حصار الخرطوم... هل تلبي مصر نداء البرهان؟

يبقى الموقف المصري الرسمي المعلن واضحًا، بالتزام الحياد في المسألة السودانية، وعدم مساندة طرف على حساب آخر عسكريًا.

حصار الخرطوم... هل تلبي مصر نداء البرهان؟
عبدالفتاح البرهان

السياق

منذ اليوم الأول لاندلاع القتال حتى اللحظة، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا محكم الخناق، على المقار الاستراتيجية للقوات المسلحة السودانية، غير التي فرضت سيطرتها عليها حتى اللحظة. ومن مبنى القيادة العامة لا يسمع الفريق الأول عبدالفتاح البرهان إلا الرصاص من قوات عدوه الحالي ورفيقه السابق الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ولا يرى سوى قناصيه يعتلون الأسطح، ومركباته السريعة تجوب المنطقة، في وضع يقول محللون إنه لن يدوم طويلًا، قبل انهيار قدرة الجيش السوداني على تحمُّله.

 

مخاوف القاهرة

منذ أيام تمتلئ الصحف الأجنبية بتقارير "طلبات الاستنجاد" التي يرسلها الفريق الأول عبدالفتاح البرهان إلى مصر، آملًا أن يحصل على مساعدات عسكرية جوية، تمكنه من حلحلة العقدة من حول عنق القيادة العامة والأماكن الاستراتيجية.

أخبار نقتلها صحف عربية عن مصادر خاصة، قالت إن البرهان يدفع إلى مصر بمخاوفها من تدفق ملايين اللاجئين والنازحين نحوها، واشتعال حرب أهلية أشد فتكـًا، قد تهدد أمنها القومي لسنوات، في مباحثاته مع القيادات العسكرية المصرية.

 

الموقف المصري

يبقى الموقف المصري الرسمي المعلن واضحًا، بالتزام الحياد في "المسألة السودانية"، وعدم مساندة طرف على حساب آخر عسكريًا، وهو ما أكدته مصادر مصرية، بتمسك القاهرة بمبدأ رفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، والبعد عن دعم آلة الحرب لأي من الفرقاء في السودان، مع حث الأطراف على التوصل لحل سلمي، وهو أيضًا ما جاء على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وحسب المصادر ذاتها، فإن عسكرة الدعم المصري لأحد الفرقاء في السودان، قد تزيد الأمور تعقيدًا على المدى البعيد، خاصة أن البلد الإفريقي يذخر بملايين القطع من الأسلحة الواقعة في يد حركات مسلحة انفصالية وميلشيات وعصابات تهريب ومتمردين.

تدخل مصر في السودان، قد يربك أديس أبابا وأسمرة، إذ تشعر إثيوبيا وإريتريا الجارتان بالقلق بشأن عدم الاستقرار على طول حدودهما، وقد تتدخلان بشكل مباشر أكثر، إذا فعلت مصر ذلك، كما تقول "فورين أفيرز".

 

الدولة الأكثر تضررًا

مقال في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أكد أن مصر تجد نفسها في مأزق، فمن جانب ليس لديها الموارد أو الرغبة في خوض حرب، والآخر أنه لا يمكنها تحمُّل تجاهل الوضع بعد الآن.

جاء ذلك في مقال للكاتب والمحلل، محمود سالم، الذي قال: "لا يقل عن 120 ألفًا فروا إلى مصر حيث يقيم أصلًا 4 ملايين سوداني".

وأكد الكاتب في "فورين بوليسي" أن مصر ستكون الأكثر تضرًرا بشكل مباشر من الصراع، اقتصاديًا وأمنيًا.

وحدد عددًا من الخيارات المصرية، التي تنهي الصراع في السودان -مع منح كل من الجانبين شيئًا يريده- كما يقول الكاتب.

ويرى سالم أن الخيار الأول لدى القاهرة، دعم القوات المسلحة السودانية عسكريًا، لكن من ارتدادات هذه الخطوة، أنها تضع مصر في صراع مباشر مع قوات الدعم السريع.

 

تحالف مع "الدعم السريع"

ويرى المقال أن الخيار الثاني أمام القاهرة، أن تتحالف مع قوات الدعم السريع، وهو ما عده "كابوسًا" للقوات المسلحة السودانية، التي ستجد نفسها فجأة محاصرة بين الهجمات العسكرية من الشمال والجنوب.

ويقول الكاتب إن من الخيارات مواصلة الانتظار الترقب وعدم فعل أي شيء، بسبب تعقد الوضع وغموض خياراته، ويبدو هذا النهج حكيمًا حاليًا، لكن فاعليته طويلة الأمد تعتمد على متغيرين غير معروفين: مدة الصراع وهوية الفائز.

ويؤكد سالم -في مقاله- أن الخيار الرابع هو دعم وقف إطلاق النار بين الطرفين، حيث لا أحد ينتصر في هذا السيناريو، والدعوة إلى مفاوضات سلام بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ودعمها، كما هو الحال مع مبادرة وقف إطلاق النار الأمريكية السعودية.

لكن لانعدام الثقة بين طرفي هذا الصراع، فإن تقاسم السلطة في الحكومة نفسها سيكون صعبًا، ومن المحتمل أن يؤدي أي اتفاق لوقف إطلاق النار إلى سودان أكثر انقسامًا، مع سيطرة قوات الدعم السريع على الغرب الغني بالذهب، وسيطرة القوات المسلحة السودانية على الخرطوم والمناطق المتبقية.

ويشير الكاتب إلى الخيار الآخر من وجهة نظره وهو وقوف القاهرة إلى جانب الأطراف المدنية، وعلى مصر أن تصبح البطل غير المتوقع للأحزاب المدنية والديمقراطية في السودان، وتطالب بوجودها في المفاوضات المستقبلية، حسب قوله.

 

محادثات جدة المعلقة

أعلن الجيش السوداني تعليق مشاركته في محادثات جدة، واتهم قوات الدعم السريع بعدم الوفاء بالتزاماتها، باحترام الهدنة والانسحاب من المستشفيات والمنازل، وأعقب ذلك تأكيد الوسيطين السعودي والأمريكي تعليق المحادثات رسميًا.

ومن المفترض أن يطير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المملكة غدًا في زيارة تستمر يومين.

وأبدت الولايات المتحدة استعدادها لاستئناف المحادثات في جدة مع قادة المعسكرين المتحاربين في السودان، حال توافر نيات "جدية" على صعيد الالتزام بوقف النار.

وأعلن البيت الابيض أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات اقتصادية جديدة وقيودًا على التأشيرات "بحق الذين يمارسون العنف" في السودان، بعد انسحاب الجيش من المفاوضات الأخيرة مع قوات الدعم السريع، واتهامه بقصف منطقة سوق قديم في العاصمة.

وباتت ظروف الحياة صعبة في العاصمة، حيث قطعت المياه عن أحياء بأكملها، ولا تتوافر الكهرباء سوى بضع ساعات في الأسبوع، بينما توقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال عن العمل ويعاني السكان لتوفير المواد الغذائية.

نيران ونهب

الوضع مروع بشكل خاص في إقليم غرب دارفور، الذي يقطنه نحو ربع سكان السودان، ولم يتعافَ من حرب مدمرة استمرت عقدين، وخلفت مئات الآلاف من القتلى، وأكثر من مليوني نازح.

وقُتل مئات المدنيين وأضرمت النيران في القرى والأسواق، ونُهبت منشآت الإغاثة، ما دفع عشرات الآلاف إلى البحث عن ملاذ في تشاد المجاورة.

مقابل الوساطة السعودية الأمريكية ومباحثات جدة، تعمل أطراف أخرى على محاولة إيجاد حلّ للأزمة، مثل الهيئة الحكومية للتنمية شرقي إفريقيا (إيغاد) المؤلفة من ثماني دول، بينها كينيا التي استضافت -السبت- مستشار قائد قوات الدعم السريع يوسف عزت.

ومدّد مجلس الأمن الدولي الجمعة -ستة أشهر- المهمة السياسية للأمم المتحدة في السودان، بعدما اتّهم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان المبعوث الأممي فولكر بيرتيس بالإسهام في تأجيج النزاع.