من أفغانستان للساحل الإفريقي.. ماذا تعني الصحوة الإرهابية الجديدة؟
يقول الدكتور محمد عبدالفضيل، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، الأستاذ الزائر بجامعة إرلانجن، إن التفجيرات والهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش في العراق، مازالت مؤثِّرة.

السياق
موجة جديدة من الإرهاب، ربما يشهدها العالم في الفترة المقبلة، بدأت ملامحها مع إعادة تموضع طالبان في أفغانستان، مع انحساب القوات الأمريكية من البلاد، ونشاط داعش في العراق مرة أخرى، الذي أسفر عن مقتل العشرات في تفجيرات انتحارية، كان آخرها في 20 يوليو الماضي، حيث تفجير سوق مدينة الصدر جنوبي بغداد، الذي أوقع 35 قتيلا وأكثر من 60 مصابًا.
ولم يقتصر الأمر على الشرق، بل وصل إلى منطقة الساحل الإفريقي، حيث بوكو حرام الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي، التي استعادت أنشطتها الإرهابية، بعد فترة كمون أعقبت أنباء عن مقتل زعيمها أبوبكر شيكاو، واستمرت في مهاجمة معسكرات دول المنطقة، إلى جانب عمليات استهداف المدنيين بشكل ممنهج.
الصورة السابقة، تثير تساؤلًا مهًما عن أبرز محدِّدات هذه الموجة، وتأثيرها، وهل يمكن أن تصبح صحوة إرهابية، تسفر عن سيطرة بعضها على الأرض؟
أفغانستان وصراع القاعدة وداعش
البداية، كانت مع تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قبل أسبوعين (صدر منتصف يوليو الماضي)، حذَّر خلاله من تمدُّد تنظيم داعش الإرهابي، في العراق وولاية خراسان الأفغانية.
التقرير الأممي، الذي صدر عن فريق الدعم التحليلي لمراقبة العقوبات، كشف عن محاولات داعش استقطاب مسلحي "طالبان" الرافضين لاتفاق السلام، بين الولايات المتحدة والحركة الأفغانية.
ولفت إلى أن الحالة الأمنية المتدهورة في أفغانستان، ساهمت في زرع داعش لخلاياها النائمة بمدن عدة مثل: نورستان، بادغيس، ساري بول، باغلان بدخشان، قندوز وكابل.
المعلومة السابقة، تفرض العودة إلى تقرير فريق المراقبة الأممي، المقدَّم إلى مجلس الأمن في يونيو الماضي، حيث كشف عن احتفاظ "القاعدة" بوجودها في 15 ولاية أفغانية على الأقل، وهو ما يعني أن أفغانستان مرشَّحة لأن تكون مسرحًا للصراع بين داعش والقاعدة، كما كان في العراق.
إعادة تموضع
الدكتور محمد عبدالفضيل، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، الأستاذ الزائر بجامعة إرلانجن، قال لـ "السياق"، إن التفجيرات والهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش في العراق، مازالت مؤثِّرة.
وأشار إلى أنه بعد هزيمة التنظيم وطرده من معاقله في الموصل والرقة، اتبع استراتيجية الانتشار في الجبال والصحاري، والانطلاق منها لتنفيذ هجماته لإسقاط المدن.
وطبقًا لعدد من التقارير المنشورة في هذا الشأن، فإن داعش فكك منظومته العسكرية، التي كانت تحتوي على ثلاثة فيالق عسكرية تحمل أسماء: "دابق" و"الخلافة" و"العسرة"، وقام ببعض الشبكات العسكرية، التي تحوي فقط 3 آلاف مسلح، تساندها بالدعم اللوجستي الخلايا النائمة في المدن الكبرى.
هذه الصورة، تشير إلى أن التنظيم لا يزال حيًا، وهذا أمر متوقَّع إذ إن التنظيم ينطلق من أفكار دينية متطرفة يؤمن بها المنضمون إليه والعاملون تحت لوائه إيمانًا راسخًا، تدفعهم إلى القتال من أجلها، وذلك يوضح الفرق بينهم وبين الجيوش العسكرية، في فلسفة النصر والهزيمة، بل إن هذا الأمر هو الذي جعل الجماعات المتطرفة الخطر الأكبر، الذي يمكن أن تواجهه الدول بإمكاناتها المتقدِّمة.
العمليات الإرهابية، التي قام بها تنظيم داعش بداية عام 2021، سواء في ساحة الطيران ببغداد، الذي أدى إلى مقتل وإصابة 130 شخصًا، أو المجزرة الإرهابية التي وقعت في محافظة "ديالى" غربي العراق، أو النشاط الملحوظ لخلايا داعش في "ديالى، وصلاح الدين، وجنوب بغداد"، كلها تؤكد إعادة تموضع هذا التنظيم، وهو ما يتطلب استراتيجيات جديدة لمواجهته، بحسب عبدالفضيل.
ويتابع الأستاذ الزائر في جامعة إرلانجن بألمانيا لـ"السياق"، أن الأمر الأكثر خطورة، هو هجوم التنظيم على السجون العراقية، لتهريب السجناء من أعضائه، خصوصًا من الأجانب الذين يحملون 14 جنسية، فهذا الأمر يتطلب التحرُّك العاجل لتفريغ هذه السجون، عن طريق حل مشكلة المقاتلين الأجانب، مع الجهات الرسمية في الدول المنتمين إليها.
داعش واختراق أفغانستان
وعلى الصعيد الأفغاني، يتابع عبد الفضيل، فإن تنظيم داعش يستغل الصراع بين الحكومة الأفغانية وطالبان، في القيام بعدد من الهجمات والتفجيرات، في مناطق مختلفة من البلاد، خاصة بعد انتشاره على الحدود بين أفغانستان والدول المجاورة.
وأشار إلى أن داعش، كان محصورا في إقليم ننجرهار الشرقي، لكنه تمدَّد في منطقة الشمال والشمال الشرقي الأفغاني، وبعد أن كان عدد مقاتلي داعش في أفغانستان عام 2018 ألف مقاتل، ارتفع العدد إلى خمسة أضعاف عام 2019، بينما يبلغ عدد مقاتلي داعش المسجونين في أفغانستان 408 أعضاء، ينتمون إلى 14 دولة بينها باكستان، إيران، تركيا، إندونيسيا، الجزائر، بنجلاديش، الهند وجزر المالديف.
الجديد في الشأن الداعشي بأفغانستان، لا يكمن فقط في الانتشار الجديد على الحدود، لكن أيضًا في ظهور كيانات وقيادات جديدة، الأمر الذي يمثِّل عبئًا إضافيًا في استراتيجية المواجهة، بحسب عبد الفضيل.
ففي أبريل الماضي، ظهر على الساحة اسم جديد لأحد قادة داعش في أفغانستان، يدعى غلام ناصر الخراساني، الذي أعلنت السلطات الأفغانية القبض عليه، وقد لعب "الخراساني" دورًا رئيسًا في الهجمات الإرهابية بالعاصمة كابل، إضافة إلى عمليات القتل والاختطاف.
صحوة طالبان
وفي ما يخص تنظيم طالبان، فالمعلومات المنشورة عن تمركزه والمناطق الواقعة تحت سيطرته، متضاربة، حيث تؤكد الحركة سيطرتها على 85% من المدن الأفغانية، بينما تنفى الحكومة الأفغانية ذلك، وتؤكد أنها مازالت تسيطر على الحدود والمدن الرئيسة والطرق السريعة.
لكن التموضع الجديد لحركة طالبان -كما قال الدكتور محمد عبد الفضيل لـ"السياق"- يشير إلى استيلائها على معبر سبين بولداك، وهو أحد أهم المعابر على الحدود مع باكستان، وأهم المنافذ لاستيراد السلع من الموانئ الباكستانية، الذي يمر منه نحو 900 شاحنة يوميًا.
وعلى الحدود الصينية، أعلنت طالبان السيطرة على مديرية "واخان"، وتمكنت من الاستيلاء عليها بسهولة، من دون اشتباكات تذكر مع القوات الأمنية الأفغانية، التي آثرت الانسحاب آنذاك إلى طاجيكستان، وهنا أعربت الصين عن قلقها من إمكانية وجود محاربين "إيغور" تمكنوا من الوصول إلى ولاية "بدخشان" وأنهم قد يهددون أمن البلاد، من خلال التسلل إلى مديرية "واخان".
داعش والقاعدة في إفريقيا
من أفغانستان والعراق إلى إفريقيا، حيث نشاط داعش والقاعدة، يقول صلاح خليل الباحث السوداني بمركز الأهرام للدراسات -في تصريحات خاصة لـ"السياق"- إن زيادة نشاط داعش غربي إفريقيا، وسيطرته على منطقة بحيرة تشاد، التي تشمل المنطقة الحدودية بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، جاء بسبب انسحاب القوات التشادية المشاركة في مكافحة الإرهاب، من تلك المنطقة.
وأشار إلى أن قوات تشاد، أكبر قوة مساهمة في الخارج، ولديها أيضًا خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب، لكنها انسحبت بعد اغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي، إضافة إلى استمالة داعش، قادة الصف الأول من مقاتلي بوكو حرام، التابعة للقاعدة والانضمام إليهم، بعد إنهاء "شهر العسل" الذي كان بينهما في التنسيق والتنظيم، في جميع العمليات التي يتم تنفيذها، في مناطق غربي إفريقيا، رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما.
وأوضح خليل -في تصريحات خاصة لـ"السباق"- أن تنظيم داعش غربي إفريقيا، كان جزءًا من بوكو حرام، لكنه انشق عنها عام 2016، بعد مبايعة أعضاء بجماعة بوكو حرام لداعش.
وتسيطر بوكو حرام على منطقة (سامبيسا)، أما تنظيم داعش فيهيمن على مناطق شمالي شرق نيجيريا، وتعد هذه المنطقة موقعًا مهمًا للأخير في شن هجمات على الجيش النيجيري.
ونوَّه خليل إلى أنه منذ انضمام قيادات الصف الأول في بوكو حرام، ومبايعتهم لأبي مصعب البرناوى زعيمًا لتنظيم داعش غربي إفريقيا، شهد الأخير تحولًا كبيرًا في مكانته وقوته.
ويرى الباحث السوداني، أن تضاؤل فرص تنظيم داعش في العراق وسوريا، ساهم في تحوله إلى شرق وغرب ووسط إفريقيا، باعتبارها مركزًا جديدًا له، وأصبح يتمدَّد مستفيدًا من علاقاته بالعديد من التنظيمات الإسلامية، التي تنشط في القارة الإفريقية.
وبحسب خليل، يمكن القول إن تنظيم داعش يتخذ من منطقة الساحل وغرب إفريقيا، مرتكزًا مهمًا في أنشطته، بفضل تحالفاته خارج المنطقة مع العديد مع الفاعلين، إضافة للبنية الاجتماعية الهشة في تلك الدول، وانتشار الأمية والفقر والجهل، وهي عوامل يستغلها تنظيم الدولة في تجنيد هؤلاء، والاستفادة منهم في تغلغله في المجتمع القبلي غربي إفريقيا.
ونفَّذ تنظيم داعش عام 2020، هجمات إرهابية بدقة عالية، قُدِّرت بنحو 43% مقارنة بالعام الذي سبقه، وهي دلالة واضحة على أن داعش -منذ تأسيسه غربي إفريقيا- تمكن من استقطاب جماعات كبيرة من القبائل، فضلًا عن تنسيقه مع بعض القبائل في التجارة غير المشروعة، وتأمينه لها لجمع الأموال والاستفادة منها، في تحفيز الشباب العاطل عن العمل وتجنيده، بحسب خليل.
يذكر أن "داعش" شن عام 2021، هجمات في 8 دول من عشر تقع جنوب الصحراء، هي: الكونغو الديمقراطية، ومالي، والنيجر، والكاميرون، وإثيوبيا، وتشاد، وبوركينا فاسو، وموزمبيق.