الدبلوماسية المالية.. هل تفك شفرة أزمة السودان؟

نموذج جديد للمساعدات الإنسانية.. ماذا تتطلب الأزمة السودانية؟

الدبلوماسية المالية.. هل تفك شفرة أزمة السودان؟

ترجمات - السياق

مع تفاقم الاشتباكات بين طرفي الصراع بالسودان، وعدم وجود نهاية للحرب تلوح بالأفق، وتجرع الملايين لمآسٍ عدة، يبدو أن البلد العربي -الذي يشهد نزاعًا دمويًا للأسبوع الثامن على التوالي- في أمس الحاجة لنموذج جديد من المساعدات، وفق "فايننشال تايمز" البريطانية.

وأشارت الصحيفة، في تحليل للكاتب أليكس دي وال، المؤلف المشارك لكتاب "ديمقراطية السودان غير المنجزة"، إلى أنه يمكن لما سمتها "الدبلوماسية المالية" أن تكسر الجمود العسكري والسياسي، الذي أوصل البلاد إلى حافة الانهيار.

وأدى النزاع بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلى قتل مئات المدنيين، ودفع 400 ألف للفرار عبر الحدود ونزوح أكثر من 1.2 مليون خارج العاصمة ومدن أخرى.

وتوسطت السعودية والولايات المتحدة، في محادثات أدت إلى وقف لإطلاق النار لم يلتزم به الفصيلان التزاًما كاملًا، لتقديم المساعدات الإنسانية، لكن المحادثات انهارت الأسبوع الماضي، ولم يُعلن عن محادثات مباشرة، رغم أن وفدي الفصيلين لا يزالان في مدينة جدة السعودية.

وألحق القتال أضرارًا جسيمة بالعاصمة، حيث يُعاني السكان الذين لم يغادروها، المعارك والغارات الجوية وعمليات النهب.

 

مجاعة وانهيار

وحذر أليكس دي وال، من أن السودان يواجه مجاعة على مستوى البلاد وانهيارًا للدولة، مشيرًا إلى أنه قبل 4 أعوام فقط، عندما أسقطت الاحتجاجات غير العنيفة ديكتاتورية الرئيس عمر البشير التي استمرت 30 عامًا، بدا أن مستقبلاً ديمقراطيًا مُشرقًا في متناول البلاد.

لكن صاحب "ديمقراطية السودان غير المنجزة" لفت إلى أن آمال عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين، الذين عادوا إلى ديارهم أُحبطت بقسوة.

ورغم ذلك، شدد الكاتب على وجود فرصة للرد على الأزمة الحالية، بنموذج مالي جديد للدبلوماسية والعمل الإنساني.

كان القتال قد اندلع في العاصمة الخرطوم 15 أبريل الماضي، بين جيش تقليدي بقيادة عبدالفتاح البرهان، ضد قوات شبه عسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".

وحتى الآن، لم يوجه أي طرف ضربة قاضية إلى الآخر، إلا أنه في غضون ذلك، هجر أكثر من مليون شخص منازلهم.

وقد وصل إلى مصر المجاورة وحدها ما يُقدر بنحو 160 ألف شخص، بينما يخطط كثيرون منهم لشق طريقهم في النهاية إلى أوروبا.

ففي الخرطوم، وبشكل متزايد في مدن سودانية أخرى، يموت الناس من الجوع والعطش وضربات الشمس والأمراض غير المعالجة في منازلهم.

ورغم أن الأطباء والعاملين في القطاع الصحي يكافحون لإبقاء المستشفيات مفتوحة، فإنهم بحاجة إلى كهرباء وماء وإمدادات طبية ورواتب.

 

حلول

مع اشتداد الأزمة، يرى دي وال، أن النموذج التقليدي للعمليات الإنسانية من القوافل الغذائية ومحطات الطوارئ الطبية، لم يعد مثاليًا بالنسبة للوضع في الخرطوم.

 

التجربة الكينية

وقال: "قد يكون هذ النموذج مناسبًا للأزمة التي تتكشف في المناطق الريفية بدارفور، لكن المجاعة في الخرطوم تتطلب نهجًا مختلفًا بشكل جذري، يعتمد على إيصال الأموال النقدية مباشرةً إلى المواطنين، أو عن طريق البنوك بالنسبة لأولئك الذين لديهم حسابات بنكية، أو حتى تقديمها عبر الخدمات المصرفية الأخرى وخدمات الهاتف الخلوي".

أما أولئك الذين لديهم أقارب في الخارج، فيمكن مساعدتهم عبر خدمات تحويل الأموال، كما يمكن تقديم هذه المساعدات من خلال الائتمان المحول مباشرة إلى هواتفهم، وفق الكاتب.

وأشار الكاتب إلى أن هذه التقنيات مجربة ومختبرة جيدًا، مشيرًا إلى أن كينيا تمتلك بعض أكثر أنظمة الأموال تطورًا في العالم على مستوى الهاتف المحمول.

كما تتمتع شركات تحويل الأموال الصومالية بخبرة عمل كبيرة، حيث لا توجد حكومة فاعلة.

ومن ثمّ، فقد اتجهت الوكالات المانحة -بشكل متزايد- نحو النقد كشكل أكثر فاعلية للمساعدة.

ومع ما يشهده السودان من عمليات عسكرية ونهب، فإنه أصبح بحاجة ماسة لتوسيع هذا النطاق، حسب قول الكاتب.

 

الفراغ

وشدد على أن ما سماها "الدبلوماسية المالية" يمكن أن تساعد في حل الأزمة السياسية أيضًا، مشيرًا إلى أنه بالنسبة إلى الجنرالات، ليست ساحة المعركة سوى جزء من التنافس، بينما الجزء الآخر الأكثر استراتيجية هو المال، إذ يحتاج كلا الجانبين إلى موارد مادية ضخمة لمواصلة الحرب.

كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرضت عقوبات مستهدفة على الشركات المرتبطة بالجيش، لكن حتى الآن، تعد هذه الإجراءات أداة من دون استراتيجية.

وأضاف الكاتب: "تتمثل خطوة أكثر جرأة في دعم التكنوقراطيين الماليين في السودان وإنشاء قطاع مصرفي مستقل يديره مدني"، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يشمل ذلك بنكًا مركزيًا للسودان مستقلاً عن الطرفين المتحاربين.

ونوه الكاتب إلى أن فكرة إنشاء بنك مركزي مستقل حدثت في أماكن أخرى، ضمنها ليبيا و(لفترة وجيزة) اليمن.

وأشار إلى أنه عندما التقى المفاوضون الأمريكيون والسعوديون الأطراف المتحاربة في جدة بداية مايو المنصرم، كان المتحاربون يمثلون أنفسهم لا مؤسسات الدولة، إذ لم يشاركوا باسم "حكومة السودان"، لذلك هناك فراغ يُنتظر ملؤه.

وبما أن رجال المال هم صانعو الملوك في هذه الحرب، يجب أن يملأ الفراغ المدنيون التكنوقراطيون، وفق الكاتب.

وأوضح أن الدعم من المؤسسات المالية الدولية سيكون أمرًا حيويًا، لافتًا إلى أن السودان سيحتاج إلى خطة إنقاذ مالي وأموال ضخمة لإعادة الإعمار، ومن ثمّ "يجب أن يبدأ المانحون والدائنون وضع هذه الأموال حصرًا تحت إمرة مدنية".

وشدد دي وال، على أن تجنب المجاعة وانهيار الدولة في السودان يتطلب مساعدة إنسانية قائمة على النقد ودبلوماسية مالية حازمة.