بعد ملاحقة قياداتها.. هل تتحول حركة النهضة إلى تنظيم سري مسلح؟
محمد بن فيصل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، توقع، في تصريحات لـ السياق، أن تتحول حركة النهضة إلى تنظيم سري مسلح، مستندًا في رؤيته إلى تاريخ جماعة الإخوان الذي يعد المرجعية التي انبثقت منها الحركة.

السياق
على وقع الضربات المتلاحقة، التي مُني بها تنظيم الإخوان في تونس، باتت حركة النهضة ذراعه السياسية، تتخبط في قراراتها وتحركاتها، حتى أصبحت قياداتها في قبضة السلطات التونسية.
آخر تلك القيادات التي وقعت في قبضة الأمن التونسي، أحد أخطر أعضاء «الجهاز السري» التابع لحركة النهضة سمير الحناشي، أثناء محاولته اجتياز الحدود التونسية الليبية بجواز سفر مزور.
وما أن ألقت السلطات التونسية القبض عليه، حتى عثرت في منزله على وثائق تتعلق بقضية التآمر على أمن الدولة، بحسب مصادر محلية، أكدت أن ما ضُبط وحُجز خلال تفتيش منزل الحناشي، الذي يعد أحد أخطر أعضاء الجهاز السري لحركة النهضة، يهدد أمن البلد الإفريقي واستقراره.
واقع أثار مخاوف من تحول «النهضة» إلى تنظيم سري مسلح، خاصة أن الحركة تعد الذراع السياسية لجماعة الإخوان، ومنها تستقي أفكارها.
هل تتحول "النهضة" إلى تنظيم سري مسلح؟
محمد بن فيصل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، توقع، في تصريحات لـ«السياق»، أن تتحول حركة النهضة إلى تنظيم سري مسلح، مستندًا في رؤيته إلى تاريخ جماعة الإخوان الذي يعد المرجعية التي انبثقت منها الحركة.
وأوضح أنه خلال الأزمات الكبرى التي تهدد وجودها، غالبًا ما تتحول من جماعة سياسية أو دعوية إلى تنظيم عسكري سري، لتنفيذ العمليات الإرهابيّة واغتيال الخصوم وضرب المصالح العامة ونشر الفوضى، في محاولة لزعزعة الأمن وتأجيج الرأي العام.
وأشار إلى أن هذا النهج لم يكن محل إنكار من تنظيم الإخوان بل محل فخرٍ، كما علق يوسف القرضاوي، على اغتيال النقراشي في كتاب (سيرة ومسيرة) قائلًا: «وقابل عامة الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر، فقد رد عبدالمجيد حسن لهم كرامتهم وأثبت أن لحمهم مسموم لا يؤكل، وأن من اعتدى عليهم لابد أن يأخذ جزاءه».
وبحسب الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، فإن ما سُرب في مصر عن أن الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي قد ألمح -في مجلس خاص- إلى أنه إذا تغيرت نتيجة انتخابات الرئاسة في يونيو 2012، ستحدث «فتن ليس لها من دون الله كاشفة»، مؤشر -كذلك- على نهج الإخوان الداعي للعنف، إذا خسر جولاته السياسية.
تاريخ، قد يتكرر في تونس، خاصة أن حركة النهضة قد تستطيع التكيف مع هذه المرحلة، بحسب الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، الذي قال إن صلاح الصاوي -المُنظر الأول للإخوان- كان قد قال في كتابهِ (الثوابت والمتغيرات): «وقد تقتضي مصلحة العمل الإسلامي أن يفجر فريق ويستنكر آخر».
كان الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية، الذي يعيش مرحلة من الكمون، قد تورط في اغتيال القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ما دق جرس إنذار من إمكانية عودة الإخوان لهذا التكتيك كـ«أسلوب دفاعي» لضمان استمرار حركة النهضة في المشهد.
تراجع القدرات
رؤية أخرى أشارت إليها الأستاذة المساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سوسة الدكتورة صابرين چيلاسي، في تصريحات لـ«السياق»، قائلة إن الجهاز السري لحركة النهضة لم تعد لديه القدرات التي تؤهله لتنفيذ هذه العمليات، مشيرة إلى أنه لو كانت لديه القدرة على تنفيذ الاغتيالات السياسية لفعلها منذ أكثر من عام.
وشددت الأكاديمية التونسية، على أن الأنظمة الأمنية في تونس تسيطر على كل ما يحيط بهذا الجهاز السري، مستدلة على رؤيتها، بأن تونس لم تشهد أي محاولة اغتيال سياسي خلال العامين الماضيين.
إلا أن ذلك الواقع، لا يعني إمكانية تحرك الجهاز السري للإخوان، في ظل ما تشهده حركة النهضة وأتباعها من ملاحقات وحصار، بحسب الأكاديمية بجامعة سوسة، التي أشارت إلى أنه قد يقتصر على شكل الحراك الاحتجاجي، عبر إطلاق دعوات التظاهر والخروج لمعارضة النظام السياسي القائم، أو التصعيد المتمثل في حشد وتعبئة المواطنين بشكل غير مباشر ضد الدولة.
واستندت في رؤيتها إلى أحداث مثل احتكار المواد الأساسية، التي تسببت في ارتفاع الأسعار والغلاء، مقابل تراجع قدرة الشراء لدى التونسيين، مؤكدة أنها أمور ظهرت جلية بعد قرارات الرئيس التونسي التي وُصفت بـ«الاستثنائية» في يوليو 2021، عبر تحريض التونسيين على سياسة الرئيس قيس سعيد.
إلا أن هذه التحركات لم تنجح شعبيًا، بسبب تحركات الدولة والنظام السياسي التونسي، وتنفيذ مطالب الشعب، الذي رأى أن الأنظمة السياسية وفي مقدمتها حركة النهضة، لم تفعل شيئًا للمواطن التونسي، بل زادت المؤشرات السلبية، بحسب الأكاديمية التونسية.
تشكيك
وفي يناير 2022، أعلنت وزارة العدل التونسية بدء التحقيق في الجهاز السري لحركة النهضة، ودوره في عديد القضايا والملفات التي تهدد أمن البلاد، إضافة إلى دوره في اغتيال بلعيد والبراهمي سنة 2013.
ورغم ذلك، فإن الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور مروان شحادة، شكك في وجود «جهاز سري» لدى حركة النهضة، مشيرًا إلى أن هناك اختلافًا تنظيميًا بين حركة النهضة وجماعة الإخوان وتحديدًا في مصر.
وأوضح الخبير الأردني، في تصريحات لـ«السياق»، أن مسيرة الحياة السياسية والتنظيمية لإخوان تونس كلها سلمية، كما في شمال إفريقيا والمغرب العربي وتحديدًا في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، إذ لم يدخلوا في أعمال عنف كما في دول أخرى.
وأشار إلى أن حركة النهضة لم تعد حزبًا دينيًا أو إسلاميًا وإنما أصبحت حزبًا مدنيًا كبقية الأحزاب، لكن مرجعيته إسلامية.
وعن ملاحقة الدولة التونسية لقيادات النهضة، أرجع الخبير الأردني تلك التحركات إلى أدائهم السياسي خلال العشرية المنصرمة، مشيرًا إلى أن الرئيس التونسي يرفض مشاركتهم في العملية السياسية كامتداد للإخوان، وهو ما يفسره بأن وجودهم في الحياة السياسية يهدد النظام القائم.