واشنطن بوست: وثيقة مسربة... ولي العهد السعودي هدد واشنطن بـ'ألم اقتصادي كبير'

من غير الواضح ما إذا كان تهديد ولي العهد السعودي قد نُقل مباشرةً إلى المسؤولين الأمريكيين، أو من خلال التنصت الإلكتروني، لكنه كشف التوتر في قلب علاقة قائمة منذ فترة طويلة على النفط مقابل الأمن

واشنطن بوست: وثيقة مسربة... ولي العهد السعودي هدد واشنطن بـ'ألم اقتصادي كبير'
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

ترجمات – السياق

كشفت وثائق "ديسكورد" السرية المسربة، أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هدد بإلحاق ألم اقتصادي كبير بالولايات المتحدة، إذا انتقمت واشنطن من قرار تحالف "أوبك بلس" بتخفيض إنتاج النفط خلال الخريف الماضي، بحسب "واشنطن بوست".

وأوضحت الصحيفة، أنه بعد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخريف الماضي، بفرض "عقوبات" على السعودية، لقرارها خفض إنتاج النفط وسط ارتفاع أسعار الطاقة، وقُرب الانتخابات في الولايات المتحدة، هدد ابن سلمان -بشكل خاص- بقطع العلاقات بين البلدين، والانتقام اقتصاديًا، وفقا لوثيقة مخابرات أمريكية سرية.

وأشارت إلى أن الحكومة السعودية دافعت -في العلن- عن أفعالها بأدب من خلال البيانات الدبلوماسية، لكن في السر، هدد ولي العهد بتغيير العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية التي دامت عقودًا، وفرض تكاليف اقتصادية كبيرة على واشنطن، إذا ردت على تخفيضات النفط.

ووفقًا للوثيقة السرية، فقد قال ولي العهد السعودي -في تهديده- إنه "لن يتعامل مع الإدارة الأمريكية بعد الآن"، ووعد "بعواقب اقتصادية كبيرة لواشنطن".

ونوهت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه بعد مرور 8 أشهر على تصريحات بايدن، لم تواجه السعودية أي عواقب أمريكية، واستمر ابن سلمان بالتواصل مع كبار المسؤولين الأمريكيين، كما فعل مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مدينة جدة هذا الأسبوع.

 

الصين تراقب

وبيّنت "واشنطن بوست" أنه من غير الواضح ما إذا كان تهديد ولي العهد السعودي قد نُقل مباشرةً إلى المسؤولين الأمريكيين، أو من خلال التنصت الإلكتروني، لكنه كشف التوتر في قلب علاقة قائمة منذ فترة طويلة على النفط مقابل الأمن.

ورأت أن هذا التوتر يتطور سريعًا مع اهتمام الصين المتزايد بتكثيف علاقاتها بالرياض ودول الشرق الأوسط، وسط تزايد مخاوف واشنطن على مصالحها بالمنطقة، خصوصًا النفطية.

وأفادت الصحيفة الأمريكية، بأن الوثائق السرية نُشرت خلال الأشهر الماضية على تطبيق ديسكورد، كجزء من تسريب واسع النطاق لمستندات حساسة للغاية، تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.

كانت السلطات الأمريكية، اتهمت جاك تيكسيرا، الذي يعمل في الحرس الوطني، البالغ 21 عامًا، الذي اعتُقل في أبريل الماضي، بنشر هذه الوثائق العسكرية السرية على الإنترنت.

في المقابل، نقلت الصحيفة الأمريكية عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي -بشرط عدم كشف هويته- قوله: "لسنا على علم بهذه التهديدات من قِبل السعودية".

وأوضح أنه "غالبًا ما تُمثل هذه الوثائق لقطة واحدة للحظة من الزمن، ولا يمكن أن تقدم الصورة الكاملة".

وأضاف: "الولايات المتحدة تواصل التعاون مع  السعودية، وهي شريك مهم في المنطقة، لتعزيز مصالحنا المشتركة ورؤية منطقة أكثر أمنًا واستقرارًا وازدهارًا".

من جانبها، لم ترد السفارة السعودية لدى واشنطن، على طلب "واشنطن بوست" للتعليق.

 

ابن سلمان وبايدن

ووصفت "واشنطن بوست" الأمير محمد بن سلمان (37 عامًا)، بأنه "الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، بعد أن عينه والده الملك سلمان رئيسًا للوزراء عام 2022".

وأشارت إلى أن بايدن، الذي تعهد بجعل المملكة العربية السعودية "منبوذة" خلال حملته الرئاسية، نادرًا ما يتواصل مع ولي العهد، لكن كبار مساعدي الرئيس أعادوا بناء العلاقات معه تدريجًا، على أمل أن يتمكن البلدان من العمل معًا في القضايا الملحة، بما في ذلك القضية التي طال انتظارها (اتفاق السلام في اليمن)، فضلًا عن التوافق على وقف مستمر لإطلاق النار في السودان، وتحديات مكافحة الإرهاب والخلافات المستمرة على إمدادات النفط.

وحسب الصحيفة، يرى المسؤولون الأمريكيون أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية مهمة للغاية، بحيث لا يمكن تركها تضعف، نظرًا لنفوذ الرياض الاقتصادي والسياسي، فضلًا عن مغازلة بكين لشركاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط.

وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحفي مشترك في الرياض، الخميس، إلى جانب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: "معًا، يمكننا تحقيق تقدم حقيقي لجميع أفراد شعبنا، ليس فقط لمواجهة التحديات أو الأزمات الحالية، لكن لرسم رؤية إيجابية لمستقبلنا المشترك".

وكشف مسؤولون أمريكيون أن بلينكن التقى ولي العهد، ساعة و40 دقيقة الثلاثاء الماضي، خلال زيارته للمملكة التي استمرت ثلاثة أيام.

وأوضحوا، أن الرجلين -ابن سلمان وبلينكن- أجريا محادثة "صريحة ومفتوحة" تضمنت جهود الولايات المتحدة للتوسط في التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والصراع في اليمن، وحقوق الإنسان والقتال في السودان.

ولكن، بعد اجتماعات بلينكن، بدا أن الخلافات لا تزال قائمة بشأن طموحات المملكة لتوليد الطاقة النووية، التي تعدها واشنطن وآخرون خطر انتشار محتمل، إضافة للفكرة القائلة إن للولايات المتحدة الحق في توجيه اللوم إلى المملكة، بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان.

وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أنه بينما ترحب الرياض بدعم الولايات المتحدة في بناء برنامجها النووي المدني، "هناك آخرون يقدمون عطاءات لبنائه"، وهو تذكير غامض بأن المملكة يمكن أن تعمق تعاونها مع الصين بشأن المبادرة.

وفي ما يتعلق ببعض الانتقادات الأمريكية، قال بن فرحان ملاحظة أن القادة السعوديين "لا يستجيبون للضغوط" مضيفًا: "عندما نفعل أي شيء، فإننا نفعل ذلك لمصلحتنا الخاصة، ولا أعتقد أن أي شخص يعتقد أن الضغط مفيد أو قد يساعد، وهذا ليس شيئًا حتى نفكر فيه".

 

ثقل توازن

وحسب "واشنطن بوست"، تتوج زيارة بلينكن بتدفق مستمر من الاجتماعات الأمريكية رفيعة المستوى في المملكة خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك رحلات مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام جيه بيرنز، وكبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومسؤول أمن الطاقة الكبير عاموس هوشستين.

ونقلت عن الباحث في شؤون دول الخليج بمركز ويلسون، ديفيد أوتاوي، قوله: إن زيادة الاجتماعات بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين كانت بمنزلة ثقل موازن للعلاقات الشخصية الفاترة بين بايدن ومحمد بن سلمان، مشيرًا إلى أن الزعيمين لم يتحدثا منذ اجتماعهما في الرياض خلال يوليو الماضي.

وأضاف: "لذلك قررت إدارة بايدن أن عليها معرفة كيفية العمل مع ابن سلمان حتى لو كانا لا يتحدثان مع بعضهما".

وسعت السعودية إلى تقديم نفسها كلاعب عالمي غير مرتبط بواشنطن، ففي الأشهر الأخيرة، أنهت الأعمال العسكرية في اليمن واستعادت العلاقات مع عدوها اللدود، إيران، ودعت رئيس النظام السوري بشار الأسد، للعودة إلى جامعة الدول العربية، بعد أكثر من عقد من الحظر، وإنهاء التوترات الإقليمية مع قطر.

وتعليقًا على ذلك، قال خبير شؤون الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، بروس ريدل: "تعود الرياض إلى سياسة خارجية أكثر تقليدية تتجنب الصراع وتفضل التكيف مع المنافسين".

وأوضحت الصحيفة أن التغييرات الدراماتيكية في السياسة الخارجية السعودية، تأتي في الوقت الذي تسعى واشنطن للحصول على مساعدة السعودية في بعض الأمور الإقليمية.

فقبل أيام من وصول بلينكن، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستعمل على تعميق تخفيضات إنتاج النفط في يوليو على رأس اتفاق "أوبك بلس" الأوسع للحد من المعروض من النفط في محاولة لرفع الأسعار، وهي خطوة عارضتها إدارة بايدن.

ولذلك يرى ريدل أن الإدارة الأمريكية لديها أجندة كبيرة، تجعل بلينكن يعمل مع السعوديين، ومن ذلك (الحفاظ على وقف إطلاق النار في اليمن، وإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في السودان، ومحاربة داعش، وفوق كل شيء منع ارتفاع أسعار النفط".

وحسب الصحيفة، يبدو أن الأصعب من ذلك كله تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لا سيما مع تفاقم التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، في ظل حكومة الائتلاف اليميني المتطرف بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

فقد منح بايدن أولوية كبيرة لضمان اعتراف السعودية العلني بإسرائيل، وفي ذلك يقول ريدل: "من غير المرجح أن يحدث تقدم جاد على الجبهة الفلسطينية، فلا يزال للقضية الفلسطينية صدى عميق في المملكة، خاصة مع الملك سلمان".

في المقابل، أسعدت بعض التحركات التي اتخذتها الحكومة السعودية المسؤولين الأمريكيين، ومن ذلك مساعدتها لأوكرانيا -التي أعلنت خلال زيارة وزير الخارجية السعودي إلى كييف في فبراير الماضي- وخططها لشراء طلبية كبيرة من طائرات بوينغ.

كما أثيرت علاقة المملكة العربية السعودية بالصين، التي تعدها الولايات المتحدة أكبر منافس اقتصادي وأمني لها، خلال المؤتمر الصحفي لبلينكن في الرياض.

ونفى الدبلوماسي الأمريكي الكبير أي تلميح إلى أن الولايات المتحدة تجبر السعودية على الاختيار بين واشنطن وبكين.

كانت وثيقة استخباراتية أمريكية مسربة، قد حذرت من أن المملكة العربية السعودية تخطط لتوسيع "علاقتها التجارية" بالصين، من خلال شراء طائرات من دون طيار وصواريخ بالستية وصواريخ كروز وأنظمة مراقبة جماعية من بكين، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن هذه التحذيرات مبالغ فيها ولم تؤتِ أكلها.

بينما أصر وزير الخارجية السعودي، عند سؤاله خلال المؤتمر الصحفي عن علاقة بلاده بالصين، على أنها لا تُمثل تهديدًا للشراكة الأمنية طويلة الأمد، بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.