انتخابات تركيا.. هل تكرر المعارضة سيناريو 99 أم يكتب أردوغان فصلًا جديدًا؟
تحالف جديد لإسقاط أردوغان.. هل يتمكن من الإطاحة بالرئيس وتكرار سيناريو 99؟

ترجمات - السياق
معارضة متحفزة وإرث ثقيل، مشاهد قد تؤثر في مسار الانتخابات الرئاسية بتركيا، التي سيكون الماضي حاضرًا على طاولتها، كعامل مهم ومؤثر في حسم الفائز بالمنصب الرفيع.
ذلك الماضي المتمثل في زلزال 6 فبراير، والجراح التي نكأها ولم تندمل رغم مرور قرابة 24 عامًا، باستدعاء أحداث زلزال 99 من الذاكرة، وعقد مقارنات بين الماضي والحاضر في طريقة التعامل مع الحدثين ونتائجهما.
فبينما أسهم زلزال 99 في إعادة كتابة تاريخ تركيا، باستدعائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المشهد السياسي في تركيا، يهدد زلزال 6 فبراير بطي صفحة 24 عامًا خلت.
فهل يتكرر سيناريو 99 أم أن أردوغان قادر على إعادة كتابة التاريخ؟
سؤال طرح نفسه على الساحة السياسية بتركيا، في أعقاب الزلزال المدمر الذي تسبب في قتل وإصابة الآلاف وتشريد كثيرين، خاصة بعد أن تناولت تقارير ما وصفته بـ«إهمال» حكومة أردوغان جوانب مهمة، جعلت تأثير الزلزال في الأتراك، أكثر إيلامًا، ورفع حصيلة القتلى والجرحى.
ورغم أن الرئيس أردوغان اعتذر عن التأخر في تقديم المساعدة لمحافظة أديامان التركية، إحدى أكثر المناطق تضرراً من الزلزال، عازيًا ذلك إلى التأثير المدمر للهزات وسوء الأحوال الجوية، فإن المعارضة التركية، لم تكن لتضيع تلك الفرصة.
ففي خطوة من المرجح أن تعزز الدعم لمرشح المعارضة الرئيس، الذي يأمل إنهاء حكم رجب طيب أردوغان، الذي استمر عقدين من الزمن، قال ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا إنه لن يقدم مرشحه للرئاسة في انتخابات مايو المقبل.
وامتنع حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) الذي تشكل قاعدته الكردية أغلبية ساحقة، عن دعم صريح لكمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيس، الذي يحظى بدعم خمس مجموعات أخرى شكلت تحالفاً لإسقاط أردوغان.
لكن قرار حزب الشعوب الديمقراطي، الذي أعلنه الأربعاء، يقلل احتمالات انقسام كبير في تصويت المعارضة، حيث يسعى كيليجدار أوغلو إلى تعزيز الدعم قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو المقبل.
وقالت «فايننشال تايمز» إن حزب الشعوب الديمقراطي يحظى بتأييد نحو 12% من الناخبين، بينما يقول المحللون إن ناخبيه قد يغيرون نتيجة الانتخابات.
الاختبار الأصعب
وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن كيليجدار أوغلو يتقدم على أردوغان، الذي يواجه أصعب اختبار انتخابي له حتى الآن، بعد زلزال مدمر الشهر الماضي، أودى بحياة أكثر من 57 ألف شخص في تركيا وسوريا.
وفي حين أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لا يزال الأكبر في تركيا، فقد تراجعت نسبة تأييده إلى أدنى مستوياتها، بسبب تعامل أردوغان مع أزمة غلاء المعيشة التي عصفت بملايين الأتراك، بحسب الصحيفة البريطانية.
«سوف نفي بمسؤوليتنا التاريخية ضد حكم الرجل الواحد»، قالت برفين بولدان، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي، مضيفة: «لن نسمي مرشحًا في الانتخابات الرئاسية».
كان حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يقود تحالفًا يساريًا مع خمسة أحزاب أصغر، قد قال إنه سيرشح منافسه الرئاسي، إلا أن بولدان، التي التقت كيليجدار أوغلو هذا الأسبوع، قالت إن الزلزال أجبرها على إعادة تقييم مزايا تحدي أردوغان من تلقاء نفسها.
وقالت إن «الطريق نحو مستقبل مشرق وبناء ديمقراطية سياسية هو توسيع النضال معًا»، مضيفة أن هزيمة أردوغان ستضمن تمكين البرلمان من إيجاد «حل ديمقراطي وسلمي للقضية الكردية».
وتعهد كيليجدار أوغلو باستعادة النظام البرلماني التركي، الذي استبدل عام 2018 عبر استفتاء مثير للجدل برئاسة تنفيذية، منحت أردوغان سلطات واسعة على القضاء والاقتصاد والأمن.
ووصف أردوغان وشركاؤه حزب الشعوب الديمقراطي بأنه «الامتداد السياسي» لحزب العمال الكردستاني المسلح، الذي يشن تمرداً منذ أربعة عقود، من أجل الحكم الذاتي جنوبي شرق تركيا، أسفر عن قتل أكثر من 40 ألف شخص.
إلا أن لحزب الشعوب الديمقراطي صلاته بحزب العمال الكردستاني، المدرج كمنظمة إرهابية من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويدعو إلى تسوية تفاوضية للصراع.
ويقبع الآلاف من نشطاء حزب الشعوب الديمقراطي، بمن فيهم زعيمه السابق صلاح الدين دميرطاش، في السجن بعد انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني عام 2015.
وتقول صحيفة بوليتيكو الأمريكية، إنه إذا كان الموظفون المدنيون في أنقرة مقياسًا دقيقًا للجبهات المتغيرة في السياسة الوطنية التركية، فإن الزعيم الأطول خدمة في البلاد، رجب طيب أردوغان، قد يكون في مأزق بانتخابات مايو المقبل.
ويقول حزب الشعب الجمهوري إن البيروقراطيين يرسلون سيرهم الذاتية استعدادًا لنظام جديد، مستشعرين أن تلك قد تكون نهاية هيمنة أردوغان على الدولة أكثر من عقدين.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس كان ينضح بالثقة قبل الانتخابات، وهذا أمر له ما يبرره، ففي تسلسل شبه متواصل، فاز أردوغان في منافستين رئاسيتين وثلاثة استفتاءات لتعديل الدستور وخمسة انتخابات برلمانية.
لكن الأمور اليوم مختلفة، فحتى أنصار الرئيس التركي يقرون أنه بعد أكثر من 20 عامًا في السلطة، فإن جاذبية أردوغان آخذة في التضاؤل.
ورغم فوزه عام 2018، فإن من المهم أن حزب الشعب الجمهوري فاز في انتخابات رئاسة البلدية الحاسمة، في المدن الكبرى بأنقرة واسطنبول وإزمير في العام التالي.
ويمكن أن يكون الاقتراع في تركيا غامضًا، حيث تجري الأطراف استطلاعات خاصة، تؤدي غالبًا إلى نتائج مناسبة لحملاتهم الانتخابية، إلا أنه مع ذلك، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تضع المعارضة في المقدمة بأكثر من 10 نقاط، رغم أن فريق أردوغان يرى أنه سيظل في المقدمة مع حلول مايو.
تعليمات بالصمت
ومع ذلك، قال أحد كبار المطلعين في حزب العدالة والتنمية إنه في اجتماع رفيع المستوى، عُقد بعد فترة وجيزة من الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير، الذي قُتل فيه أكثر من 48000 شخص في تركيا، شعر عديد من مسؤولي الحزب بالقلق، لدرجة أنهم دعوا إلى تأجيل الانتخابات، ليحسم القرار من أردوغان، بالمضي قدمًا في الاستحقاق الدستوري.
ويقول منتقدو الرئيس التركي إن انتخابات مايو، التي ستختار البرلمان أيضًا، فرصة أخيرة لإنقاذ الديمقراطية التركية، في الجهة المقابلة صدرت أوامر لعديد من الشخصيات الحكومية والحزبية بالتزام الصمت، في الفترة التي تسبق الانتخابات الحساسة، وألا يتحدثوا إلا بشرط عدم كشف هويتهم، كما هو الحال أيضًا لبعض شخصيات المعارضة التي تشعر بالقلق من انتقام الدولة.
وقال أحد كبار المطلعين في حزب العدالة والتنمية: «من الآن فصاعدًا، الانتخابات تعني الزلزال»، بينما قال سياسي مقرب من الرئيس، إن الحملة الانتخابية ستكون «جادة وحازمة وموحدة»، مع التركيز على أعمال الإغاثة والتعويض في المنطقة التي ضربها الزلزال.
وأضاف أن أكثر من ثلثي نواب حزب العدالة والتنمية، البالغ عددهم نحو 300 توجهوا إلى المنطقة في الأسبوع الأول بعد الكارثة، وأن أكثر من 100 نواب ينشطون في المنطقة.
لحرصه الدائم على إظهار نفسه أنه رجل أعمال، يريد أردوغان أيضًا أن يُنظر إليه على أنه يحرز تقدمًا في إعادة الإعمار قبل التصويت، تقول "بوليتيكو"، مشيرة إلى أن الرئيس التركي تعهد باستكمال إعادة البناء في غضون عام.
وقال مقرب من أردوغان: «الأتراك يحبون الاستقرار والإدارة القوية. هناك شعور بأن هذا لا يمكن أن يفعله إلا أردوغان. وهو الوحيد الذي يمكنه بناء منازل في غضون عام».
وقال فخر الدين ألتون، مدير الاتصالات في حكومة أردوغان، إن «الأزمات التي مرت بها البشرية -مثل الوباء والحرب والتمويل ونقص الغذاء- أظهرت مرة أخرى أهمية القيادة السياسية القوية والمستقرة».
وفي تسليط الضوء على النطاق الدولي لطموحات أردوغان، أضاف ألتون أنه إذا فاز الرئيس بإعادة انتخابه، لن تسعى الدولة فقط إلى العمل «كقوة إقليمية فاعلة ومستقرة»، لكن كـ«فاعل عالمي قوي» مع السياسة الخارجية والحلول الأمنية لها.
آلة الانتخابات
ومع ذلك، فإن حجم الكارثة أصاب ملايين الأتراك بصدمة، وذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم التحديات التي كان أردوغان يواجهها هذا العام، بحسب الصحيفة الأمريكية.
واعترف مسؤول في حزب الشعب الجمهوري بأن «أردوغان آلة انتخابية. نحن لا نأخذ الانتخابات كأمر مسلم به (...) نحتاج إلى معرفة كيفية تنظيم صناديق الاقتراع وقوائم الناخبين من منطقة الزلزال».
مناورة ومخاوف
تنظر المحكمة العليا في تركيا قضية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي، لارتباطه المزعوم بحزب العمال الكردستاني، بينما يستعد حزب الشعوب الديمقراطي لإجراء مناورة، عبر خوض مرشحيه البرلمانيين الانتخابات تحت لواء حزب مختلف حال إغلاقه، لتجنب حظر قانوني محتمل، ما يبرز تحديات شن حملة ضد حزب الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم.
ويواجه حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في البلاد، اتهامات قضائية بإقامة علاقات بحزب العمال الكردستاني المسلح، إلا أن الحزب ينفي صلاته بالمسلحين ويتهم أردوغان بتسييس القضاء لخفض تصويته قبل انتخابات 14 مايو المقبل.
وتوقع حزب الشعوب الديمقراطي –الخميس- فرض حظر، قائلًا إنه سينافس في التصويت تحت بطاقة حزب اليسار الأخضر المتحالف.
ورفضت المحكمة الدستورية التركية -هذا الأسبوع- طلب حزب الشعوب الديمقراطي بتأجيل دفاعه في القضية شهرًا، بينما قالت ميثات سنكار، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي، إن التهديد يشبه «سيف ديموقليس المعلق فوقنا ونحن نذهب إلى الانتخابات. لهذا السبب، خلصنا إلى أن خوض الانتخابات مثل حزب الشعوب الديمقراطي ينطوي على مخاطر جسيمة».