ولأول مرة، زار قائد الجيش الهندي، الجنرال إم. إم. نارافاني، السعودية والإمارات، لتأكيد الجهود المبذولة، لتحويل العلاقة الثلاثية إلى ترتيبات أمنية، تشمل تدريبات عسكرية مشتركة، وشراكات أمنية واستخباراتية.
وبناءً على زيارة نارافاني للخليج، في مارس 2021، شاركت الهند في مناورة جوية استضافتها الإمارات، إلى جانب قوات جوية من السعودية والبحرين والولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية، بينما شاركت اليونان والأردن والكويت ومصر بصفة مراقب.
ونظرًا للتعاون غير المسبوق بين أبوظبي وتل أبيب، فإن إسرائيل ليست بعيدة عن الانضمام إلى هذه التدريبات العسكرية السنوية متعدِّدة الجنسيات، بحسب محمد سليمان، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط.