بريطانيا على موعد مع أسبوع حاسم.. رئيسة الوزراء تكافح لإنقاذ منصبها
رئيسة وزراء بريطانيا تكافح لإنقاذ منصبها وسط مطالبات بالبحث عن بديل.. ومخاوف من سيناريو «الأربعاء الأسود»

السياق
وسط أسبوع متوتر مع منتقدي حزب المحافظين البريطاني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء، تكافح ليز تراس لإنقاذ منصبها الذي بات رهينة لخطتها الاقتصادية المتعثرة.
فبعد بداية مضطربة لها في المنصب، تعرَّضت الثقة التي منحت لرئيسة الوزراء البريطانية للخطر، حين كشف وزير المالية البريطاني المقال كواسي كوارتينغ وليز تراس عن برنامج يميني مستوحى من خطة الرئيس الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي رونالد ريغن، بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني (50 مليار دولار) من تخفيضات ضريبية ممولة حصرًا من الديون المرتفعة.
إلا أن هذه الخطة الهادفة لخفض الضرائب، تعرضت للانهيار وجرى التخلي عنها بعد أن تراجعت الأسواق إثر ذلك، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض لملايين البريطانيين، وتراجع شعبية المحافظين في استطلاعات الرأي.
فبعد أسابيع فقط من خلافة تراس لبوريس جونسون، تسببت خطة رئيسة الوزراء البريطانية في حرب مفتوحة في الحزب الحاكم، جعلت الكثير يتساءل حول مصير رئيسة الحكومة، وسط مطالبات بضرورة استبدالها.
وفي محاولة لتفادي الانهيار الحاصل، أقالت رئيسة الوزراء البريطانية صديقها كواسي كوارتينغ من منصب وزير المالية والذي أعد معها خطة خفض الضرائب، التي تعرضت للانتقادات.
وأقرت رئيسة الحكومة البريطانية في مقالة بصحيفة «ذي صن» البريطانية بأن إقالة شريكها كان «مؤلما»، مضيفة: «لا يمكننا تمهيد الطريق لاقتصاد منخفض الضرائب وعالي النمو بدون الحفاظ على ثقة الأسواق في التزامنا بتحقيق المال السليم».
خطة جديدة
إلا أنَّ خلفه جيريمي هانت بات يعمل الآن على تفكيك التخفيضات الضريبية، محاولًا الضغط من أجل ضبط الإنفاق الصعب من قبل زملائه في مجلس الوزراء، وسط معاناة البريطانيين من أزمة تكاليف المعيشة.
ولوضع خطة موازنة جديدة من المرتقب أن تقدم في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، التقى، هانت يوم الأحد، تراس في مقر رئيسة الوزراء الريفي.
وعن ذلك اللقاء، قال هانت في مقابلة مع «بي بي سي»: «سيكون الأمر صعبًا جدًا، وأعتقد أنه يجب أن نكون صريحين مع الشعب بشأن ذلك».
وفيما دافع عن تراس بعد نكساتها ومؤتمرها الصحفي الكارثي يوم الجمعة والذي أعلنت فيه إقالة كوارتينغ، قائلًا: «كانت على استعداد للقيام بأصعب الأمور في السياسة وهو تغيير المسار (..) رئيسة الوزراء هي المسؤولة».
وفيما شككت بعض الصحف والعديد من المحافظين في قرار إقالة وزير المالية، باعتبار أن أساس سياسة تراس بات الآن في حالة خراب، امتنعت وزارة الخزانة عن تأكيد تقارير بأن هانت يخطط لتأخير تخفيض مخطط له للمعدل الأساسي لضريبة الدخل، مما يزيل إجراء آخر أساسيًا كانت أعلنت عنه الحكومة الشهر الماضي.
ونفى وزير المالية الجديد جيريمي هانت، فكرة أنه ينبغي للحزب استبدال رئيسة الحكومة بعد بداية مضطربة لها في المنصب، قائلًا إن الناخبين يريدون الاستقرار و«أسوأ شيء يمكن أن يحدث هو مزيد من عدم الاستقرار السياسي في المستويات العليا، وحملة أخرى ممتدة من أجل القيادة».
وقالت صحيفتا «صنداي تايمز» و«صنداي إكسبرس»، إن نواب حزب المحافظين قدموا ما يصل إلى مائة رسالة يعبرون فيها عن عدم ثقتهم بتراس، فيما بات معارضو رئيسة الحكومة يتحدثون حول ريتشي سوناك منافس تراس الذي هزمته في انتخابات قيادة الحزب ومنافسة أخرى هي بيني مورداونت من أجل «بطاقة وحدة» محتملة لإعادة بناء حزب المحافظين المتضرر.
وقالت صحيفة «صنداي ميرور»، إن وزير الدفاع بن والاس قد يكون مرشح تسوية آخر لمنصب رئيس الوزراء، فيما قال النائب عن المحافظين روبرت هالفون الذي دعم سوناك في تصريحات لشبكة «سكاي نيوز»: «أخشى أن تكون الحكومة قد بدت خلال الأسابيع القليلة الماضية، مثل جهاديين ليبراليين وعاملت البلاد بأسرها كنوعٍ من الفئران المخبرية لإجراء تجارب فائقة السرعة في السوق».
وأكد هالفون: «بالطبع الزملاء غير راضين عما يجرى مع هبوط في استطلاعات الرأي (..) لا مفر من أن يتحدث الزملاء (...) ليروا ما يمكن القيام به حيال ذلك».
لكن الفريق الموالي لجونسون- والذين ما زالوا غاضبين من عدم ولاء سوناك المفترض للزعيم السابق الذي واجه فضائح- حذروا من اختيار يقضي على أعضاء حزب المحافظين على مستوى القاعدة، مشيرين إلى أن الحزب سيواجه ضغوطًا لا تقاوم لإجراء انتخابات عامة مبكرة.
أسبوع حاسم
وبحسب «فرانس 24»، فإن الأسبوع المقبل قد يكون حاسمًا بالنسبة لتراس بدءًا ردود الفعل الأولى في السندات وأسواق المال حين تستأنف التداولات صباح الإثنين، وفيما يجتمع أعضاء البرلمان في وستمنستر.
وحصل هانت على الأقل على دعم مهم من محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي الذي اضطر إلى القيام بتدخلات مكلفة لتهدئة أسواق السندات حتى الجمعة، والذي رحّب «بتوافق آراء واضح جدًا وفوري» مع وزير المالية الجديد، فيما يستعد البنك المركزي لعقد لقائه المقبل في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي تعليق نادر على شؤون مالية لدولة حليفة، أدان الرئيس الأمريكي محاولات تراس لخفض الضرائب على «الأكثر ثراء»، قائلًا: «لم أكن الوحيد الذي اعتقد أنه كان خطأ».
الأربعاء الأسود
واستغرق حزب المحافظين وقتًا طويلاً للتعافي من الأربعاء الأسود، 16 سبتمبر/أيلول 1992، عندما طُرد الجنيه بشكل مهين من آلية سعر الصرف الأوروبية- آلية سعر الصرف- التي أصبحت عضويتها نقطة ارتكاز لسياستهم الاقتصادية.
وأوضح كيجان، أنَّ الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً حتى يتعافى ما تبقى من حزب المحافظين القديم من هذه الأزمة المالية التي فرضها على نفسه، مشيرًا إلى أن الأسواق المالية صوَّتت بأقدامها على السياسات الاقتصادية لحزب العمال في السبعينيات، مما أجبر حكومة "كالاهان" على الاقتراض من صندوق النقد الدولي في عام 1976.
ولم يكن من الجيد أن يحاول الثنائي وأمثالهما استبعاد التحول في خطتهم لخفض أعلى معدل للضرائب باعتباره «إلهاءً»، بحسب كيجان، الذي قال إن خفضها من 45% إلى 40% كان حجر الزاوية في «خطة النمو» الخاصة بهم.
ويقول كيجان إنَّ الهوة بين دعم تراس بين أعضاء حزب المحافظين الذين صوتوا لها والنواب المحافظين باتت واضحة للغاية، لكن عندما يقول لي الناس: ألا تندم على معارضتك لجونسون؟ أعلم أنهم لا بد أنهم يتحدثون بلسانهم.
إلا أن الاقتصادي البريطاني قال إنه على الرغم من أن خطة تراس مروّعة، فإن امتياز جونسون للبرلمان وتجاهل القانون الوطني والدولي المخزي قد ألحق أضرارًا كبيرة بسمعة هذا البلد، فكان عليه أن يذهب.
تحفيز النمو
وأظهر استطلاع أجرته يوجوف مؤخرًا أن 87% من المستطلعين يوافقون على أن الاقتصاد قد عانى منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث ألقى 37% من الناخبين المحافظين باللوم على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الاقتصادي البريطاني يقول إنه «على حد علمي، وعلى حد علم معظم الاقتصاديين الذين أحترمهم، فإنه لا يوجد دليل على أن خفض معدلات الضرائب المرتفعة يفعل أي شيء لتحفيز النمو الاقتصادي».
وأضاف أن «الفوائد لا تتسرب إلى أسفل: فهي تظل عالقة في القمة»، مشيرًا إلى أنه يجب إيلاء توزيع الناتج المحلي الإجمالي اهتمامًا أكبر بكثير من الاهتمام بنموه.
وهناك طريقتان لتحسين معدل النمو في هذا البلد وهما الانضمام مرة أخرى إلى السوق الموحدة والترحيب بمواطني الاتحاد الأوروبي الذين يرغبون في العمل هنا، بحسب «الغارديان»، التي قالت إنَّ الكثير من أصحاب العمل البريطانيين سيرحبون بهم.
يتجلى وجه التعزيز للنمو الاقتصادي للمملكة المتحدة من عضوية ما كان يُعرف بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية منذ عام 1973 في الاستبعاد المحتمل الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من برنامج العلوم Horizon Europe الذي تبلغ تكلفته 95 مليار يورو.
وتقول صحيفة «الغارديان»، إنه لتحقيق أقصى استفادة من مكانتها البارزة في مجال الابتكار العلمي، فإن المملكة المتحدة تحتاج إلى التنسيق مع الاتحاد الأوروبي.