مخاوف من عرقلة الإخوان... هل اقتربت التسوية السياسية في السودان؟
حذر المحلل السياسي، عمار عوض، من الإسلام السياسي -الفيل الذي داخل الغرفة- والذي يعرقل ويرفض هذه التسوية القادمة.

السياق
بعد أشهر من تعقُّد مسار الحل السياسي في السودان، باتت رياح التوافق تعرف طريقها إلى البلد الإفريقي، الذي يعاني أزمة ثقة بين سياسييه، فشلت الجهود المحلية والدولية في استعادتها.
إلا أنَّ التفاؤل بات سيِّد الموقف الآن مما كان عليه قبل 3 أشهر، بعد انفراجات وتصريحات باتت تطلق من هنا وهناك خلال اليومين الماضيين، تكشف عن حلحلة في المواقف المتجمدة، وتبشر بنهاية وشيكة للأزمة الحالية.
فماذا حدث؟
بشائر الأمل كانت قادمة من جهات عدة، خاصة بعد أن كشفت تقارير محلية عن أن هناك مفاوضات أجريت خلال الساعات الماضية بين المكون العسكري والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، أسفرت عن اتفاق تتبلور ملامحه في شكل شراكة جديدة.
تلك البشائر لم تنفها قوى الحرية والتغيير والتي كانت العقبة الأساسية في التوصل لأي اتفاق بسبب مواقفها الصلبة إزاء المكون العسكري، إلا أن بيانها الأخير كشف عن تغير في المواقف.
وقال المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن اتصالات غير رسمية مع المكون العسكري تلقاها المكتب، تفيد بقبول مشروع الدستور الانتقالي كأساس للحل السياسي، مع وجود بعض الملاحظات المحدودة حوله.
وكان مشروع مسودة الدستور الانتقالي الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، لاقى قبولًا كبيرًا من عدة أطياف وفاعلين سياسيين في السودان، كأساس لتأسيس سلطة مدنية حقيقية تنفذ مهام الانتقال الديمقراطي وقضاياه.
وأضافت قوى الحرية والتغيير، أنها قررت صياغة ورقة تشكل موقفها من «قضايا إنهاء الانقلاب، وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، على أن يخضعها لتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي لتشكل أساسًا متوافقًا عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي».
وجددت قوى الحرية والتغيير، تأكيد موقفها الثابت بأن الحل السياسي المقبول للتحالف هو الذي يؤدي لطي ما وصفته بـ«صفحة الانقلاب» كليًا، وتأسيس سلطة مدنية كاملة، وينأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي ويقود لجيش واحد مهني وقومي وفقًا لإصلاحات شاملة محددة المواقيت والاجراءات، ويخاطب قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة، ويفكك بنية نظام 30 يونيو 1989، ويقود لانتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
إلا أن حركات اتفاق جوبا عبرت عن رفضها للتسوية الثنائية بين الحرية والتغيير والمكون العسكري أو أي تسوية ثنائية، محذرة من أن إعادة إنتاج الأزمة سيسبب «كوارث تهدد بقاء كيان الدولة السودانية وتهدد تماسك النسيج الاجتماعي، كما تهدد السلام والاستقرار»، على حد قولها.
وقالت قوى الحرية والتغيير -التوافق الوطني، إن «ما يجرى يضع ظلالًا سالبة على الوضع الدستوري لقومية القوات المسلحة وقيادتها وضرورة وقوفها على مسافة واحدة من أطراف الأزمة، ويقدح في مصداقية إعلانها الابتعاد عن العمل السياسي».
وأشارت إلى أنَّ الطريق الصحيح لتجاوز إطار التسوية إلى حل شامل يتطلب حوارًا سودانيًا– سودانيًا، دون إقصاء لأحد، مؤكدة أن دستور تسييرية المحامين لا يصلح لأن يكون أساسًا لعملية سياسية ذات مصداقية ولن يقود إلى حكومة كفاءات وطنية ومستقلة.
وأكدت مضيها قدمًا لتكوين أكبر كتلة مدنية على أساس التوافق على إعلان سياسي وتعديلات في الوثيقة الدستورية 2019 تعديل 2020 والمكتسبة لقانونيتها من الشرعية الثورية، مع استبعاد المؤتمر الوطني المحلول.
ورغم ذلك الرفض، إلا أن المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس، عبر عن تفاؤله بحل قريب في السودان، مشيرًا إلى أن المكون العسكري لاحظ وأدرك أنهم ما كانوا ناجحين في السنة التي خلت، فيما بات المدنيون واقعيين أكثر، مؤكدًا أن هناك تقاربًا في وجهات النظر، وتقاربًا في ضرورة الخروج من هذه الأزمة الحالية.
وأوضح المبعوث الأممي، في تصريحات صحفية، أن هناك محادثات بين المكون العسكري والمدنيين وبين المدنيين وبعضهم، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تتحدث مع الجميع، حول مبادرة نقابة المحامين التي باتت تجمع حولها أكبر عدد من القوى السياسية المدنية وغيرها من القوى.
أين تكمن العقدة؟
قال المبعوث الأممي، إنه رغم أن العقدة تكمن في تضارب المصالح الشخصية لدى البعض، إلا أن الاختلافات ليست كبيرة، مشيرًا إلى أن الكل بات يتفق الآن على حكم مدني، على رئيس دولة مدني، على رئيس حكومة مدني لديه قوة تشكيل حكومة، على فترة انتقالية قصيرة من 18 لـ24 شهرا وتنتهي بانتخابات حرة ونزيهة.
وأوضح أن المطالبات بإقصاء المكون العسكري ليست واقعية؛ كونه يشكل السلطة الرئيسة حاليًا، فيما يحظى كمؤسسة باحترام الجميع، مشيرًا إلى أن الكل يتفق على ضرورة جيش وطني موحد، كونه يقع في منطقة مليئة بالاضطرابات.
وفيما قال إن المكون العسكري أكد مرارًا استعداده ترك الساحة السياسية، وهو ما يبشر بالأمل، أشار إلى أن الجيش والمكون العسكري يجب أن يكونوا جزءا من الحل، لكن خارج السلطة.
وحذر من وجود جيوش خاصة للسياسيين، مؤكدًا أنه لا يمكن أن يكون في السودان 6 أو 7 جيوش مختلفة. وقال إنه سيكون هناك اتفاق على دمج القوات المختلفة لجيش وطني واحد، وإصلاح النظام الأمني.
حالة التفاؤل الأممية أشار إليها عضو مجلس السيادة السوداني الهادي إدريس والذي أكد خلال مشاركته في احتفالية دينية اليوم، عن قرب التوصل لاتفاق وتسوية سياسية تنهي حالة جمود المشهد السياسي، وتجعل البلاد تسير قدمًا في طريق الانتقال المدني الديمقراطي.
وحذر عضو مجلس السيادة السوداني، من أن الخرطوم تواجه «تحديات الكبيرة»، تستدعي من الجميع اتخاذ الحوار سبيلًا للتوافق حولها ولتجاوزها.
ملامح الاتفاق بدأت تتبلور في تصريحات لوسائل إعلام محلية نقلتها عن مصادر لها، والتي أكدت أن هناك اتفاقًا بين المدنيين والعسكريين على مشاركة حركات الكفاح المسلحة في اختيار الحكومة، مشيرة إلى أنَّ هناك اتفاقًا أوليًا بين المدنيين والعسكريين على مراجعة اتفاقية جوبا للسلام.
نقاط الخلاف
وإلى ذلك، قال عمار عوض المحلل السياسي السوداني، إنَّ هذه الاتصالات بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير ليست وليدة اللحظة، مشيرًا إلى أنه هناك اتصال بين الجيش وقوى الحرية والتغيير، في الفترة الأخيرة أصبحت هناك لقاءات حول الوثيقة التي قدمتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وهل يمكن أن تكون أساسًا للبناء عليه.
وأوضح المحلل السياسي السوداني، أنه في هذه النقاشات دارت خلافات حول وثيقة المحامين، مشيرًا إلى أن الحرية والتغيير ترفض وجود مجلس أعلى للقوات المسلحة، مطالبة بأن يرأس مجلس الأمن الدفاع رئيس الوزراء، وأن تكون الحكومة كاملة للمدنيين.
من جهة أخرى، يتحدث المكون العسكري على ضرورة أن تؤول رئاسة المجلس الأمن والدفاع إلى الجيش السوداني، بحسب عمار عوض الذي قال إنه ليست المرة الأولى التي يكون الجيش رئيسًا لمثل هذا المجلس المقترح، والذي كان هناك شبيه له، حينما كان عبدالله حمدوك رئيسًا للوزراء.
وأوضح المحلل السياسي السوداني، أن هناك بعض المكونات التي كنت ترفض في السابق الحوار مع المكون العسكري، إلا أن المصالح والطموحات دفعتها لتغيير رأيها.
إلا أنه حذر من الإسلام السياسي «الفيل الذي داخل الغرفة» والذي يعرقل أو يرفض هذه التسوية، مشيرًا إلى أن ما ينقص هذا المشهد هو أن يقول السودانيون إن هذه فرصة علينا استثمارها لإخراج هذه البلاد من عنق الزجاجة.
وفيما طالب الأطراف جميعها بضرورة التقارب، قال إنه من المهم أن يكون مجلس الأمن والدفاع بمثابة منطقة وسطى، وأن يتم تشكيل مجلس وزراء مستقل، وغرفتين للبرلمان.