سر العنبر 7 وحقل الألغام.. ليلة لاهبة في إيران وأحداث سجن إيفين تشعل الغضب مجددًا
سر العنبر 7 وحقل الألغام.. أحداث سجن إيفين تلهب الاحتجاجات وصراخ الموت للديكتاتور يغزو الشوارع

السياق
«اندلاع حريق شديد وسماع أصوات طلقات رصاص مستمرة وصفارات إنذار».. ملامح وضعٍ وُصِف بـ«شديد التوتر» ساد سجن إيفين سيئ السمعة بشمال طهران، مساء السبت.
تلك الأحداث، دفعت المتظاهرين القلقين على حالة المعتقلين إلى الاتجاه نحو السجن، رغم اعتداءات قوات الأمن، فأصبحت الأحياء المحيطة بالسجن مسرح «انتفاضة مناهضة للنظام الإيراني».
فماذا حدث في الساعات القليلة الماضية؟
اندلع حريق كبير في سجن إيفين صباح السبت، إلى الدرجة التي أصبح يمكن معها رؤية ألسنة اللهب من مئات الأمتار، فيما سمع صوت إطلاق نار كثيف ومستمر في محيط السجن، بالتزامن مع الحريق.
ووفقًا للتقارير الأولية، فقد بدأ الحريق في سجن إيفين في الساعة 9:00 صباحًا من العنبر 7، وأخذ حراس السجن يطلقون النار باستمرار على السجناء، مما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار في السجن.
العنبر 7 في سجن إيفين كان أول من انطلقت منه شرارة التوتر، الذي أدّى تصاعده إلى إطلاق قوات الأمن أكثر من 200 إلى 300 طلقة، فحاول السجناء الخروج إلى الساحة وكسروا أبواب الصالة رقم 4 جنوبي السجن.
إلا أنهم عندما وصلوا إلى الباب الأخير، بدأ حراس الأمن في القاعات بإطلاق الغاز المسيل للدموع والغاز الملون، فيما قالت وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، إن الحريق في سجن إيفين نتج عن حرق مستودع الملابس وورشة العمل في السجن، بعد «صراع مفتعل» بين سجناء العنبرين السابع والثامن.
وحول دوي الانفجارات، زعمت وكالة أنباء «فارس»، أن عددًا من السجناء هربوا أمس السبت، ودخلوا حقل ألغام بعد اشتباكات مع قوات الأمن، مشيرة إلى أن تلك الانفجارات بسبب هذه الاشتباكات.
وبحسب تقارير لوسائل إعلام إيرانية معارضة، فإن عددًا من السجناء نقلوا إلى المستشفى في حالة خطيرة بسبب استنشاق كمية كبيرة من الدخان والغاز، مشيرة إلى نقل آخرين -أيضًا- بعد إصابتهم بجروح من طلقات نارية.
وتقول «إيران إنترناشيونال»، إن 4 أشخاص على الأقل قتلوا، فيما وصف الحراس الوضع بأنه كارثي.
شهود عيان قالوا إن الحريق امتدَّ إلى أجزاء متفرقة من سجن إيفين، مما أدى إلى انهيار جزءٍ من سقفه بسبب شدة الحريق.
وفيما توجّه عدد من أهالي السجناء إلى إيفين للاطمئنان على ذويهم، أصدرت مجموعة «شباب أحياء طهران» بيانًا أشارت فيه إلى الحريق في سجن إيفين وطلبت من جميع المواطنين، وخاصة المقيمين حول السجن، بالوجود في المنطقة لـ«منع حدوث كارثة إنسانية».
ومع استمرار حريق سجن إيفين، تجمع المواطنون حول السجن ورددوا شعارات مناهضة للنظام مثل «الموت للديكتاتور».
ورغم أن وسائل الإعلام الحكومية نقلت عن مسؤول قوله، إن الوضع تحت السيطرة، لكن لقطات فيديو تظهر استمرار الحريق بعد ذلك.
واندلعت لأول مرة الشهر الماضي بعد وفاة الإيرانية الكردية الإيرانية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا في حجز الشرطة. وقال المسؤولون إنها توفيت بنوبة قلبية، لكن عائلتها عارضت ذلك، قائلة إنها تعرضت للضرب على يد شرطة الآداب.
هل الأحداث مرتبطة بالاحتجاجات؟
قالت مراسلة «بي بي سي» بالفارسية رنا رحيمبور، إنه لم يعرف بعد إذا ما كان الوضع في السجن مرتبطًا بالمظاهرات الأخيرة، إلا أنها أكدت احتمالية ذلك، لأنه تم إرسال مئات المتظاهرين إلى إيفين.
إلا أن وسائل إعلام رسمية قالت إن الأمرين غير مرتبطين، نقلًا عن مسؤول ألقى باللوم على «عناصر إجرامية» في الحريق.
وفيما تجمعت حشود كبيرة خارج السجن توقف المرور وشوهدت شرطة مكافحة الشغب تدخل المنشأة.
ماذا قالت الرواية الرسمية؟
مسؤول أمني كبير قال لوكالة الانباء الإيرانية الرسمية، إن القسم المخصص «للبلطجية شهد اضطرابات ونزاعًا بينهم أدى إلى اشتباك مع حراس السجن»، مضيفًا أن «الوضع الآن تحت السيطرة تمامًا والهدوء مستتب في السجن فيما رجال الإطفاء يعملون على إطفاء النيران».
وفيما قال إنه «تم فصل السجناء الذين تسببوا بالحادث عن السجناء الآخرين»، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مدعي طهران قوله إن هذه الاضطرابات «ليس لها علاقة مع أعمال الشغب الأخيرة في البلاد».
أحد رجال الإنقاذ الموجودين في الموقع قال لوكالة «إرنا» إنه «تم احتواء الحريق الآن وفرق الإطفاء تؤمن محيط الحادث»، مضيفًا: «أصيب ثمانية اشخاص جراء الحادث ولم تكن هناك أي حالة وفاة».
وفي حديثه من داخل السجن، قال محافظ طهران للتلفزيون الرسمي إن هناك أعمال شغب في جناح من السجن يضم مجرمين صغارًا، فيما الوضع الآن هادئ تمامًا.
وقالت كسرة ناجي مراسلة «بي بي سي» بالفارسية إنه حتى بعد أن زعمت وسائل الإعلام الإيرانية عودة الهدوء، فإن الوضع في السجن لا يزال مشوشًا. واستمرَّ ظهور مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر النيران مشتعلة وأصوات طلقات نارية.
وقالت كسرة، إن صورًا أخرى أظهرت نزلاء على سطح قسم من السجن يحتجز فيه السجناء السياسيون والعديد من المتظاهرين الذين تمَّ اعتقالهم في الأسابيع الأربعة الماضية.
ردود أفعال ذوي السجناء
ويضم سجن إيفين سجناء أجانب بينهم الأكاديمية الفرنسية الإيرانية فاريبا عادلخاه والمواطن الأمريكي سياماك نمازي الذي قالت عائلته إنه أعيد إلى إيفين هذا الأسبوع بعد فترة إفراج مؤقت.
وقالت عائلات بعض السجناء لـ«بي بي سي»، إنهم لم يتمكنوا من الاتصال بأقاربهم عبر الهاتف، وهو ما يمكنهم عادة القيام به، مشيرة إلى أن الاتصال بالإنترنت حول السجن قد انقطع.
وفي أول رد فعل على الحريق، أعربت عائلة نمازي عن «قلقها العميق»، خاصة أنه لم يحصل أي اتصال معه.
وطالبت العائلة، السلطات الإيرانية بمنح نمازي وسائل فورية للاتصال بأسرته وإطلاق سراحه؛ «لأنه من الواضح أنه ليس آمنًا في سجن إيفين».
شقيقة عماد شرقي وهو مواطن أمريكي آخر مسجون في إيفين، قالت إن عائلته «متشنجة وينتابها الخوف».
فيما قالت الأكاديمية الأسترالية كايلي مور غيلبرت التي احتُجزت في إيفين لأكثر من 800 يوم سجنت فيها في إيران، إن أقارب سجينات سياسيات معتقلات هناك أكدوا لها أن «كل النساء في جناح السجينات السياسيات في إيفين سالمات وبأمان».
ردود فعل دولية
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس قال في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن واشنطن تراقب الوضع عن كثب، محملًا «إيران المسؤولية الكاملة عن سلامة مواطنينا المحتجزين بدون وجه حق والذين يجب إطلاق سراحهم فورًا»
وبحسب تقارير محلية، فإن المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي صاحب الجوائز السينمائية الدولية والسياسي الإصلاحي مصطفى تاج زاده محتجزان أيضًا في إيفين.
قلق حقوقي
منظمات حقوقية حذرت يوم الأحد من أن حياة سجناء إيفين في خطر، فيما قالت مجموعة حقوق الإنسان في إيران التي يوجد مقرها في أوسلو إن «سجن إيفين في طهران يشتعل ويمكن سماع طلقات نارية بوضوح. حياة كل سجين سياسي أو سجين عادي في خطر شديد».
وأضافت أن السلطات أغلقت الطرقات المؤدية إلى السجن، في محاولة واضحة لوقف الاحتجاجات أمامه.
هادي قائمي، مدير مركز حقوق الإنسان في إيران الذي يتخذ من نيويورك مقرًا، قال إن «السجناء وبينهم السجناء السياسيون لا يملكون وسائل للدفاع عن أنفسهم داخل ذلك السجن»، معبرا عن قلقه من تعرضهم للقتل.
فيما قالت مجموعة «حرية التعبير المادة 19» إنها سمعت بتقارير عن قطع اتصالات الهاتف والإنترنت في السجن، مشيرة إلى أنها «قلقة جدًا على سلامة سجناء إيفين».
تظاهرات تضامنية
حريق سجن إيفين الذي تضاربت الأنباء حول أسبابه، يأتي مع مرور شهر على الاحتجاجات التي انطلقت في طهران، غضبًا على ملابسات وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاما).
وأثار وفاتها في 16 سبتمبر/أيلول الماضي بعد ثلاثة أيام على اعتقالها من قبل ما يسمى بـ«شرطة الأخلاق»، أكبر موجة تظاهرات في إيران منذ احتجاجات عام 2019 ضد رفع أسعار الوقود.
وتضامنًا مع الوضع في سجن إيفين، انطلقت تظاهرات في طهران ليلًا، بعدما نزل متظاهرون غاضبون إلى الشوارع، رغم انقطاع الإنترنت.
وصرخت نساء غير محجبات السبت مطالبات «الملالي بالرحيل» في كلية شريعتي التقنية والمهنية في طهران، وفق ما أظهر مقطع فيديو تم تداوله عبر الإنترنت على نطاق واسع.
وغرب طهران، ألقى محتجون مقذوفات على قوات الأمن بالقرب من دوار رئيس في مدينة همدان، فيما تجمع إيرانيون السبت في شوارع مدينة أردابيل في شمال غرب البلاد.
ونفّذ التجار إضرابًا في مدينة سقز مسقط رأس مهسا أميني في محافظة كردستان (شمال غرب) ومهاباد (شمال) وفق موقع 1500 تصوير.
وتحت شعار «بداية النهاية» انطلق نداء من أجل المشاركة في الاحتجاجات يوم السبت، قال فيه نشطاء: «علينا أن نكون حاضرين في الساحات، لأن أفضل "في بي أن" هذه الأيام هو الشارع»، في إشارة إلى الشبكات الخاصة الافتراضية المستخدمة للالتفاف على قيود الإنترنت.
ومع استمرار الاحتجاجات، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم السبت إنّه فوجئ بشجاعة الناس الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج في إيران.
تصريحات بايدن دفعت إيران إلى الرد، مؤكدة أنها أقوى من أن تتأثر بتصريحات الرئيس الأمريكي الداعمة للاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن «إيران أقوى بكثير من أن تزعزع إرادتها تدخلات الرئيس الأمريكي»، واصفًا بايدن بأنه «سياسي تعب من القيام بأعمال غير مثمرة ضد إيران خلال السنوات الماضية»، مؤكدًا أن طهران ستكبد واشنطن فشلًا إضافيًا.