وثيقة إخوانية تنذر بمرحلة جديدة من العنف.. ما سر التوقيت وأبرز الدلائل؟
مع انسداد الطريق أمام تنظيم الإخوان للعودة مجددًا من باب السياسة والتفاوض، بعد أن رفضت القيادة المصرية التعاون مع من تلوثت يداه بدماء المصريين، عاد التنظيم إلى العزف على أوتار العنف.

السياق
رغم مرور تسع سنوات على اقتلاع جذور تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر بثورة شعبية أعادته إلى جحوره، إلا أنه لم يقنع بالرفض الشعبي والرسمي، فراح يحاول استجداء العطف تارة والتلويح بالعنف تارة أخرى.
ومع انسداد الطريق أمام تنظيم الإخوان للعودة مجددًا من باب السياسة والتفاوض، بعد أن رفضت القيادة المصرية التعاون مع من تلوثت يداه بدماء المصريين، عاد التنظيم إلى العزف على أوتار العنف.
فماذا حدث في الساعات الماضية؟
مع تناحر جبهتي الإخوان إسطنبول بقيادة محمود حسين ولندن بقيادة إبراهيم منير على قيادة التنظيم، وانشغال الساحة الإخوانية خلال الفترة الماضية، بهذه الأزمة التي شطرت الجماعة إلى نصفين، أعيد بعث تيار التغيير في تنظيم الإخوان، بشكل مفاجئ بعد أشهر من وفاته.
فالمتحدث الرسمي الأسبق والقيادي في تيار التغيير محمد منتصر، خرج بشكل مفاجئ ليعلن عن بدء الاستعداد لعقد مؤتمر في فندق بإسطنبول لمناقشة ما أسماه «الوثيقة الأولى.. الإصدار السياسي لتيار التغيير بجماعة الإخوان المسلمين».
وحول أسباب إطلاق «الوثيقة»، زعم المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، أن إطلاقها جاء للتعريف بالمكتب العام وبمشروعه، «لتجلية الحقائق وإزالة الغموض واللبس».
إلا أن الوثيقة التي أطلقت مساء السبت، حملت الكثير من الغموض؛ لكونها خرجت بشعارات فضفاضة لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، حاول فيها تيار التغيير اللعب على أوتار قضايا عدة، فشلت قيادة تنظيم الإخوان في حسمها.
تلك القضايا والتي بدأها تيار التغيير بأزمة المعتقلين الإرهابيين في السجون المصرية، والذين باعتهم قيادات التنظيم بعد أن دفعوا بهم إلى ساحات العنف، إلا أنهم سرعان ما انصرفوا عنهم، فارّين إلى قطر وتركيا وبريطانيا.
ولكون تيار التغيير يعلم مدى أهمية هذه القضية، ولأنه كان يعول على قبول القيادة السياسية في مصر بالتصالح مع التنظيم دون جدوى، وضعت وثيقة الإخوان ملف المعتقلين على صدارة أولوياتها، أملًا في توحيد صفوف الجماعة التي تشرذمت بالتصدع الذي ضرب قياداتها.
قضية المعتقلين
وحول رؤيته لملف المعتقلين، زعمت الوثيقة التي اطلعت «السياق» على نسخة منها على أن «المعتقلين السياسيين كافة هم رهائن لدى السلطة في مصر، بهدف حماية السلطة لأمنها ووأد أي شرارة ثورية متوقعة»، متجاهلة أن عناصرها الإرهابية عاثوا في مصر فسادًا بأعمال عنف وإرهاب طال الأخضر واليابس، وأن وجود هؤلاء في السجون، إنما جاء وفقًا لأحكام قضائية، صدرت بحقهم، جزاء لما فعلوا.
وتلويحًا بعنف مستقبلي، قالت الوثيقة إن إنهاء قضية المعتقلين لن يكون «إلا بامتلاك أدوات ضغط ثورية حقيقية، تجبر السلطة على التفاوض من أجل إنهاء ملف الاعتقال السياسي، وهو ما يحتاج إلى جهود كبيرة، يعمل المكتب العام على تحقيقها، ولا يرى المكتب أن هناك سبلا أخرى مجدية يمكنها إنهاء معاناة المعتقلين»، في إشارة إلى طريق العنف الذي اختار تيار التغيير سلوكه ضد الدولة المصرية.
وبحسب مراقبين، فإن بنود الوثيقة «خطيرة للغاية»، مؤكدين أنه على السلطات الأمنية في مصر التعامل بحذر شديد مع هذا الملف، وأن تكون يقظة أمنيًا وسياسيًا في الأيام القليلة المقبلة.
ومن ملف المعتقلين إلى القضية الفلسطينية التي يجيد تنظيم الإخوان استخدامها سياسيًا لصالح قضاياه، جاءت الوثيقة لتحمل شعارات فضفاضة حول القضية التي تعد مركزية لدى العرب أجمع ومصر خاصة.
ونصت وثيقة الإخوان، التي اطلعت «السياق» على نسخة منها، على أن «جماعة الإخوان المسلمين ترى أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، وأنها قضية جهاد ونضال»، إلا أنها تناست أن عامًا من حكم الإخوان في مصر و10 أعوام من الحكم في تونس، لم تكن تلك القضية على جدول أعمال التنظيم الدولي، بل إنها باتت حدثًا موسميًا يهرع إليه قادة التنظيم لدغدغة عواطف أتباعه المغيبين، ولضمان استمرار ولائهم المطلق.
ملف الاختلاف
ملف جديد حمل شعارات فضفاضة لم تكد تبلغ حناجر تنظيم الإخوان الذي نشأ على مبدأ السمع والطاعة، والذي لا يعرف إلى الاختلاف سبيلًا، فما على المؤيدين إلا تنفيذ أوامر المرشد السلطة الدينية الأعلى في التنظيم، دون نقاش أو إبداء رأي.
إلا أن وثيقة تيار التغيير تناست ذلك، وزعمت في نصها أن «وجب التأكيد على أن المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين يؤمن بأهمية الاختلاف في الرؤى والتصورات بين الأيديولوجيات المختلفة في محيط واحد؛ وما ينتج عنه من تدافع يؤدي بدوره إلى تطوير وازدهار للأمة والإنسانية، طالما كان التدافع في إطار التنافس الإيجابي والتعايش المشترك، والقبول بقواعد العمل الجماعي وتبادل الأدوار وفقًا لرأي الجمهور».
ذلك البند أثار سخرية المراقبين، الذين أكدوا أن التنظيم الإرهابي فشل على مستوى قادته في حل أزماته الداخلية والاتفاق على قيادة موحدة للتنظيم، حتى باتت تلك الخلافات والاختلافات تهدّد مستقبله وتطرح علامات استفهام حول استمراره، متسائلين: هل تنظيم كهذا لا يعرف للاختلاف سبيلًا يستطيع العمل مع قوى مدنية وفي سياسة تقوم على الاختلاف؟
إلا أن الإجابة كانت حاضرة من ماضي تنظيم الإخوان في مصر وخاصة في العام الذي حكم فيه البلد الإفريقي، فراح يبدأ في إقصاء المختلفين معه في الرؤى، ويزرع عناصره في مفاصل الدولة المصرية، حتى ضاقت القوى السياسية ذرعًا به، وأصبح الشارع غاضبًا من ممارساته، فانتفض الملايين في 2013 لإقصائه من الساحة السياسية واقتلاع جذوره.
وفي بند وصف بـ«الخطير» في وثيقة تيار التغيير، جاءت الفقرة التي تنص على: «نعمل على إنهاء الحكم العسكري، ثم صياغة ملامح مرحلة تشاركية وطنية، تنتهي بتفكيك منظومة الحكم العسكري، والتأسيس لنظام يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية»، لتدق ناقوس الخطر، من نية تيار التغيير المبيتة على استخدام العنف سبيلًا في وجه الدولة المصرية.
وفيما نسي أو تناسى تيار التغيير أن الملايين انتفضوا لاقتلاع جذور التنظيم وخرجوا -كذلك- بالملايين لانتخاب القيادة السياسية الحالية في مصر، حاول مناشدة عواطف عناصره العنيفة، للعودة مجددًا لتهديد البلد الإفريقي.
إلا أن السلطات الأمنية المصرية والتي استطاعت بيقظتها الأمنية تحييد عناصر التنظيم، وشردت جمعهم في السجون أو في الخارج، قادرة على الوقوف في وجه المخططات العنيفة التي يدبرها تيار التغيير، بحسب مراقبين، أكدوا أن التنظيم اختار سبيل العنف طريقًا وحيدًا للمواجهة.
تساؤلات حائرة
ذلك المؤتمر الذي حضره عدد من الرموز السياسية لتيار التغيير الذي يوصف بـ«الأعنف» داخل تنظيم الإخوان، أثار العديد من التساؤلات في توقيته وملابساته، والمكان الذي عقد فيه.
فالمؤتمر الذي عُقِد في أحد الفنادق في مدينة إسطنبول لا يستطيع تيار التغيير تحمل نفقاته الباهظة، مما يطرح تساؤلات حول من يقف خلف هذه الدعوة، ومن هو اللاعب الخفي الذي يحاول إثارة القلاقل في مصر.
إلا أن الإجابة قد تكون واضحة بعض الشيء، نظرًا لمكان عقد المؤتمر، الذي يأتي بعد تعثر مفاوضات تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ومساعي الأخيرة لإثارة الأزمات في شرق المتوسط مؤخرًا باتفاقيات أبرمتها مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
توقيت المؤتمر يطرح أسئلة -كذلك- كون الجماعة تعاني انقسامًا سياسيًا كان على ذلك التيار العمل على رأب الصدع فيه أولًا قبل المضي قدمًا في إصدار وثيقة لا تحمل سوى شعارات فضفاضة، لكنها تؤذن ببداية مرحلة جديدة من العنف.
فالتوقيت الحالي لا يسمح بطرح رؤى سياسية جديدة، كما أن عناصر تنظيم الإخوان مشرذمون بين القاهرة وإسطنبول والدوحة ولندن، مما يجعل من استعادة ما وصفوه بـ«العمل الثوري» أمرًا بعيد المنال، فضلًا عن سقوط ورقة الخداع الإخوانية التي أجاد الإخوان في كتابة سطورها الفترة الماضية.
من ضيوف المؤتمر؟
مؤتمر ما يعرف بـ «الوثيقة الأولى.. الإصدار السياسي الأول»، حمل شعلة الحديث فيه، عناصر قيادية في تنظيم الإخوان، كانت لها دور أساسي في العنف الذي ضرب مصر خلال الفترة الأخيرة.
أحد هؤلاء المتحدثين كان عضو حركة «حسم» الإرهابية، وأحد المحرضين على استخدام العنف حتى سقوط النظام المصري، محمد إلهامي والذي يمثّل أحد الكوادر التي اتخذت من «العمل الثوري» أو «العنف» في مصر سبيلًا لمواجهة الدولة المصرية بعد العام 2013.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، سيف عبد الفتاح، كان متحدثًا رئيسًا في المنصة الإخوانية للمكتب العام، بعد أن نجح الأخير في استقطابه بعد هجوم جبهتي محمود حسين وإبراهيم منير عليه، لتصريحاته التي اتهم فيها الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي- والذي كان مستشاره- بالعجز عن إدارة شؤون الدولة.
رئيس ما يسمى «مؤسسة الرؤية» بالمكتب العام للإخوان نزيه علي كان أحد الوجوه الرئيسة في مؤتمر الإخوان مؤخرًا، والذي زعم أن ظهوره يأتي بدافع التمكين واستصدار وثيقة سياسية تحدد موقف المكتب من السلطة في مصر.
دلالات التوقيت
توقيت ظهور قادة الإخوان وعودة تيار التغيير مجددًا، يكشف أن قادة التنظيم الإرهابي عقدوا العزم على العودة إلى ممارسة العنف لمواجهة الدولة المصرية، عبر تنفيذ عمليات مسلحة واغتيالات وتفجيرات.