في إيران... منع الإجهاض بواسطة الميليشيات
تجري آلاف النساء في إيران عملية الإجهاض سنويًا بطرق قانونية وغير قانونية، كما تختلف الأرقام الرسمية المعلن عنها عن الأرقام الحقيقية، نسبة للأعداد التي تجهض سرًا.

ترجمات – السياق
في إيران، يبدو أن حرب السلطات في مواجهة الإيرانيات لا ينتهي، فبعد أشهر من قمع المواجهات التي اندلعت جراء وفاة مهسا أميني، على يد الشرطة، بدأت مجموعة شبه عسكرية، بتسيير دوريات في البلدات والمدن لمنع عمليات الإجهاض، حيث يخشى النظام انخفاض عدد السكان، ما اضطر بعض النسوة اللاتي يسعين للإجهاض، للجوء لعيادات غير مجهزة بعيدًا عن أعين الأمن.
وأعلن صابر الجعبري فاروغي، المسؤول بوزارة الصحة، إطلاق ما تسمى "دورية الإجهاض" أو "النفس" التي تعني "الحياة" بالفارسية، لمراقبة التزام المكاتب الصحية والعيادات بعدم إجراء أي عمليات إجهاض خارج إطار القانون، محذرًا من أن المتورطين في عمليات الإجهاض غير القانونية سيكون التعامل معهم "بصرامة"، مع سحب تراخيص الفريق الطبي من ممارسة الطب نهائيًا.
وكشفت صحيفة التلغراف البريطانية، أن هذه الدوريات تنفذها ميليشيا الباسيغ التابعة للحرس الثوري الإيراني.
والباسيغ، قوات شعبية شبه عسكرية، تتكون من متطوعين من المدنيين ذكورًا وإناثًا، أُسّست بأمر من القائد السابق للثورة الخميني في نوفمبر 1979، مهمتها الأبرز مراقبة ارتداء النساء للحجاب الإلزامي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه عندما اندلعت احتجاجات عنيفة في إيران العام الماضي، ردًا على وفاة فتاة تدعى ماهسا أميني (22 عامًا) في حجز شرطة الآداب بطهران -التي قُتلت بدعوى عدم ارتدائها الحجاب بالشكل اللائق- قلصت الجماعة دورياتها بشأن فرض القواعد الصارمة على ملابس النساء، أملًا بتراجع الغضب الذي عمّ البلاد حينها.
تجدد القمع
ولكن -حسب "التلغراف"- بعد أن نجح النظام الإيراني في تهدئة غضب الشعب -الذي ثار احتجاجًا على قتل مهسا أميني- تحرك مجددًا لتشديد قبضته، وشن حملات جديدة ضد ما يعده "انتهاكًا لقواعد الحجاب الإلزامي".
وبينت الصحيفة، أن القانون الإيراني يُجرم عملية الإجهاض ويُنزل العقوبة بالفاعل وكل من أسهم بإتمام العملية، إلا بثلاثة شروط: إصابة الجنين بنقص النمو، أو التشوه الخلقي، أو المخاطرة بحياة الأم حال استمرار الحمل، ولا تجرى العملية من دون موافقة الأم على الإجهاض واستكمال الأوراق المطلوبة في الطب الشرعي، على أن يكون ذلك قبل إتمام الجنين شهره الرابع.
وتجري آلاف النساء في إيران عملية الإجهاض سنويًا بطرق قانونية وغير قانونية، كما تختلف الأرقام الرسمية المعلن عنها عن الأرقام الحقيقية، نسبة للأعداد التي تجهض سرًا.
وأشارت إلى إجراء قرابة 10 آلاف عملية إجهاض بشكل قانوني العام الماضي، وفقًا للأرقام الرسمية، لكن مع الانخفاض السريع في عدد سكان إيران، فإن العيادات -غير القانونية- التي تساعد كثيرات في التخلص من أبنائهن بصرف النظر عن حالته الصحية، أزعجت السلطات في طهران.
وحسب الصحيفة، فإن أبرز الأسباب التي تدفع المرأة للإجهاض في إيران هي: الحمل غير المرغوب فيه من الزوجين لأسباب اقتصادية، أو زمان ومكان غير مناسبين لهما، أو حتى بسبب جنس الجنين أو عدم رغبة الوالدين في تحمل المسؤولية، أو حدوث الحمل أحيانًا بين المخطوبين قبل الزواج، أو بسبب علاقة غير شرعية.
كان البرلمان الإيراني وافق -العام الماضي- على قانون يحظر خدمات الصحة العامة من تقديم متطلبات تنظيم الأسرة، بما في ذلك موانع الحمل وقطع القناة الدافقة واستئصال الأنابيب وكذلك موانع الحمل المجانية، بخلاف المواضع التي يهدد فيها الحمل صحة المرأة.
وفي خطوة أخرى ضد الإجهاض، أمر الرئيس إبراهيم رئيسي -الشهر الماضي- بمنع العيادات الحكومية من تقديم "حبوب الإجهاض"، ما زاد صعوبة الأمر قانونًا، واضطر كثيرات إلى اللجوء لأساليب أخرى.
ونقلت الصحيفة عن "أفسانة"، محاضرة العلوم الاجتماعية في طهران، التي طلبت عدم كشف اسمها، قولها: إن الحكومة تستهدف عمليات الإجهاض وتنظيم الأسرة لوقف التدهور السكاني الذي تشهده البلاد.
وشددت على أن الوصول إلى "الإجهاض الآمن بالغ الأهمية، لأن الزوجين، خصوصًا الأم، غير قادرين على تربية الطفل ورعايته، ومن ثمّ قد تلجأ المرأة -التي لا تريد الولادة- إلى وسائل خطيرة لإجراء الإجهاض، فتخاطر بحياتها".
وأضافت: "لكن هناك من يستطيع تحمل نفقات السفر إلى الخارج لإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، خصوصًا إلى تركيا التي يكون الوصول إليها عن طريق البر وبشكل سهل إلا أنه مكلف".
خيارات أقل
وأوضحت "التلغراف" أن الخيارات أمام الأقل ثراءً محدودة جدًا، إذ لا يستطيع عوام الناس السفر إلى تركيا أو غيرها من أجل الإجهاض.
ومن دون الوصول إلى وسائل منع الحمل، فإن العيادات غير القانونية الملاذ الأخير للاتي لا يستطعن تحمل الحمل، أو غير القادرات على تربية طفل.
وحسب الصحيفة، تواجه غير المتزوجات في إيران الجلد بوحشية حتى الموت، والنبذ الاجتماعي، إذا حملن خارج إطار الزواج.
ومع تشديد المراقبة عبر دوريات الإجهاض الجديدة على العيادات العامة والخاصة، فإن الملاذ الأخير لهؤلاء يكون قد أُغلق تمامًا.
وبين هؤلاء "مريم" -وهو اسم حركي لحماية هويتها من بطش النظام- التي أجرت في الثلاثين من عمرها عملية إجهاض بإحدى العيادات غير القانونية في طهران.
وأشارت الفتاة الثلاثينية إلى أنها حملت بلا زواج، ما اضطرها إلى أن تلجأ لهذا الحل، خوفًا من بطش النظام وتعرضها للجلد، بدعوى ارتكابها "خطيئة" ممارسة الجنس خارج الزواج.
وقالت للصحيفة البريطانية: "لم أرغب في إنجاب طفل ولم أستطع إخبار أي شخص ليساعدني، وأعلم أن مساعدة الأطباء لي تكاد تكون مستحيلة، إذ إنهم يحتاجون أولًا لإذن من المحكمة الإسلامية قبل إجراء الإجهاض، التي بالتأكيد لن توافق".
وحسب الصحيفة، كانت مريم تعيش مع صديقها بوثائق مزورة تظهر أنهما متزوجان.
وأشارت إلى أنها مثل كثيرات في إيران، كانت تحتفظ بمخزون من حبوب منع الحمل التي تباع في السوق السوداء، لكن مع عدم توافرها خلال الفترة الأخيرة، فوجئت بحملها.
وأضافت: "عندما أصبحت حاملاً، دلني بعض الأصدقاء على إحدى العيادات التي تعمل بشكل غير قانوني، ويديرها طبيب يعمل أيضًا في أحد المستشفيات الخاصة، الذي وافق على إجراء العملية لي".
ووصفت مريم العيادة بأنها "بدت وأنها محل جزارة... حيث تنتشر القذارة في كل مكان".
ورغم أن التجربة لم تكلفها كثيرًا من المال، فإنها أرهقتها صحيًا، مشيرة إلى أنها نزفت أربعة أشهر وانتهى بها الأمر بخسارة الرحم وإصابتها بسرطان الثدي.
وقالت: "لن أنسى خوفي وألمي ذلك اليوم، كنا نُعامل مثل فئران التجارب، إذ إنه بعد أن انتهى الطبيب من عملية قبلي وإجرائها أمام عيني، من دون تنظيف، جاء إليّ بالقفازات والمعدات نفسها، ليجري لي عملية الإجهاض".
من جانبه، قال خوروش زياباري، صحفي إيراني يعيش في المنفى للصحيفة البريطانية: "رغم تقديم الحكومة حوافز مالية للأزواج الذين لديهم أكثر من طفل واحد، فإن السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة -ثلثهم يعيش تحت خط الفقر- يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، وغير مقتنعين بالدعاية الإنجابية للنظام".
وأضاف: "الحرب الثقافية الإيرانية ضد الإجهاض والحقوق الإنجابية ليست ظاهرة محلية، لكن في سياق إيران، فإنها تندرج ضمن عنوان السياسات الحكومية الأوسع، لتقييد خيارات النساء وفرض الأعراف الموروثة".