هل تفكك إثيوبيا بات وشيكًا؟
مع اقتراب جبهتي تيغراي وأورومو بسرعة من العاصمة، تواجه الحكومة المركزية في إثيوبيا العديد من الخيارات التي لا تحسد عليها، إذ تؤدي كل النتائج إلى فوضى عارمة تضرب البلاد

ترجمات- السياق
مع اقتراب قوات جبهة تحرير شعب تيغراي وجيش تحرير أورومو بسرعة فائقة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تواجه حكومة آبي أحمد الآن أصعب اختبار يهدد بقاءها.
وقالت مجلة فورين بوليسي، في تقرير، إن إثيوبيا تعيش أكبر فتراتها من التناقضات الكبيرة، بعد تصاعد الخلاف بين المكونات الرئيسة للبلاد (جبهة تيغراي والأورومو والأمهرة)، التي تطالب بتقرير مصيرها، أمام حكومة آبي أحمد التي تدافع عن مركزية الدولة.
وأضافت المجلة: يمكن للحكومة المركزية الإثيوبية، أن تقرر الاستمرار في قتال المتمردين ومواجهة العواقب، التي قد تنتهي بانتصار قوات تيغراي وأورومو، وفي حال تمكن الجيش الإثيوبي من صد المتمردين على المدى القصير، وهو أمر غير مرجح، فإن النتيجة المحتملة هي تفكك فوضوي دموي للبلاد، على غرار يوغوسلافيا السابقة".
قبضة حديدية
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الدستور الإثيوبي لعام 1994 كان أول محاولة جادة لحل التناقضات العديدة، من خلال منح مجموعات مختلفة درجة معينة من الاستقلال الثقافي واللغوي والاقتصادي، ومع ذلك، فإن هذه التجربة لم تفِ بوعودها بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى أن جبهة تحرير تيغراي حافظت على قبضتها على البلاد اقتصاديًا وسياسيًا بين عامي 1991 و2018، ما حرم الجماعات الأخرى من الحصول على مساحة كبيرة لممارسة حقوقها، التي يضمنها الدستور لإدارة شؤونها.
وأوضحت أنه مع اقتراب جبهتي تيغراي وأورومو بسرعة من العاصمة، تواجه الحكومة المركزية في إثيوبيا العديد من الخيارات التي لا تحسد عليها، إذ تؤدي كل النتائج إلى فوضى عارمة تضرب البلاد.
وأضافت: يمكن للحكومة المركزية أن تتفاوض مع القوتين الهائلتين، وتلبية معظم مطالبهما، وتهدئة النزاعات الحالية أو ربما تجنُّب التفكك العنيف للبلاد... وبدلاً من ذلك، قد تقرر الحكومة التفاوض مع واحدة فقط من الجماعات المتمردة، التي انضمت مؤخرًا إلى قواها، وشكلت تحالفًا يهدف إلى إطاحة آبي أحمد من السلطة، لكن هذا السيناريو الخيار الأقل احتمالًا، نظرًا لأن القوتين ستكسبان الكثير من خلال الحفاظ على المسار معًا، بدلاً من التفاوض مع آبي أحمد بشكل منفصل، فضلاً عن أنه سيؤدي إلى تكثيف الصراعات".
سبب النزاعات
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الخبراء المتابعين للقضية الإثيوبية، يجادلون بأن استمرار النزاعات يعود إلى مشكلة الالتزام بالاتفاقات السابقة.
وأشار روبرت باول الخبير السياسي، إلى أن سبب النزاعات الأهلية غير الفعالة، مثل النزاع في إثيوبيا الذي أزهق حتى الآن العديد من الأرواح ودمر اقتصاد البلاد والجيش الوطني، الفشل في الالتزام بالاتفاقيات التي يمكن التوسط فيها من خلال المفاوضات، مبينًا أن النزاعات تنجم عن "تحولات في توزيع السلطة، بين المقاتلين الذين لا يستطيعون الالتزام بتوزيع الكعكة المحلية"، موضحًا أن هذه الحروب تتمتع بتوزيع القوة غير المتكافئ والمتغير، ولا تثق الأطراف الأضعف بالأطراف الأخرى التي تمتلك القوة.
وأوضحت "فورين بوليسي" أن التاريخ السياسي الحديث لإثيوبيا، يشير إلى أن مشكلة الالتزام ستعقد الجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم في البلاد، مستشهدة بالخلافات الكبيرة بين الأطراف المتنازعة منذ تسعينيات القرن الماضي.
وربطت بين مساعدة الأورومو، لآبي أحمد في السيطرة على الحكم عام 2018، إلا أن آبي أحمد ما لبث أن تخلى عنهم، ما حدا بشباب الأورومو إلى التدفق بالآلاف على مكتب الشؤون القانونية، للانضمام إلى حركة القتال ضده.
وحسب المجلة الأمريكية، تشير الدلائل إلى أن قادة الأورومو لن يسمحوا بتكرار إهانات 1992 و2018 بعد ابتعادهم عن السلطة، مشددة على أن أي جهود لصنع السلام في إثيوبيا، لا تضمن حق شعب الأورومو في تقرير المصير القائم على الدفاع عن النفس، لا يبدو أن لديها فرصة للنجاح.
أما في ما يخص القادة العسكريين والسياسيين في تيغراي فإنهم -حسب المجلة- واثقون بأنهم دفعوا الجيش الإثيوبي للخروج من أراضيهم، وأنه لن يستطيع أحد نزع سلاحهم، سواء اختارت المنطقة البقاء في شكل من أشكال الاتحاد السياسي مع إثيوبيا أم لا.
وترى "فورين بوليسي" أنه بالنظر إلى كثافة الحملات العسكرية التي واجهوها العام الماضي، فليس من المستغرب أن يبدو القادة في تيغراي مصممين على بناء جيش، يمكن أن يضمن سلامة وأمن الإقليم في المستقبل المنظور.
جهود السلام
وفي ما يخص جهود السلام التي يبذلها المجتمع الدولي، شددت "فورين بوليسي" على ضرورة أن تركز هذه الجهود على معالجة مشكلة الالتزام الكامنة وراء النزاعات في إثيوبيا، مع تجنُّب إغراء الدخول في جهود تفاوضية ضيقة التركيز، وكذلك ثني النظام الإريتري (والأطراف الخارجية الأخرى) عن لعب دور مدمر في البلاد.
وأوضحت المجلة، أنه يتعين على صانعي السياسة في واشنطن والعواصم الأخرى في الدول الأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، قبول فكرة أنه لم يعد هناك حل جزئي للنزاعات الإثيوبية، مشددة على أنهم يجب أن يضعوا ثقلهم المالي والدبلوماسي خلف حل شامل للمشكلات التي تعانيها البلاد.
وأضافت: "تستلزم الحلول تشكيل حكومة انتقالية شاملة يرأسها المتمردون المتحالفون، الذين سيصممون وينفذون بشكل مشترك السياسات بطريقة مقبولة وقابلة للتنفيذ، بهدف التغلب على مشكلة الالتزام في جذور صراعات إثيوبيا".
وتابعت: "سيكون التفويض الرئيس للحكومة الانتقالية، إجراء استفتاءات في مناطق مختلفة، وفقًا للدستور الإثيوبي (1994) السائد أثناء القيام بالمهام الروتينية للحكومة، بما في ذلك تسهيل التسليم السريع للمساعدات الغذائية والخدمات الأساسية الأخرى، إلى المناطق التي مزقتها الحرب، والاستمرار في توفير السلع والخدمات العامة للشعب، والإدارة المشتركة للأصول الوطنية التي بناها الإثيوبيون".
الحل الأمثل
وعن الحل الأمثل للقضية الإثيوبية، قالت "فورين بوليسي": يتعين على الاستفتاءات -نهاية المطاف- تمكين الأقاليم المتحاربة في إثيوبيا من تقرير مصيرها السياسي، وفقًا للمادة 39 من الدستور الإثيوبي، التي تسمح بالانفصال من جانب واحد، مشيرة إلى أنه رغم المظالم التي ارتكبتها الدولة الإثيوبية ضد هذه الأقاليم، فإنه لا يزال من المجدي تشجيع المتصارعين، على العمل نحو اتحاد كونفدرالي من مجموعة دول مستقلة موحدة بشكل غير محكم في قالب واحد، على شكل الاتحاد الأوروبي.
وأضافت: "في هذه المرحلة، فإن اتحاد دول مختلفة هو الحل الأمثل، الذي يمكن أن يحل التناقضات المكلفة للدولة الإثيوبية، إذ أنه بينما تنشئ الدول الكونفدرالية قوات دفاعها الخاصة وتدير شؤونها الخارجية للتغلب على مشكلة الالتزام التي تزعج البلاد، يجب تشجيعها للحفاظ على السوق الإثيوبي المشتركة القائمة بالفعل وتطويرها (تمتلك البلاد سلعًا وخدمات متكاملة بشكل جيد، والعمالة وأسواق رأس المال) من خلال ترتيبات وتعديلات مؤسسية سياسية واقتصادية خلاقة، بما في ذلك العملة المشتركة، الموجودة بالفعل.
وتابعت: "بمساعدة من أمريكا وحلفائها الغربيين، تحتاج الحكومة الانتقالية أيضًا إلى معالجة القضايا التي يمكن أن تكون مصدرًا للصراعات المستقبلية، لا سيما النزاعات الناشئة عن الخلافات على الحدود الجغرافية والأقاليم".
واستشهدت "فورين بوليسي" في ختام تقريرها، بالنزاعات المدمرة من أيرلندا إلى كوسوفو وكشمير بالقول: "يجب على الجهات الفاعلة تجنُّب استراتيجيات المساومة، التي تفشل في الاعتراف بشرعية مزاعم بعضها على الأراضي الجغرافية، فعلى سبيل المثال، تطالب قوى أورومو السياسية بأن تخضع عاصمتهم أديس أبابا للولاية القضائية القانونية لأوروميا".
وتابعت: "تواجه الأقاليم التي تشكل إثيوبيا اليوم خيارات صعبة، لأنها تتخذ خطوات نحو المستقبل غير المؤكد، فإما أن يسلكوا الطريق الذي سلكته جمهوريات يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات، الذي انتهى بالانفصال، وإما التعلم من الدول الأوروبية التي اجتمعت عام 1951 في باريس لتشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC) كمقدمة إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي".