بعد إغلاق المستشفيات بالسودان.. وسائل التواصل الاجتماعي الأمل الأخير للمرضى
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 16% فقط من مستشفيات العاصمة الخرطوم، تعمل بكل طاقتها.

ترجمات – السياق
بعد مرور نحو شهر على بدء الاشتباكات في السودان، بين الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أصبح نحو 70 في المئة من مستشفيات الخرطوم والمناطق المتاخمة للاشتباكات، خارج الخدمة، بسبب تضررها من القصف، ما اضطر الأطباء إلى البحث عن حلول لمتابعة عملهم ومداواة الضحايا والمصابين.
وكشفت صحيفة غارديان البريطانية، أن الأطباء في السودان يلجأون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى المرضى والجرحى، بعد إغلاق أو تضرر عديد المستشفيات والمرافق الصحية، جراء أعمال العنف.
ولمواجهة ذلك، أنشأ متطوعون خطوط مساعدة، تعمل على مدار الساعة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأبرزها "واتس آب"، التي ضمت مئات الأطباء والمتخصصين.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 16% فقط من مستشفيات العاصمة الخرطوم، تعمل بكل طاقتها.
والأسبوع الماضي، قُتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص، بينهم طفل، في غارة جوية خارج مستشفى شرق النيل شمالي الخرطوم، بينما أفادت منظمة أطباء بلا حدود بأن مستشفى الجنينة التعليمي، غربي دارفور، تعرض للنهب في 28 أبريل الماضي.
وضع مريع
ونقلت "غارديان" عن الدكتور خالد الشيخ، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في الخرطوم، قوله، إن عدد ضحايا المدنيين آخذ في الازدياد.
ووصف الوضع بالنسبة لمن يعانون أمراضًا مزمنة وحديثي الولادة بالمريع، مضيفًا: "إنه أمر صعب للغاية بالنسبة للمرضى الذين يعانون العجز الكلوي، الذين يحتاجون إلى غسل الكلى، والذين يعانون أمراض القلب والسرطان، وكذلك حديثي الولادة والذين يحتاجون إلى الرعاية وأمراض النساء".
ولتلافي ذلك، يعمل المسعفون والقابلات المتطوعون للوصول إلى المرضى عبر "واتس آب".
وفي ذلك، يقول الشيخ: "إنهن يحاولن ربط النساء بقابلة في المنطقة، حتى يتمكن من الولادة في منازلهن، لكننا لا نعرف ما إذا كانت لديهن إمدادات طبية لإجراء عمليات ولادة آمنة ونظيفة".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه حتى قبل الحرب، كان معدل وفيات الأمهات في السودان مرتفعًا، حيث بلغ عدد الوفيات بين الأمهات 295 لكل 100 ألف ولادة حية، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.
كما استجاب الأطباء في السودان وخارجه للأزمة، من خلال توفير خطوط مساعدة مجانية على مدار الساعة، متاحة لأي شخص في البلاد، يحتاج إلى مشورة صحية.
فقد افتتحت جمعية الأطباء السودانيين في قطر خط مساعدة، في غضون يومين من بدء النزاع.
وبحسب الجمعية، فإن الخط الساخن يضم 136 طبيبًا من أكثر من 36 تخصصًا، وقد قدم استشارات لمئات الأشخاص.
وتأمل الجمعية فتح خط ساخن منفصل للصحة العقلية، يديره علماء النفس والأطباء النفسيون.
ونقلت الصحيفة عن عمير زين، الطبيب النفسي السوداني المقيم في الخليج، الذي يعمل على خط المساعدة، قوله: "الأطباء بجميع التخصصات، من الأمراض الجلدية إلى أمراض النساء، يحاولون المساعدة من خلال الخطوط الساخنة، وواتس آب".
وأضاف: "عندما يتصل شخص، يتحدث أولاً إلى الطبيب الذي يجري مكالمات الفرز، ثم تحال إلى اختصاصي... نحن نتناوب في إجراء نوبات الفرز".
وأوضح زين أنه "في بعض الأحيان علينا أن نخبر المريض بأنه بحاجة للذهاب إلى المستشفى، لكن كثيرين منهم لا يجدون أي مستشفى يناسبهم، في ظل الاشتباكات الأخيرة".
وأشار إلى أن جمعية الأطباء السودانيين تقدم تحديثات للمستشفيات المفتوحة على مدار الساعة، لكن الأمر صعب في ظل إغلاق معظم هذه المستشفيات.
نقص الأدوية
من جهة أخرى، يُمثل نقص الأدوية أو معلومات الصيدليات المفتوحة تحديًا كبيرًا، بحسب "غارديان".
ويقول زين: "كثيرون من الذين يعانون حالات صحية عقلية موجودة مسبقًا، يتواصلون ليسألوا عما إذا كان عليهم زيادة جرعاتهم أو تغييرها".
وحذر من أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه، سيزيد معاناة مرضى الصحة العقلية سوءًا، مشيرًا إلى أن هناك حالات مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، يمكن أن تتفاقم حتى مع ضغوط الحياة العادية.
وأوضح زين أن عديد المواطنين ظهرت عليهم مؤخرًا "علامات الصدمة المبكرة"، جراء استمرار أعمال العنف حول المباني السكنية.
وأشار إلى أنه يقدم لهم النصائح بتقنيات الاسترخاء، والتحقق من مشاعرهم ومخاوفهم، ليصف لهم الدواء الناجع، مضيفًا: "أخبرهم بأن ما يشعرون به طبيعي، وبأن مجرد كونهم على هذا النحو الآن، لا يعني أنهم سيبقون على هذا الحال إلى الأبد"، متابعًا: "نعم... سيصاب عديد الأشخاص باضطراب ما بعد الصدمة، لكن كثيرين منهم سيتعافون في ما بعد".
ويروي زين أنه تلقى مكالمة من زميلة طبيبة في السودان، أخبرته بأنها حاولت علاج إحدى جاراتها، إلا أنها لم تسعفها وتوفيت السيدة، جراء نقص المعدات والأدوات الطبية، بخلاف نقص الأدوية، فما كان من الطبيبة إلا أن بادرته بالسؤال: "هل أنا مصابة باضطراب ما بعد الصدمة؟"، مشيرًا إلى أن العمل نفسه يكون له أثر في نفسية الطبيب، ومن ثمّ فالجميع يتواصلون على أمل المساعدة في تخفيف هذه الصدمات.
كانت منظمات دولية وصفت الوضع الصحي في السودان بالكارثي، وأعلنت عجزها عن تقديم المساعدات للمتضررين من الحرب، في ظل الوضع الأمني المضطرب، ما اضطرها إلى مغادرة البلاد.
نقص الأدوية
بدوره، كشف الناطق باسم وزارة الصحة الاتحادية، منتصر محمد، أن أدوية كثيرة غير متوفرة، مثل الإنسولين لمرضى السكري، منوهًا إلى تقديم النصح للمرضى، بالاتجاه لاستخدام الإنسولين المخلوط، ونشر أرقام أطباء واختصاصيين للتواصل معهم.
وأوضح أنه "بداية الحرب حدث شح في الأدوية، وواجهتنا مشكلة في الوصول إلى المخازن، لأنها تقع في قلب الخرطوم، حيث اشتعال المعارك، رغم ذلك تمت تغطية العجز من مخازن الأدوية ببعض الولايات، ومخازن صغيرة تتبع لوزارة الصحة، وإعادة توزيع بعض الأدوية".
من جانبها، كشفت نقابة الأطباء السودانية، في بيان، الأسبوع الماضي، أن 17 مستشفى قُصفت، و19 مستشفى تعرضت للإخلاء القسري، و67 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، من أصل 88 مستشفى في العاصمة.
وحذرت النقابة، بأنه من المتوقع حدوث نقص في مخزون المحاليل، مشيرة إلى أن المتاح لا يكفي أكثر من ثلاثة أشهر فقط.
وفي ما يتعلق بعلاج ضغط الدم، هناك مبادرة بين وزارة الصحة والصيادلة لتوفير العلاج في الصيدليات، لكن المشكلة تتمثل في عدم التمكن من إجبار الصيادلة على العمل في مناطق الاشتباكات.